"صوتنا فقط للفن والحُب والفرح"، هذا ما يقولهُ بعض المشاهير اللبنانيين من الفنانين، وقد لا يتقدّم أسماء جميعهم مصطلح "فنان" لأنّ الفن مسؤولية وجزء من التركيبة الإنسانيّة المتكاملة والمتجانسة، التي لا ينفصلُ فيها الآلم عن الفرح. يقولونَ ذلك لتبرير صمتهم حيالَ العدوان الإسرائيلي على لبنان.

يتحجّجونَ أنّ صوتهم للفرح، لكنهم لا يقتدونَ بكبارٍ يتذكّرونهم فقط في محافل التّكريم وتعزيز صورهم الشخصيّة ورسم الهالة، كبارُ لبنان الذين بقي منهم فيروز، لم يلتزموا الصّمتَ أبداً حيالَ أي حرب مرّ بها لبنان مع "إسرائيل"، بل التزموا الصّمت فقط حينَ كانت الحرب لبنانية - لبنانيّة. 

غنّت فيروز "أُسوارة العروس" و"خبطة قدمكم"، وغنّى وديع "الله معك يا بيت صامد بالجنوب" و"أرضي عم تقاسي"، وغنّت صباح "تعلى وتتعمّر يا دار". 


الأُغنية الوطنية لديهم كانت مسؤولةً، ومواقفهم في كل الميادين كانت واضحة، ومع ذلك كسبوا الغربَ والشرقَ معاً، فلم يبغضهم أحد على وطنيتهم ولم يُحاسَبوا كما يظن بعضُ الفنانين اليوم، فيخشونَ على مصالحهم الفئويّة. 

ولأننا نتحدّث عن واقع سياسي واجتماعي مغاير عمّا كانَ عليه أيام صباح ووديع وفيروز، فإنّ الفنان اللبناني اليوم بإمكانه أن يوظّف منصاته لدعم الحملات الإنسانيّة والاستغاثة، وكذلك لتأكيد ما ينصُ عليه الدستور اللبناني والمواثيق الإعلاميّة التي تنضوي تحتها جميع سبل التعبير، لا حياد في ما يخص إسرائيل. 

كلمات بسيطة في ميزان "إكس" و"إنستغرام" تُحدثُ فارقاً كبيراً. يتعرّضُ لبنان لعدوان، وتتعرّض سماؤه ومياهه منذُ سنوات لانتهاكات يوميّة، وتشتعلُ في لبنان نارُ الفتنة الفئويّة. فإمّا فنانون يُعارضون أحزابَ لبنانية ويُطلقون العنان لأصواتهم المعارِضة كإليسا، وإمّا يلتزمونَ الصّمتَ تماماً وكأنّ لبنان خارج خريطة حساباتهم، ودورهم الأوحد هو فقط "الدوم تاك" والغناء للسكارى في حفلات رأس السّنة، والتقاط الصّور مع المعجبين، والتخطيط لكيفية البقاء في الصّف الأوّل (Class A)... بينما يرفعُ فنانون قلّة الصّوتَ كأمثال كارول سماحة ومعين شريف ونادين نسيب نجيم.

ربما يكسبُ الصّامتونَ مصالحهم، وقد يُغامرون أحياناً ما إن رفعوا الصّوت، لكنّ ما يخسرونه أكبر بكثير نتيجة الصّمت، ولا يستطيع تقديرهُ سوى مَن لديه قيم يستندُ عليها في ما يقول.