مع استمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان، وجد الكثير من اللبنانيين أنفسهم مضطرين إلى الهجرة بحثًا عن الأمان والاستقرار، في ظلّ الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وتُعدّ الدول العربية الوجهة الأولى لعدد كبير من هؤلاء المهاجرين، إذ يشتركون مع أبنائها في الثقافة واللغة، وتوفر بعض هذه الدول فرص عمل واستقرارًا نسبيًا.
وضع النازحين
وفقًا للسلطات اللبنانية، عبر 235 ألف شخص الحدود بين لبنان وسوريا، بما في ذلك 82 ألف لبناني و152 ألف سوري، بين 21 أيلول و3 تشرين الأول. بالإضافة إلى ذلك، غادر حوالى 50 ألفًا من مطار بيروت، بينهم عشرة آلاف سوري، كما سافر نحو ألف عن طريق البحر.
وفي حديثها إلى الصحافيين، وصفت رولا أمين مستشارة الاتصالات الرئيسية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المشهد عند معبر المصنع قائلة إنّ الطريق تعرّض لضربتين أحدثتا"حفرة ضخمة". وأضافت أن الناس كانوا "يائسين حتى أنّهم مضوا مشيًا في ذلك الطريق المدمر".
وأضافت "رغم أنّ معبر المصنع أصبح خارج الخدمة أمام حركة المرور، فإنّ المعابر الحدودية الثلاثة الأخرى مفتوحة وسالكة. وقالت إنّ مفوضية اللاجئين تعمل مع الهلال الأحمر العربي السوري وشركاء إنسانيين آخرين على المعابر الأربعة لدعم الذين يعبرون إلى سوريا، والذين هم حتّى الآن لبنانيون وسوريون وبعض اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى مواطنين عراقيين ومهاجرين من جنسيات أخرى. وأشارت إلى المفوضية المساعدة القانونية تقدم للعائدين السوريين، فضلًا عن مواد الإغاثة الأساسية.
وأوضحت: "فر العديد من الأشخاص من منازلهم من دون أوراق ثبوتية. لقد كانوا بعيدين عن سوريا سنوات طويلة. كثيرون منهم ليست لديهم شهادات ميلاد أو وثائق أخرى، لذلك نساعد على هذه الجبهة أيضًا".
وقالت مستشارة مفوضية اللاجئين "إنّ حوالى 60 في المئة من الذين يصلون إلى سوريا هم من الأطفال والمراهقين، وبعضهم وصلوا غير مصحوبين بذويهم". وأضافت أنّ الأسر تصل "مرهقة جسديًا ونفسيًا وهي بحاجة ماسة إلى الدعم، وبعضها تحتاج إلى رعاية طبية عاجلة".
الصعوبات التي تواجه الهجرة
الهجرة من لبنان حاليًا ليست أمرًا سهلًا، إذ يواجه اللبنانيون صعوبات جمة عبر البر أو البحر أو الجو.
الهجرة عبر البر:
المعابر الحدودية اللبنانية، مثل معبر المصنع، غالبًا ما تكون مغلقة أو تشهد ازدحامًا شديدًا نتيجة الحرب أو لأسباب أمنية أخرى. كما أنّ الطرق المؤدية إلى الحدود لا تخلو من دمار كبير، وهذا ما يجعل التنقل بريًا محفوفًا بالمخاطر ويتطلّب وقتًا طويلًا.
على مقلب آخر، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات لتنظيم رحلات سفر من بيروت إلى سوريا والأردن عبر البر. تواصل "الصفا نيوز" مع بعض أصحاب هذه الشركات للاستفسار عن وضع المعابر وتكلفة الرحلات، فأكد هؤلاء أنّ "الطريق من الشام إلى بيروت عبر معبر الدبوسية في حمص طويل ومرهق، ويستغرق حوالى 7 ساعات، والعبور منه أكثر صعوبة مقارنة بمعبر المصنع. وطريق الشام عبر معبر المصنع، لا يزال مغلقًا بسبب الحفرة الكبيرة فيه. بعض الأشخاص يعبرون مشيًا، لكن الوضع مرهق جدًا".
وبيّن أصحاب الشركات أنّ "الوضع داخل بيروت مأسوي، والوصول إلى المطار أصبح أكثر صعوبة بعد خروج الطريق الرئيسي عند الغولدن بلازا عن الخدمة. وحتى الآن، ليس هنالك مؤشرات واضحة إلى موعد إصلاح الحفرة في طريق الشام، والطريق ما زال غير صالح حتى إشعار آخر، أمّا عن أسعار الرحلات من بيروت إلى سوريا عبر البر، فبعضها يبدأ من 50 دولارًا ويصل إلى 100 على الشخص الواحد".
الهجرة عبر البحر:
مع زيادة عدد المهاجرين ازداد الاعتماد على الهجرة البحرية، خصوصًا من ميناء طرابلس إلى تركيا. إلّا أنّ تكلفة السفر عبر البحر مرتفعة جدًا، إذ تصل إلى 350 دولارًا على الشخص، وهي غير مضمونة النتائج، وقد تتخللها مخاطر مرتبطة بالسفر البحري غير المنظم.
ولفت أصحاب بعض مكاتب السفر إلى أنّ البعض وجد في رحلات البحر خيارًا بديلًا من السفر بالبر لصعوبته، فانتقلت غالبية الحركة البديلة إلى ميناء طرابلس، حيث عادت السفن إلى العمل بين لبنان وتركيا (ميناء مرسين)، وتكلفة السفر بالباخرة بين 250 و350 دولارًا، ومن هناك يمكن متابعة الرحلة بالطائرة إلى الوجهة النهائية".
60 في المئة من الذين يصلون إلى سوريا هم من الأطفال والمراهقين
الهجرة عبر الجو:
يواجه مطار بيروت تحديات تشغيلية كبيرة، لأنه يتكل بشكل أساسي على رحلات طيران الميدل إيست، وهذا ما يؤدّي إلى ازدحام شديد وصعوبة في الحجز، بينما حركة القدوم قليلة جدًا. عدا أنّ الرحلات الجوية باتت مكلفة جدًا، وتضيف عبئًا ماليًا على من يسعى إلى الهجرة.
الدول العربية الأكثر استقطابًا
بسبب قربها الجغرافي والثقافي، تتوجه أنظار اللبنانيين إلى عدة دول عربية توفر فرصًا معيشية أفضل نسبيًا:
دول الخليج:
تبقى الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والسعودية أكثر الوجهات جذبًا للبنانيين، بفضل اقتصاداتها القوية ووجود جاليات لبنانية كبيرة فيها. وهي توفر فرص عمل جيدة في مجالات متنوعة، بما في ذلك التعليم، والصحة، والهندسة.
مصر:
تعد مصر وجهة أخرى للبنانيين، خصوصًا مع تكاليف المعيشة المنخفضة مقارنة بباقي الدول. إضافة إلى ذلك، ثمة روابط تاريخية وثقافية بين البلدين تجعل الهجرة إليها خيارًا مقبولًا للكثيرين.
الأردن:
يُعتبر الأردن من الوجهات المتاحة بسبب استقراره النسبي وقربه الجغرافي، لكنه يواجه تحديات اقتصادية قد تقلل من فرص العمل المتاحة للبنانيين.
العراق:
على الرغم من الأوضاع الأمنية في بعض مناطق العراق، هناك فرص اقتصادية متاحة في إقليم كردستان الذي يوفر بيئة أكثر استقرارًا مقارنة بباقي مناطق البلاد،وهو ما يجعله وجهة فضلى لبعض اللبنانيين الباحثين عن فرص عمل.
في سياق متصل، يروي بعض النازحين اللبنانيين تجربة السفر الشاقة من لبنان إلى سوريا فالأردن فدولة الوجهة النهائية. قالت أماني شحادة، وهي أرملة وأم لفتاتين، إننا "لم نعد نستطيع تحمّل الخوف والقلق نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر على الضاحية، على الرغم من أنّ المنطقة التي كنا نقطنها، وهي قريطم قرب فردان، آمنة نسبيًا، ولكنّ أصوات القصف قويّة جدًا".
وتابعت شحادة "قررت الهروب من البلد، فتواصلت مع أقاربي في قطر، ليؤمّنوا لي تذكرة وغرفة فندق، وبعت كلّ ما كان بحوزتي من ليرات ذهب وحلي، وحجزت تاكسي، بعدما وضبت الحقائب ووصلت إلى المصنع. وبما أنّ الطريق كانت مقطوعة، انتقلت وبناتي مشيًا إلى القطاع الثاني، حيث كان بانتظاري أحد الأصدقاء الذي استقبلنا في منزله ليلة واحدة، ثم أوصلنا إلى الحدود السورية الأردنية، وبعد أن انتهينا من ختم جوازات السفر عقب أكثر من 4 ساعات انتظارًا نتيجة الضغط الهائل، أخذنا تاكسي إلى مطار عمان، ودفعنا 300 دولار. ومن عمان أخذنا الرحلة الأولى إلى قطر، وهكذا انتهى مشوار الرعب والمعاناة".
وشاركت إحدى السيدات من منطقة قصقص في بيروت قصتها مع "الصفا نيوز"، قالت "عشت 30 عاماً أحلم بلبنان الدولة، لبنان الحرية والسيادة والاستقلال، رفضت كل عروض العمل في الخارج، على قاعدة "لن أترك أرضي"، إلّا أنّ اليوم بدّد القصف الإسرائيلي وفساد الطبقة الحاكمة وضعف الدولة هذا الحلم، فلم أجد نفسي إلّا وأنا أقطع أوّل تذكرة طيران إلى العراق، حيث تسكن أختي، باحثةً عن بلد آمن أستطيع العيش فيه بكرامتي بعيدًا عن الخوف من الموت".
في المقابل يجد بعض اللبنانيين صعوبة في الحصول على فيزا إلى دول الخليج. أشارت ريتا شمعون في حديثها لـ "الصفا نيوز" إلى أنّها تمكّنت من الحصول على عرض عمل في السعودية، ووقّعت العقد، "إلاّ أنني غير قادرة على أخذ الفيزا لأنّ السفارة السعودية أقفلت أبوابها في لبنان، وبالتالي سأبقى عالقة في هذه الظروف إلى أن تفتح السفارة أبوابها".
أمّا بيار عقيقي، فقال "طلبت إحدى الشركات في الإمارات عمالًا. وبعد أن قدّمت جميع الأوراق المطلوبة رُفضت تأشيرتي لأسباب مجهولة".
في ظل الظروف الراهنة، تظلّ الهجرة إلى الدول العربية الخيار الأكثر واقعية للكثير من اللبنانيين الذين يسعون إلى الهروب من ويلات الحرب. ومع ذلك، تواجههم تحديات كبيرة في سبيل الوصول إلى تلك الدول، هذا ما يجعل الهجرة محفوفة بالمخاطر والتكاليف العالية،والإجراءات المعقّدة.