بعض الساسة في لبنان ماهرون في استيلاد المناسبات أو اختيار الاستحقاقات بغية ضرب مواعيد لحلّ عقد معيّنة. فكم من مرّة وعدوا بتشكيل حكومة "عيدية" على الأضحى المبارك، أو بانتخاب رئيس للجمهورية "عيدية" في الميلاد المجيد. يحترفون تعليق اللبنانيين المثقلين بالأزمات المتتالية بـ"حبال الهوا".
فبعدما حُكي الكثير في الأيام الماضية عن سباق مع الوقت لوقف إطلاق النار، أو التوصّل إلى اتفاق لوقف الحرب الدائرة، وعن إصرار الإدارة الأميركية على تحقيق إنجاز كهذا لاستثماره في استحقاق "الثلاثاء الكبير" من قبل الإدارة الديمقراطية في واشنطن لمصلحة مرشحة حزبها لرئاسة الجمهورية كَمَلا هاريس، وبعدما شهدنا حركة مكّوكية للموفد الأميركي آموس هوكستين لتحقيق ذلك، لم تهدأ حتّى قبل بضعة أيام من فتح صناديق الاقتراع، أطاحت الوقائع هذا الموعد.
وها نحن، اليوم، أمام موعد آخر مرتبط بتحديد هوية الرئيس الأميركي الجديد. فإنّ انتقال الحكم إلى الجمهوريين يوجب الانتظار حتى كانون الثاني المقبل لتسلمه مهماته، وربما الى آذار كي يشكّل فريق عمله. أمّا إن بقي الديمقراطيون في البيت الأبيض فقد تنطلق عجلة المساعي الأميركية فوراً بحكم الاستمرارية وإمكان أن يواصل هوكستين مهماته.
المفارقة أنّه رغم تأكيد الأمين العام الجديد لـ"الحزب" الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الأولى في 30/10/2024 أنّ "الميدان هو الأساس"، فإنّ الثلاثاء الكبير موعد يعوّل عليه الجانب اللبناني أكان الرسمي أو "الثنائي" الشيعي، علّ الولايات المتحدة تسهم في إنزال "الحزب" ومعه لبنان عن الشجرة وفرملة آلة القتل الإسرائيلية، وردع شراهة الإجرام لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
الثلاثاء الكبير موعد يعوّل عليه الجانب اللبناني علّ الولايات المتحدة تساهم في إنزال "الحزب" ومعه لبنان عن الشجرة وفرمّلة آلة القتل الإسرائيلية وردع شراهة الإجرام لدى نتنياهو.
قال قاسم في إطلالته: "هنا يأتي السؤال، هل تطول الحرب؟ الظاهر أنّ الانتخابات الأميركية مفصل لأنّه يأتي برئيس يصبح قادراً أن يأخذ خيارات معيّنة، لا يبقى نتنياهو "فلتان" كما يريد، لأنّ الأميركي يعتبر بشكل عام أنّ نتنياهو يُخرّب في بعض المحلات، هم يُوافقونه على كلّ شيء، لكن يريدون تكتيكاً مختلفاً. على كلّ حال، واحد من عوامل التأثير في الانتخابات الأميركية ونتائجها".
أمّا "محور التفاوض لوقف العدوان الإسرائيلي"، وفق تعبير قاسم و "الأخ الأكبر" لـ"الحزب" رئيس مجلس النواب نبيه بري، فكان أكثر حذراً. إذ بعدما نعى المبادرة الأميركية الأخيرة لوقف النار في لبنان، رفض عبر صحيفة "الشرق الأوسط" في 2/11/2024 وضع توقّعات لمسار الأزمة في ضوء نتائج الانتخابات الأميركية، معتبراً أنّ الثابت الوحيد هو أنّ الحراك "تم ترحيله إلى ما بعد هذه الانتخابات".
فيما نتنياهو أكّد مراراً وتكراراً أن لا مواعيد لوقف إطلاق النار على روزنامته قبل تحقيق خارطة الطريق التي وضعها. فخلال زيارته الحدود الشمالية في 3/11/2024، قال: "أريد أن أوضح أنّه مع اتفاق أو من دونه، فإنّ المفتاح لاستعادة الأمن والاستقرار في الشمال وإعادة سكانه إلى منازلهم بأمان هو أولاً إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وثانياً ضرب كلّ محاولة للتسليح، وثالثاً الرد بحزم على أيّ خرق وإجراء ضدنا".
المشكلة أنّ "التكتيك المختلف" عن نتنياهو الذي يريده الأميركيون، بحسب قاسم، يسقط أمام المعركة الإستراتيجية الوجودية التي تخوضها إسرائيل.
كلام قاسم عن أنّ "الانتخابات الأميركية مفصل لأنّه يأتي برئيس يصبح قادراً على أن يأخذ خيارات معينة ولا يبقى نتنياهو "فلتان" كما يريد" يتفوّق على ما عداه من أنّ الكلمة للميدان وأخواتها. فمن موقف الحرب لردع العدوان الإسرائيلي، تدرّج "الحزب" إلى "الحرب للدفاع عن لبنان" وتدحرج الى التعويل على الانتخابات الأميركية علّها تلجم "فلتان" نتنياهو. كأنّ المتنبي أفتى بقوله "يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي... فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ" للتعويل على "الشيطان الأكبر".
يعوّل قاسم على "العمّ سام"، ولا ضير، ما دام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قالها جهاراً في 17/9/2024: "لا نعادي أميركا ونحن إخوة. وإذا التزمت واشنطن حقوقنا فلن يكون لدينا خلاف". لكن المشكلة أنّ "التكتيك المختلف" عن نتنياهو الذي يريده الأميركيون، بحسب قاسم، يسقط أمام المعركة الإستراتيجية الوجودية التي تخوضها إسرائيل. لذا الأجدى هو تسليم قاسم راية الدفاع والسلاح الى الدولة اللبنانية، فبمشروعيتها كدولة وبالتزامها الشرعية الدولية وقراراتها تسهّل مساعيَ الدول الصديقة للبنان من أجل الضغط لوقف الحرب، وربما من باب "اتفاقية الهدنة".