تحاول فرنسا أن تجد لنفسها موطئ قدم في الصراع القائم في الشرق الأوسط. تأخرت باريس في اتخاذ موقف واضح. لقد تأرجح ماكرون بين المواقف، وتردد بين خيارات غير ممكنة. بعد الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، أعلن إيمانويل ماكرون عن رغبته في تشكيل "ائتلاف دولي كبير" ضد حماس. واليوم، يعلن أنّ فرنسا لن تسلّم أسلحة إلى الجيش الإسرائيلي بينما تدخل دباباته إلى لبنان الجريح في مطاردة لوحدات حزب الله. كانت ردود رئيس الوزراء الإسرائيلي ثقيلة، بل مهينة لرئيس الدولة الفرنسي. ردّ نتنياهو على ماكرون قائلاً: "إسرائيل ستنتصر معكم أو بدونكم، وعيبكم سيبقى طويلاً بعد انتصارنا"... إنّه موقف غير مسبوق. إن إذلال ماكرون بات واضحًا. بالفعل، خلال زيارته إلى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، تعرّض إيمانويل ماكرون لسخرية العديد من المراقبين بسبب تصريحاته المبالغ فيها حول الوضع اللبناني، مما أظهر جهله بالملف. ولم تخفِ ثقته الزائدة بنفسه عدم كفاءته في التعامل مع الشأن اللبناني.
كانت ردود رئيس الوزراء الإسرائيلي ثقيلة، بل مهينة لرئيس الدولة الفرنسي...
لبنان وفرنسا قصة قديمة من الحب والقرب. لقد شهدت القرون الماضية على قوة الروابط بين البلدين. لعب ملوك فرنسا لفترة طويلة دور الحماية للسكان المسيحيين الذين عاشوا في لبنان الحالي. "منذ ذلك الحين، تطوّرت هذه العلاقة العريقة دون أن تختفي أبداً"، كما كتبت في صحيفة لو موند. في القرن الرابع عشر، تدخلت فرنسا عسكريًا لحماية الموارنة في جبل لبنان، المسيحيين الذين كانوا في صراع مع الدروز. وفي عشرينيات القرن الماضي، أصبح لبنان تحت الحماية الفرنسية حتى نيله استقلاله في أوائل الأربعينيات. إنّها علاقة مليئة بالقصص والأفراح والدموع. كلّ رئيس فرنسي قام بزيارة لبنان مرة واحدة على الأقل خلال فترة ولايته، للحفاظ على هذه العلاقة الوثيقة. اللبنانيون محبوبون لدى الفرنسيين، وبلادهم تثير أحلام الكثيرين منهم. كما أنّ الجالية اللبنانية في فرنسا، التي اندمجت بشكل كبير، تعتبر ركيزة غنية تضاف إلى الإرث الثقافي الفرنسي. بل تشكل ثروة في وطن فولتير وروسو.
في هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها لبنان، يشاهد الكثير من الفرنسيين بحسرة وألم مشاهد الحرب والمعاناة التي يعيشها هذا البلد مجددًا، حيث يبدو أن الأرض اللبنانية وشعبها يواجهان مرة أخرى دورة لا تنتهي من الألم والصراع.