سؤالان لا يحتاجان إلى إجابة عنهما.

سؤال أوَّل: بمَ يختلف الشَّيطان الأصغر، الممعنُ في حربه على غزَّة ولبنان، حتَّى آخر قطرةِ دم في عروقنا، خوفًا من إحالته على المحكمة بتهم خرقِ الثقة وقبول الرَّشاوى والاحتيال، في حال لم يعد رئيسَ حكومة...

بمَ يختلف عن هيرودوس الأول (73 قبل الميلاد - 4 قبل الميلاد)، الملك على المقاطعة اليهوديَّة، على الرَّغم من أنَّه ليس من سلالة داود الصَّالحة للحكم، حين أمرَ بذبح جميع مواليد بيت لحم، ما دون السَّنتين من العمر، إذ علم أنَّ يسوع، "ملك اليهود"، قد وُلد فيها، فقلقَ من احتمال أن يفقد عرشه؟

هيرودوس الأول أمر بقتل أطفال أبرياء، وكلُّ طفل بريء. أما الشَّيطان الأصغر فيحاول أن يعاقبَ لبنان، نقيضَ إسرائيل في كلِّ شيء، بحجَّة القضاء على حزبٍ يقاومه، فتحصد آلته الحربيَّة الجهنميَّة، أرواح أطفال أبرياء، لا ذنب لهم إلَّا أنَّهم أبرياء؟

ودعك من ابن هيرودوس الأول، هيرودوس أنتيباس الذي خلف والده في حكم ربع ولايته، وساكنَ امرأة أخيه، سالومي التي أغاظها أن يوبِّخ يوحنَّا المعمدان الحاكم، على فعلته هذه، فطلبت رأسَه الذي قُدِّم إليها على طبق من فضَّة، ناهيك بأنَّه ازدرى يسوع الذي مثُل أمامه لمحاكمته، بأن ألبسه ثوبًا برَّاقًا هزءًا منه وسخرية به. فالابن كما الأب... وكلُّ سلالة حكَّام إسرائيل على تلك الشَّاكلة. ولم يخطئ متَّى الرَّسول، في إنجيله، حين قال: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا".

سؤال ثانٍ: بمَ يختلف الشَّيطان الأكبر، وقد ظنَّ، بعبادتِه الإله الأخضر، أنَّه قادر على أن يشتريَ به ضمائرَ وذممًا؛ وسُرَّ بأنَّه قوَّة عظمى يباح لها ما لا يجوز لغيرها، وبأنَّ أمثولة لافونتين تجسَّدت فيه: "حجَّة الأقوى هي دومًا الحجَّة الفضلى". فراح يبارك للشَّيطان الأصغر أفعاله، ويظهرَ على الملأ مظهرَ شيخِ صلح، في الأزمات الكبرى، متنصِّلًا من أيِّ مسؤوليَّة له، عن سفك دم وإلحاق دمار وخسائر، بأسلحة وتكنولوجيا أميركيَّة الصُّنع.

بمَ يختلف عن بيلاطس البنطيِّ الحاكم الرُّوماني لمقاطعة "يهودا" بين العامين 26 و36 م، وقد تولَّى محاكمةَ السَّيِّد المسيح، نزولًا عند رغبة اليهود، فأصدر الحكم بصلبِه ليس عن اقتناعٍ بذنب الناصريِّ، بل خوفًا من اليهود الذين هدَّدوا برفع الأمر إلى الأمبراطور، واتِّهام بيلاطس بالخيانة بسبب تبرئته المسيح الذي صرّح أنَّه ملك، وتلك تهمة سياسيَّة خطيرة تحت حكم الرومان. وقال بيلاطس جملته الشَّهيرة: أنا بريء من دم هذا الصِّدِّيق؟

ماذا يعني أن يغسل الشَّيطان الأكبر يديه، من دم أطفال لبنان الأبرياء، وكلُّ طفل بريء؟ وماذا تنفع تصريحاتُه ومواقفه التي تشجِّع آلة الحرب الجهنميَّة على ارتكاب المزيد من الجرائم، مقرونة بـ"ولكن"... يجب وقف إطلاق النار. بئسَ تلك الـ"ولكن" التي تمليها حاجة الشَّيطان الأكبر، إلى إنجاز انتخاباته الرِّئاسيَّة، في تشرين الثَّاني المقبل، في هدوء، و"سوسبانس" إعلاني ودعائي أكبر، والتي تُوِّجَت بدعمٍ بمليارات الدُّولارات لحكومة الشيطان الأصغر، مكافأةً لها على "حسن صنيعها".

لبنان، أمسِ واليوم وغدًا، بين هيرودوس وذرِّيَّته، وبيلاطس وحاشيته.

فهل يصدِّق أحد أنَّ الشَّيطان الأكبر عاجز، لو صفَت نيَّته وكان صادقًا مع نفسه ومع قيمٍ ومبادئ يدَّعي اعتناقها وينادي بها، عن إصدار أمر إلى الشَّيطان الأصغر بوقف النار فورًا؟ وهل يجرؤ الشَّيطان الأصغر، العالة على أيِّ إدارة أميركية، مذ وجد كيانه، على رفض الأمر؟

لن أسألَ عن موقف الأمم المتَّحدة التي تحولَّت منبرًا للتَّعبير عن القلق، ليس إلَّا، أعان الله أمينها العام على حالته القلقة.

ولن أسأل عن مواقفِ دول تدَّعي أنَّها صديقة للبنان، منصاعةٍ لإرادة الشَّيطان الأكبر، ومتماهيةٍ مع أهداف الشَّيطان الأصغر، ترغي وتزبد بالمواقف، وتمنُّ علينا ببضعة ملايين، من المساعدات، شفقة ليس إلَّا. وكنَّا حين نرفع الصوت دوليًّا، مطالبين بالعمل على وقف توطين اللَّاجئين الفلسطينيِّين، في لبنان، لأنَّ وطنهم فلسطين، وبعدم دمج النَّازحين السُّوريِّين فيه، لأنَّ وطنهم جار لنا، ودولتُه قائمة، كانت تلك الدول تجهدُ لإيجاد حجج، غير مقنعة، لتقنعَنا بجدوى التوطين والدَّمج، لا بل تعاقبُنا إذا لم ننصع.

ولن أسأل عن جامعةٍ عربيَّة، وعن أبي هولها وشيطانها الأخرس، بسكوتها عن الحقِّ... ولا عن دول عربيَّة إن لم يُفصح حكُّامها عن انحيازهم إلى الشَّيطان الأصغر، تركوا الأمرَ لوسائِل إعلامهم، وكلُّها وسائل رسميُّة لا تجرؤ على مخالفة رأيِ الحاكم...

لن أسأل عن "أشقَّائنا"، لأنني عرفتهم مذ كانوا، وقلت فيهم:

إِسْمَعْ، وَلا تَسْأَلِ الأيَّامَ مَا السَّبَبُ

فَحِينَ يُعْرَفُ... تَوًّا يَبْطُلُ الْعَجَبُ.

قَالَتْ فَمَا نَطَقَتْ، قَالَتْ فَمَا سَئِمَتْ،

قَالَتْ فَمَا فَعَلَتْ... مُذْ كَانَتِ الْعَرَبُ!

لبنان، أمسِ واليوم وغدًا، بين هيرودوس وذرِّيَّته، وبيلاطس وحاشيته. لكنَّه صخرةُ حقٍّ وصمودٍ وعنفوان، أبوابُ الجحيم، مهما كثرت، لن تقوى عليها.