يواجه لبنان أزمة نزوح ضخمة تتفاقم يومًا بعد يوم، مكوّنةً ضغطًا هائلًا على البلديات، التي تعدّ الجهة الأمامية في مواجهة هذه الأزمة. فمع تدهور الوضع الاقتصادي، وتزايد التوترات السياسية، وتدفّق أعداد هائلة من النازحين، باتت البلديات تعيش حالة من العجز عن تلبية حاجات النازحين والمواطنين على السواء.
المستحقّات المالية وخطط الاستجابة
أوضحت خبيرة الحوكمة والتنمية المحلّية، وعضو بلدية كفردبيان، د. جوزفين زغيب، في حديثها لـ "الصفا نيوز" أنّه "يجب على وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، إصدار تعميم فوري لتخفيف العبء عن البلديات".
وذكرت زغيب بعض المشكلات التي تواجهها البلديات في الأزمة الحالية، ومنها العبء المالي وعدم دفع المستحقات، إذ تشكّل الضغوط المالية أبرز العقبات التي تواجه البلديات، التي لم تحصل غالبيتها على مستحقّاتها المالية منذ سنوات، وهذا ما أدّى إلى عجزها عن توفير الخدمات الأساسية للنازحين والمقيمين. علمًا بأن البلديات تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والدعم الحكومي، ولكنّ هذا الدعم بات غير كافٍ وغير مستدام، إذ تتطلّب الأوضاع الحالية تمويلًا ضخمًا لتلبية الحاجات المتزايدة.
وشدّدت زغيب على أنّ "خطط الاستجابة في البلديات بحاجة إلى تمويل، وأنّه من الضروري الإفراج عن مستحقّات البلديات ومنحها الصلاحيات اللازمة وسلطة اتخاذ القرار لتتمكن من القيام بدورها، بالتعاون مع القائمقامين والمحافظين". وأكّدت أنّ البلديات هي الجهة الأساسية والأكثر كفاءة لتقديم الدعم وفق هيكليتها القانونية. كما دعت الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها والوقوف إلى جانب الناس، وعدم الاكتفاء بوضع الخطط على الورق من دون تنفيذها، مع التركيز على توجيه المساعدات إلى أكثر الفئات حاجة".
كذلك لفتت زغيب إلى "النقص في الموارد البشرية والتقنية، لأنّ بلديات كثيرة تتكل على طاقات بشرية محدودة بسبب العجز المالي وعدم القدرة على تعيين موظفين جدد أو حتى دفع رواتب الموظفين الحاليين. نتيجة لذلك، يجد موظفو البلديات أنفسهم إزاء مهمات تفوق قدراتهم، من حيث إدارة أعداد النازحين المتزايدة وتلبية حاجاتهم، فضلًا عن التعامل مع ملفات الإغاثة وتوزيع المساعدات. إضافةً إلى ذلك، تفتقر البلديات إلى القدرات التقنية للتعامل مع الأزمات الكبرى، مثل تجهيز مراكز الإيواء بالمعدات الأساسية، أو إدارة الموارد بكفاءة، وهذا ما يجعلها عرضة لمزيد من الانهيار في ظلّ تفاقم الأزمة. وتواجه البلديات أيضًا تحديات كبيرة في توفير الموارد اللازمة لتشغيل مرافق الإيواء وتزويدها بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وهو ما يزيد الضغط على البنية التحتية المتهالكة أصلًا".
وقالت زغيب "برغم التحديات الهائلة، لم تتمكن الحكومة بعد من وضع خطة طوارئ شاملة لمساعدة البلديات في مواجهة أزمة النزوح. البلديات تجد نفسها مضطرة إلى العمل الفردي أو إلى الاعتماد على جهود المجتمع المحلي والمبادرات الشخصية، وهذا ما يعكس ضعف التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية".
أزمة بيروقراطية وشفافية واجتماعية
في سياق متصل، انتقدت مصادر مطّلعة على أبرز التحديات التي تواجه البلديات في لبنان، في حديثها لـ"الصفا نيوز"، التعقيدات البيروقراطية والتعميمات الحكومية، وقالت "بينما تصدر الحكومة تعميمات وإجراءات يجب أن تتبعها البلديات في تسيير شؤونها، تعرقل هذه التعميمات في كثير من الأحيان قدرتها على التصرف بحرية وسرعة. على سبيل المثال، تحتاج البلديات إلى موافقة مسبقة من المحافظين والقائمقامين قبل تنفيذ أي مشروع أو صرف مبالغ مالية، وهذا ما يؤدي إلى تأخير طويل في الاستجابة للحاجات الملحّة".
وحذرت المصادر من الضغوط الاجتماعية والنزاعات المحلية، فـ"النزوح المستمر أدّى إلى تغيرات ديمغرافية في العديد من القرى والبلدات، حيث باتت البلديات تتعامل مع تزايد أعداد السكان في ظل نقص الموارد. هذا الأمر قد يؤدي إلى توتر بين النازحين والمجتمعات المحلية، خاصةً في المناطق التي تعاني الفقر والبطالة. البلديات تجد نفسها مضطرة إلى التوسط في النزاعات التي قد تنشأ نتيجة التنافس على الموارد المحدودة، وهو ما يزيد من عبء مسؤولياتها".
وأضافت المصادر "تواجه البلديات أيضًا تحدي الشفافية في توزيع المساعدات التي تصل من المنظمات الدولية والجهات المانحة. في بعض الأحيان، لا تصل المساعدات بشكل مباشر إلى البلديات، فيضعها ذلك في موقف صعب تجاه سكانها الذين يطالبون بحقهم في الحصول على الدعم. كما أنّ غياب الشفافية في كيفية توزيع المساعدات قد يفاقم التوتر بين النازحين والمجتمعات المضيفة".
أما البنية التحتية في لبنان، التي تعاني إهمالًا طويل الأمد، فأصبحت تحت ضغط غير مسبوق نتيجة الأزمة الحالية، بحسب المصادر، فالبلديات تواجه نقصًا في القدرة على صيانة الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، والكهرباء، وهنالك مراكز للإيواء غير مجهّزة لتلبية الحاجات الأساسية. هذا الواقع يزيد من تعقيد الأزمة، إذ لا تستطيع البلديات التعامل مع الزيادة السكانية الناتجة من النزوح، وهذا يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية والبيئية".
في ظلّ هذه التحديات الكبيرة، تواجه البلديات اللبنانية وضعًا صعبًا يتطلّب تعاونًا فوريًا من قبل الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني. إنّ دعم البلديات وتمكينها ماليًا وإداريًا، وتخفيف الأعباء البيروقراطية، ووضع خطة طوارئ شاملة، هي أمور ضرورية لتخفيف حدّة الأزمة. البلديات تلعب دورًا أساسيًا في مواجهة آثار النزوح، ولكنها تحتاج إلى دعم عاجل ومستمر حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم خدماتها، ومن ضمان استقرار المجتمعات المحلية التي تواجه تحديات متزايدة في هذه الظروف الاستثنائية.