أنهى الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل ثلاثة أيام بالدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي. وبرّر بايدن هذه الدعوة بالقول إنّ مجلس الأمن واقع في مشكلة حادة هي عجزه عن التصدّي للأزمات الدولية الضاغطة ومعالجتها بفعل تمتّع الدول الخمس الدائمة العضوية فيه بسلطة الفيتو الذي يسقط أي قرار حتى لو جمع أربعة عشر صوتا من أصوات المجلس الخمسة عشر.

وبالفعل فقد أسقطت واشنطن كل مشاريع القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة على رغم هول أعداد القتلى والمصابين والمفقودين والمشرّدين، ما عدا القرار الذي اقترحته هي لوقف إطلاق نار مع إطلاق سراح متبادل لرهائن في قبضة حماس وأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى قرار آخر امتنعت عن نقضه يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المنكوبين في غزّة.

في المنحى نفسه عطّلت موسكو إقرار كل مشاريع القرارات التي كانت تتعلق بالحرب في أوكرانيا، وهي طرف فيها. وتتهم واشنطن أيضا موسكو وبيجينغ بتعطيل مشاريع القرارات المتعلّقة بكوريا الشمالية.

وهذا بالضبط ما شدّد عليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش حين أشار إلى تعمّق الانقسامات الجيوسياسية واستمرار الحروب. فحالة العالم غير مستدامة والتحديات تحتاج إلى آليات تضمن حلّها.

لكنّ بايدن أقرّ أيضاً بأن تحقيق هذا الإصلاح صعب بسبب الفوارق الكبيرة بين الاقتراحات المتعددة وما يمكن أن تقبل به الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا).

ومن الدول المطالبة دائما بإصلاح مجلس الأمن البرازيل التي انتقد رئيسها إغناسيو لولا داسيلفا استخدام الدول الدائمة العضوية الفيتو لخدمة مصالحها أكثر من ااستخدامه لحل المشاكل، منتقدا بذلك ما سماه العقلية الاستعمارية. إلى جانب البرازيل وقفت ألمانيا والهند وجنوب أفريقيا واليابان.

حين أقِرّ ميثاق الأمم المتحدة بما فيه آلية عمل مجلس الأمن في 1945، كان عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن خمسة وغير الدائمين ستة. لكنّ الجمعية العمومية قرّرت في 1963 زيادة عدد الأعضاء غير الدائمين إلى خمسة عشر.

في 2004، شكلت ألمانيا واليابان والبرازيل والهند "مجموعة الدول الأربع" لمتابعة موضوع إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عدد مقاعده. وفي 2005 إبّان ولاية كوفي أنان جرى تداول مشروع قرار لزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن من خمسة عشر عضوا إلى خمسة وعشرين، بإضافة ست دول دائمة العضوية وأربع دول غير دائمة العضوية، بحيث يصبح الأعضاء الدائمون أحد عشر وغير الدائمين أربعة عشر. وتضمّن الاقتراح أن تكون الدول الست الجديدة الدائمة العضوية اثنتين إفريقيتين واثنتين آسيويتين وواحدة أوروبية وأخرى من أميركا اللاتينية.

لم يصل هذا المشروع إلى خواتيمه بسبب وفرة طلبات الانتساب من مثل أيطاليا وإسبانيا والأرجنتين ومصر ونيجيريا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، وعدة دول أخرى. وبعد ذلك ظهرت مشكلة تمثيل الدول الصغيرة، لا سيّما تلك الناشئة في الجزر وخصوصا جزر المحيط الهادي الصغيرة.

وبرزت مشكلة أخرى أكثر حدة وهي مشكلة حق الفيتو الذي يُفترَض أن يتمتّع به الأعضاء الدائمون والذي لم يكن الأعضاء الدائمون الخمسة الأساسيون مستعدّين لمنحه لكل الأعضاء الدائمين الإضافيين. فشرط مرور تعديل آلية عمل مجلس الأمن تحتاج إلى إجماع أعضاء المجلس أو إلى أغلبية بدون فيتو ثم إلى أغلبية تلثَي الجمعية العمومية.

قبل خطاب الرئيس بايدن اقترحت الولايات المتحدة زيادة مقعدين دائمين لأفريقيا ومقعدا لإحدى الدول الصغيرة . لكنها تعارض إعطاء المقعدين الدائمين الإضافيين سلطة الفيتو.

فرنسا أيضاً عرضت زيادة أعضاء مجلس الأمن الدائمين بضمّ ألمانيا والبرازيل والهند واليابان وبطريقة تزيد تمثيل أفريقيا، بما فيها إعطاء أفريقيا مقعدا دائما. لكنها تعارض توسيع عدد دول الفيتو. وجرت في السنوات السابقة مباحثات مباشرة بين فرنسا وألمانيا وأخرى في إطار الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد. ومن الاقتراحات التي رفضتها فرنسا اقتراح المداورة أي أن يكون مقعدها مقعدا للاتحاد الأوروبي وتتناوب عليه دول الاتحاد. ويقول جيرار آرو وهو سفير سابق لفرنسا لدى الأمم المتحدة ولدى الولايات المتحدة إن فرنسا رفضت أيضاً التخلي عن حقها في الفيتو معتبرة إياه حقا سياديا تماما كحقها في قرارها النووي.

أما ألمانيا فتريد أن يعكس الإصلاح في مجلس الأمن تغيّر المناخ الجيوسياسي عما كان عليه في 1945 ويأخذ في الاعتبار مساهمات الدول الأعضاء المالية التي تمكّن الأمم المتحدة من تحقيق أهدافها. وعليه تريد ألمانيا الحصول على مقعد دائم إذ أنها من المساهمين الكبار في تمويل المنظمة الدولية وكان لها دور فاعل في إنشاء مجلس لحقوق الإنسان وهيئة لحفظ السلام.

في ظل المناخ الجيوسياسي الحالي تبقى حظوظ إقرار الإصلاح ضعيفة. فالمعوقات السياسية التي منعت إقرار الإصلاح حتى الآن باقية رغم أن الإصلاح مادة نقاش سياسي منذ ما قبل هذه الألفيّة. ثمّ إنّ جوّ الشك بين الأعضاء الدائمين الحاليين لا يزال على حاله. ومن المرجّح أن ينتظر إقرارُ الإصلاح تغيّرا جذريا في التوازنات الحالية.