كلّ محاولات وقف إطلاق النار تصطدم بالموقف الأميركي المعرقل أو الرافض ضمناً لأيّ مسعى إلى وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، والذي يمنح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر للاستمرار في عدوانه. لم توقف فرنسا محاولاتها. قال سفيرها عقب زيارته رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إنّ محاولات بلاده لوقف النار ، مدعومة من دول أوروبية أخرى، لم تمت. وبالتالي، لم يقطع الطريق على المساعي الديبلوماسية. غير أنّ نتنياهو، وفق ما بات واضحاً، لا ينوي التوقّف أو الخضوع للتفاوض. تنقل مصادر ديبلوماسية إلى "الصفا نيوز" أنّ الدول الغربية لا تملك تأثيراً على نتنياهو، وهو لا يهتم بمواقفها بدليل اعتداءات إسرائيل على قوات اليونفيل وعجز مجلس الأمن عن وضع حدّ لممارساته حيال جنودها.
هو التوتر الآخذ في التمدّد على المستويين السياسي والعسكري. سياسياً، لا يزال لبنان يأمل صدور قرار من مجلس الأمن لوقف النار. يعدّ رسالة في هذا الصدد لتسليمها إلى ممثل لبنان في مجلس الأمن بعد التوافق مع الفرنسيين بشأنها.
أمّا عسكرياً، فقد فشلت جميع المحاولات لوقف النار، ولم تتمكن الدول الغربية من وقف أعمال إسرائيل العدوانية وتدميرها القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، والقضاء على المعالم الأثرية. فعلى مرأى من المجتمع الدولي ومسمعه دُمّرت قرى وبلدات بأكملها، و المنازل دُكّت فوق رؤوس أهلها وقاطنيها.
بقعة الضوء الوحيدة تتسرّب من الميدان. الساحة الجنوبية والمواجهات التي تخوضها المقاومة لصدّ عمليات التوغّل الإسرائيلية إلى داخل القرى الحدودية ومنع احتلالها. التقارير كلها تتحدث عن أسبوعين خطرين في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية وتسلّم الرئيس المنتخب. وإلى أن يحين الموعد، فإنّ نتياهو سيستمر حكماً في تدمير ممنهج للجنوب والبقاع، وقد وسّع بنك أهدافه حتى لم يبقَ في لبنان من مكان آمن.
حتّى الساعة، فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه في الميدان جنوباً. استعاد حزب الله زمان المبادرة. وباشر ترميم قواعده . قدرات المقاومة بدأت تتعافى، يقول المحيطون، وقد يلزمها بعض الوقت لتعود بشكل أقوى. ولكن لا يلغي هذا قوة المواجهة في الجنوب وتقدّمها في الميدان.
في موازاة ذلك، تراهن إسرائيل على تعديل مزاج الناس تجاه حزب الله. أفيخاي أدرعي، الناطق باِسمها والناشط بتهديداته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا يوفّر جهداً للعب على الوتر الداخلي وبثّ الفتن في صفوف الناس، مستفيداً من مستوى التجاوب معه وتناقل سردياته الكاذبة.
يقول المطّلعون إنّ الأوضاع متجهة إلى المزيد من التصعيد على مستوى اعتداءات إسرائيل. بات تنفيذ المخطط أقرب بالنّسبة إلى الأميركيين الساعين إلى تغيير الوضعية السياسية في لبنان، من خلال القضاء على حزب الله وشلّ قدراته، والذهاب نحو انتخابات رئاسية تؤمّن وصول مرشّحين يحققون تطلعّاتهم من حيث تنفيذ القرارات الدولية، ولا سيما القرارين 1701 و1559، وإبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني بلوغاً إلى الأوليّ، حسب ما تطلب إسرائيل أخيراً.
أصل الأزمة هو الولايات المتحدة التي ينفّذ نتنياهو تعليماتها وتوجهاتها وأمنياتها.
لم يبقَ وقف النار مطلباً ملحاً لنتنياهو بعد تحقيق أهدافه والإصرار على توسعة رقعة اعتداءاته بغضّ طرف أميركي واضح. تقول المصادر الديبلوماسية إنّ إسرائيل لم تعد تطالب بوقف النار ولا تهتم بحدوثه، في وقت يسعى لبنان إلى التوسط لدى الفرنسيين لإعادة التقدم بمشروع لوقف النار يحظى بموافقة مجلس الأمن.
ويؤكّد المطلعون أنّ كلّ ما يتردّد عن مبادرات يفتقد الدقّة، لأنّ المحاولات في سبيل ذلك تصطدم بالعراقيل. وحده الميدان من شأنه أن يعيد تصويب المسار السياسي، وهو ما يعوّل عليه لبنان ويؤكّده رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو الطريق الوحيدإلى انتخاب رئيس للجمهورية.
يبدي حزب الله ارتياحه إلى الميدان ويؤكّد أنّ نتائجه ستعيد رسم المسار في لبنان والمنطقة. العين على ما تصنعه المقاومة، وإلى أن تتضح نتائجه فلا مكان للديبلوماسية.
بعد زيارتيْه إلى عين التينة وإلى مقر رئاسة الحكومة، بدا القلق واضحاً على مواقف رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، الذي صبّ اهتمامه على البحث عن سبل للضغط على نتنياهو من أجل وقف النار . قال جنبلاط إنّ أيّ مكان في بيروت لم يعد آمناً. قال أيضاً إنّ التفاوض لا يمكن حدوثه تحت الضغط. متشائم جنبلاط، كما بري وميقاتي. هم يدركون أن أصل الأزمة هو الولايات المتحدة التي ينفّذ نتنياهو تعليماتها وتوجهاتها وأمنياتها، وهي تعتبر أنّ ما يحصل في لبنان من شأنه أن يغيّر الواقع السياسي برمّته، وهذا ما تريده.