خلافاً لكلّ التوقّعات والتحليلات والتصريحات على طرفي الجبهة الإعلامية والسياسية، "ردّت إيران" وأمطرت "إسرائيل" بمئات الصواريخ، بأمر من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي، والتي وصل أكثر من 90 بالمئة منها إلى أهدافها وفق ما أعلن الحرس الثوري الإيراني اليوم. وبذلك بات لبنان والمنطقة أمام حقبة جديدة تنقسم إلى مسارين اثنين لا ثالث لهما، إمّا احتدام المعارك وتحوّل هذه الحرب الذي نشهدها منذ نحو عام تقريباً إلى حرب إقليمية كبرى ترقى إلى مستويات الحروب العالمية، وإمّا تسوية تدخل فيها دول إعادة الاعمار على خط الديبلوماسية لرسم تسوية ما، وإعادة الوضع إلى ما هو عليه قبل الـ7 من تشرين الأول 2023، وسلوك أيّ من المسارين هو بيد العدو الإسرائيلي، الذي تتغيّر أهدافه العسكرية وفق الإنجازات الميدانية والتي تبدو الآن وخلافاً لأشهر خلت في غير مصلحته.
هي أيام وربما أشهر وتنتهي الحرب بنتائج، أحد لا يمكنه توقّعها أو التنبّؤ بخواتيمها، وإلى مصلحة من سترجح كفة الربح أو الخسارة، بين محور المقاومة من جهة والمحور الاسرائيلي - الأميركي من جهة ثانية، وكيفما جاءت النتائج فإنّ ثمّة ما تغير في لبنان إلى الأبد، وحتّى إقليمياً فإنّ الأحداث المتسارعة تحتاج المزيد من الوقت حتّى تأخذ شكلها الأخير.
أمّا على المستوى الداخلي وبما يتوفر من معطيات فهناك من يتعامل مع الأمور وكأنّ حزب الله أو الثنائي الوطني قد انكسر، وعليه تقريش هذا الواقع واستثماره سياسياً قبل فوات الأوان، وتقديم أوراق اعتماده إلى أصحاب النفوذ الجدد الذين سترسو عليهم مناقصة الوصاية على لبنان، والتي تضمن انسحاب الحزب إلى جنوب الليطاني، وإنشاء منطقة عازلة بمساحة تقدّر بـ 7 كلم، ومن ثم تطبيق استراتيجية دفاع وطني "بموديل أميركي". فبمجرد استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ظنَّ البعض أنّ الحزب قد تلقّى ضربة ستكسره، فعلى الرّغم من قساوة الضربة والتي سبقتها عدّة ضربات للتنظيم المقاوم إلّا أنّ كلّ ذلك لم يؤثّر على الوتيرة العسكرية المعهودة، لا بل ارتفعت في الساعات الأخيرة وهذا ما بثّ الأمل على مستوى القاعدة الجماهيرية الموالية للحزب.
هناك من يتعامل مع الأمور وكأنّ حزب الله أو الثنائي الوطني قد انكسر
أمل آخر بثته هذه المقاومة في الساعات الأخيرة الفائتة وهو ما كان محلّ ترقّب بالنسبة للعدو والصديق، وهو كيفية العمل لجهة الاستيعاب وإدارة المعركة بالعقل البارد، الذي لطالما انتهجه سيّدها الأمين الشهيد. فالحزن مؤجّل إلى ما بعد الحرب وإقامة العزاء والثأر مفتوح الحساب والاشتباك الأخير بدلالاته كان واضحاً، كما كانت رسالة المقاتلين في الخطوط الأمامية للسيد الشهيد بأنّ هذه الشهادة ما زادتهم إلّا عزماً للمضي قدماً.
في غضون ذلك، ترى مصادر مراقبة للأحداث الأخيرة المتسارعة أنّ الهدف بالنسبة للمقاومة واضح جداً وهو نفسه الذي حدّده السيد نصرالله في خطابه الأخير، والذي يفضي إلى أنّ جبهة الإسناد في لبنان لن تتوقف ما لم تتوقف الحرب على غزّة، وكل ما حكي عن فرض منطقة عازلة إلى جنوب الليطاني لا تعيره المصادر أهمية لطالما تعجز إسرائيل حتى الساعة عن فرضه عسكرياً، وهذا ما قد يكون أوقف حركة الموفدين الدوليين وسحب الحلول الديبلوماسية من التداول.
كثير من التفاؤل حيال المرحلة المقبلة
وتذهب المصادر إلى أبعد من ذلك، مشيرةً إلى أنَّ التحدي الذي أطلقه السيد نصرالله بوجه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وحكومته ما يزال ساري المفعول "لن تستطيعوا إعادة سكان الشمال إلى الشمال" وحتى اليوم على أرض الواقع هذا هو الحال وإذا استطاعت إسرائيل فرض غير ذلك فـ"صحّتين على قلبها".
في السياق، تتحدّث المصادر بكثير من التفاؤل حيال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد الـ24 ساعة الفائتة ودخول إيران فعلياً إلى ساحة الحرب ولو في سياق محدود حتّى الساعة، مستمدةًّ هذا الارتياح من ردّ الفعل الأميركي المتملّص من المسؤولية حيال صفعة طهران لتل ابيب، والذي جاء على هيئة التقليل من تأثير الضربة الإيرانية رغم أنّ العالم كلّه كان شاهداً ورأى بأمّ العين ما حصل.
ومن الآن وحتى الساعات القليلة المقبلة تبقى العين على الميدان والترقب لكلّ حركة دولية باتجاه بيروت أو حتى تل أبيب.