البروباغندا هي عبارة عن أسلوب تواصلي يهدف إلى التأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو فكرة أو مجموعة من الأفكار بشكل يخدم مصالح معينة. تعتمد البروباغندا بشكل أساسي على استخدام وسائل الإعلام المختلفة لنقل معلومات مختارة وموجهة، غالباً ما تتضمّن تحريفًا أو تضليلاً، بهدف التأثير على مواقف الناس وتشكيل اقتناعاتهم بطريقة قد تكون غير موضوعية.

من أول من استخدم البروباغندا؟

البروباغندا ليست جديدة، بل يعود استخدامها إلى عصور قديمة. يُعتبر الرومان من أوائل مستخدمي البروباغندا السياسية من خلال تصويرهم كحماة للحضارة والمدنية في مواجهة "البرابرة". ومع تطور وسائل الإعلام والاتصال، أخذت البروباغندا تتوسع وتتنوع أساليبها. ومع ذلك، يعود الاستخدام المنظم والحديث للبروباغندا إلى الحرب العالمية الأولى، إذ أنشأت الحكومات أقسامًا متخصصة في نقل الرسائل الإعلامية الموجهة، بهدف تعبئة الشعوب ودعم مسار الحرب. وقد أظهر أدولف هتلر أهمية البروباغندا في كتابه "كفاحي" حيث اعتبرها وسيلة فعالة في السيطرة على الرأي العام، وهو ما قام به نظامه النازي بشكل واسع النطاق، مما جعله من أشهر مستخدمي البروباغندا في التاريخ.

تم توظيف البروباغندا في الكثير من الأحداث التاريخية الكبرى. خلال الحرب العالمية الثانية، استخدمت جميع الأطراف المتصارعة البروباغندا للتأثير على مشاعر العدو وكسب دعم الشعوب، سواء من خلال نشر الأخبار المضللة أو تحفيز الروح القومية.

في الولايات المتحدة، أُنشئت وكالة معلومات الحرب لنشر رسائل داعمة للحكومة تصوّر النازيين والسوفيات على أنهم شياطين، في حين كانت البروباغندا النازية تُبث في أوروبا من خلال الأفلام والمنشورات لتصوير هتلر كمنقذ للأمة الألمانية. وبالمثل، استخدم الاتحاد السوفياتي البروباغندا لترسيخ أفكار النظام الاشتراكي ولتعبئة الناس خلال الحرب الباردة.

البروباغندا الإسرائيلية في معركتها ضد لبنان

تعد البروباغندا في العصر الحديث أكثر تعقيدًا إذ يتمّ توظيفها بشكل احترافي ومتطور عبر وسائل الإعلام الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يجعلها قادرة على الانتشار بسرعة كبيرة وبشكل يصعب السيطرة عليه. يستخدم الكثير من الأنظمة السياسية والجماعات المختلفة البروباغندا للترويج لأفكارها أو لتحقيق أهدافها، مستغلة تطور التكنولوجيا وتأثير الإعلام.

في سياق الصراع بين إسرائيل ولبنان، يستخدم الجيش الإسرائيلي البروباغندا الإعلامية كأداة قوية للتأثير على الرأي العام العالمي والمحلي. تسعى البروباغندا الإسرائيلية إلى تصوير الصراع على نحو يُظهرها كدولة تدافع عن نفسها في مواجهة "تهديد إرهابي" متجسد في حزب الله، وحماس، أو أي حركة مقاومة أخرى.

في هذا الإطار، لفتت د. حياة حريري، أكاديمية وباحثة في السياسة والإعلام، في حديثها لـ "الصفا نيوز" إلى أنّ "الدعاية جزء لا يتجزأ من العمل السياسي. منذ بداية النشاط السياسي عبر التاريخ إلى اليوم، كانت الدعاية عنصرًا أساسيًا في المعارك السياسية والحروب، وحتّى في إضفاء الشرعية على الدول والأنظمة. وهذا ليس مقتصرًا على التاريخ الحديث فقط، بل يمتد إلى العصور القديمة أيضًا".

وأعطت الحريري أمثلة عن العصور الوسطى إذ كانت المعارك، خصوصًا في أوروبا، تتمحور حول شعارات دينية. وكانت هناك دعاية دينية موجهة لتلك المعارك بهدف حشد الجنود وتحفيزهم لخوض القتال"، مضيفة "هذا المفهوم لا يزال مستمرًا حتى اليوم، سواء في الحروب أو في الصراعات السياسية بين الدول أو الأفراد".

وفي ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية تحديدًا، قالت الحريري إنّ "ظهور الكيان الإسرائيلي كان مصحوبًا بدعاية تمّ التخطيط لها بشكل محكم. بعد نشوء هذا الكيان عام 1948، كان هناك جبهة إعلامية غربية تعمل على نشر الدعاية الصهيونية بهدف إضفاء الشرعية على هذا الكيان. وهنا نجد الحديث عن التوراة والتلمود وأرض الميعاد، بالإضافة إلى شيطنة العالم العربي وكل من يقاوم العدو الإسرائيلي".

تتنوع وسائل البروباغندا المستخدمة من قبل العدو الاسرائيلي في هذا الصراع، وتشمل:

وسائل التواصل الاجتماعي: تستخدم إسرائيل حسابات رسمية على منصات مثل أكس (تويتر سابقاً) وفيسبوك لنشر صور وأخبار تظهر أفعال حزب الله بشكل سلبي، بينما تصور نفسها كضحية تحمي المدنيين من الهجمات. تحاول إسرائيل الاستهزاء بأيّ خطاب أو تصريح صادر عن أيّ شخصية إعلامية أو سياسية أو حتى ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بالرد عليهم باللغة العربية.

التصريحات الرسمية: تصدر الحكومة الإسرائيلية بيانات رسمية وأفلام وثائقية قصيرة تسعى من خلالها إلى التأثير على الرأي العام الغربي، مع التركيز على مخاطبة المجتمعات الدولية واستدرار التعاطف معها. وكان آخر هذه الأفلام، نشر جيش العدو صور وأفلام من داخل ما أسماه مخازن وأنفاق حزب الله، ‏ليتبين في ما بعد أن هذه الأفلام والصور ‏قديمة ولا علاقة لها بأي عمل عسكري حالي عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.

التغطية الإعلامية الموجهة: تدير إسرائيل شبكات إعلامية لنشر رسائل محددة، وغالبًا ما تستند إلى مبالغات أو تحريف في الحقائق، تهدف إلى تبرير هجماتها على لبنان وتحويل اللوم على حزب الله. وخير دليل على ذلك تحريف تصريح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في مقابلة أجراها مع شبكة cnnالإخبارية، والتلاعب بالترجمة، واقتطاع بعض المقاطع من حديثه وتصويرها على أنه اعلان عن تخلي ايران عن حزب الله. وجاء ذلك بالتوازي مع استضافة قناة العربية للشيخ محمد علي الحسيني، الذي توجه لنصرالله بالمباشر طالبًا منه كتابة وصيته، متنبئًا باغتياله، زاعماً أنّ إيران باعته وطالبت بالاتفاق النووي مقابل رأسه.


تشويه الحقائق: تلجأ إسرائيل إلى تضخيم الأضرار التي تسببها الهجمات على مناطق معينة داخل إسرائيل، مع تقليل حجم الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية والمدنيين في لبنان، وهذا ما يساعد على تشكيل صورة مشوهة للصراع لدى المتابعين.

بث الخوف والذعر واستفزاز اللبنانيين: تحت عنوان "حان الوقت لشراء منزل في لبنان"، انتشر إعلان في الأراضي المحتلة باللغتين العبرية والانكليزية، يدعو المستوطنين للاستعداد لشراء منزل في لبنان ضمن مستوطنات تخطط تل أبيب لتنفيذها بعد احتلال جنوب لبنان. ويأتي انتشار الإعلان بموازاة تهويل إسرائيلي بعملية برية لاجتياح مناطق في الجنوب. وأظهرت صور الوكالات الاجنبية حشوداً عسكرية إسرائيلية عبارة عن دبابات ميركافا من جيلي "ميركافا 4" و"ميركافا 3" إلى جانب ناقلات جند وآليات يستخدمها المظليون ومدرعات تحمل آليات اتصال، تم تجميعها في كريات شمونة.


من جهة أخرى اتصل عدد من الإسرائيليين بلبنانيين من مختلف المناطق، محذرينهم من استهداف وشيك ومطالبينهم بالإخلاء السريع لمنازلهم، في محاولة لبث الرعب وزيادة الشرخ بين فئات المجتمع اللبناني الواحد.

كما نشر العدو الإسرائيلي عبر صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي صوراً تبرز تصفية جميع قادة حزب الله، في محاولة لكسر عزيمة مناصري المقاومة، وبث الخوف والذعر في صفوف المقاتلين.


أمّا أكبر دعاية سياسية استخدمها الجيش الإسرائيلي في الحرب النفسية فهي زعمه بدء الاجتياح الإسرائيلي للجنوب، وإلى ذلك قامت بعض القنوات المحلية والعربية بالإعلان عن بدء الاجتياح، فيما كان لا يزال مجلس الدفاع الإسرائيلي مجتمعاً ولم يتخذ القرار بعد. وعقب صدور القرار الرسمي بما أسماه العدو "عملية محدودة" تبيّن في اليوم التالي أن لا عمليات حصلت ولا اجتياح، وكلّ ما قيل ليس سوى أكاذيب تندرج تحت إطار الحرب النفسية.

تأثير البروباغندا على الرأي العام

ولفتت الحريري إلى أنّ "جزءًا أساسيًا من الحرب هو الحرب الإعلامية. وقد رأينا خلال هذه الحرب، يا للأسف، أنّ الدعاية الإسرائيلية والغربية هي السائدة والمسيطرة بشكل كبير، خاصة في المجتمعات الغربية، وذلك لأسباب متعددة، أبرزها الضخ الإعلامي الكبير الذي تم توجيهه حتّى إلى العالم العربي، حيث استطاعت اختراقه بشكل متفاوت. في الأشهر الماضية، أو منذ بداية الحرب العام الماضي، كانت الدعاية الغربية هي المسيطرة، والسردية الإسرائيلية هي السائدة. لكن مع تزايد حجم المجازر الإسرائيلية، برز دور الشباب الفلسطيني والإعلام العربي الداعم للقضية الفلسطينية. الشباب الفلسطيني، من قلب فلسطين، قام بتوثيق المجازر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتذا ما أحدث هزة كبيرة وأضعف أسس السردية الإسرائيلية. وهنا بدأنا نلاحظ تحولًا في المشهد العام، ولو لم يكن بالقدر المطلوب. لأول مرة، بدأ العديد من الناس بإعادة البحث والقراءة عن القضية الفلسطينية، والعقيدة الإسلامية، وتاريخ فلسطين، وطرح الأسئلة. هذا التحول كان نتيجة ظهور سردية مضادة، رغم أنّ الإعلام العربي ما زال ضعيفًا".

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ العدو الإسرائيلي استخدم الذرائع نفسها التي استخدمها في غزة، لتبرير قتله للمدنيين في لبنان، وتبرير مجازر الإبادة في غزة ومنها أنّ حزب الله يستخدم اللبنانيين دروعًا بشرية، وهو ما سبق أن اتهم العدو الإسرائيلي به حركة حماس، أمّا الذريعة الثانية فهي "حرب إسرائيل ضد الإرهاب" وهو الشعار الذي يستخدمه جيش العدو لتبرير حربه ضد حماس وضد حزب الله، فيما الذريعة الثالثة هي وجود مخازن أسلحة في مبان سكنية لتبرير ضرب المباني والمستشفيات والمدارس كما حصل في غزة.

وتابعت الحريري "نحن نملك مئات وآلاف الإصدارات والوثائق التاريخية، ولكن الإعلام ضعيف في نقل هذه الحقائق. هنا يظهر الصراع بين محورين، أحدهما يدعم فكرة التطبيع وإنهاء القضية الفلسطينية، والآخر يعتبر إسرائيل عدوًا مجرمًا ويرفض التطبيع. بات العمل اليوم مركزًا على الوعي وإثارة التساؤلات في العقل العربي، خصوصًا في صفوف الجمهور الذي لا يعرف كثيرًا عن تفاصيل الصراع أو الحرب، وخاصة في دول عربية معيّنة. شهدنا أيضًا استخدامًا واسعًا للشائعات التي تعظم من قوة إسرائيل، وتلعب دورًا نفسيًا هامًا في تخويف الشعوب العربية. فقد سمعنا وقرأنا أنّه لا يمكن أحدًا مواجهة إسرائيل، وهذا ما يعزز هذا الخوف ويعطي الانطباع بأنّ تجنّب المواجهة هو الخيار الأفضل".

وأضافت أنّ "الحرب النفسية اليوم جزء لا يتجزأ من هذه المعركة، إذ تلعب الشائعات دورًا كبيرًا في تثبيط تفاعل الشعوب العربية أو نشر الخوف في ما بينها. كثبرًا ما يُروَّج لفكرة "عظمة" إسرائيل وجنون العظمة لدى الاحتلال، المدعوم بالسخرية وشيطنة حركات المقاومة، بالإضافة إلى التعتيم على إنجازاتها. ورغم الفرق الكبير في القوة بين الفريقين، يجب علينا أن نأخذ هذا في الاعتبار".

وقالت الحريري "في كلّ مرحلة من هذه الحرب الجارية يتم استخدام أدوات جديدة ضمن حرب الدعاية والصراع العالمي. في البداية، جرى التركيز على شيطنة حركات المقاومة ودمجها في إطار الصراع، وكذلك تناول موضوع الشيعة في المنطقة. لكن اليوم، تراجع هذا التركيز بشكل كبير في لبنان أو حتى في العالم العربي. تحديدًا، بعد الرد الإيراني الأخير، لاحظنا على وسائل التواصل الاجتماعي أنّ الشعوب العربية باتت تدعو إلى الوحدة وتدعم أيّ جهة تقاوم إسرائيل. في هذه الفترة، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، برزت شخصيات من المذهب الشيعي تقدم معلومات استخباراتية وتلعب على المشاعر من خلال نشر الشائعات وزرع الخوف والشك في نفوس الجماهير".

وأكملت "منذ بداية الحرب، وأنا أؤمن بأنّ المعركة الإعلامية لا تقلّ أهمية عن معارك الميدان، وهي جزء لا يتجزأ من هذا الصراع. بالنسبة إلى من يؤمن بالمقاومة. الوسيلة الفضلى لمواجهة هذه الدعاية هي إظهار الحقائق بكلّ الوسائل الممكنة، من دون مبالغة، والابتعاد عن الأساليب البلاغية أو الشعرية التي ساهمت في فقدان الثقة لدى جزء كبير من الجمهور العربي. فكلما عرضت الحقيقة والمعلومات بشكل واضح، استطعت تقوية سرديتك ومواجهة السردية المعادية التي تُستخدم ضدك".

وختمت الحريري "اللعب على الوتر الطائفي، وإطلاق الشائعات ضمن الحرب النفسية، والمبالغة في تصوير قوة إسرائيل، وشيطنة أو التقليل من شأن المقاومة في فلسطين أو لبنان، هذه كلها أدوات تُستخدم في حرب الدعاية. بعض هذه الأدوات بات مكشوفًا، والبعض الآخر بدأت تتزعزع أساساته. لكنّ الحلّ يكمن في إيصال صوتنا والمعلومات بشكل دقيق قدر الإمكان لمواجهة هذه الحرب العالمية".