لمن اعتقد أن المناظرة التي انتهت فجرا بتوقيت بيروت بين المرشحَين الرئاسيين الأميركيين نائبة الرئيس كملا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب ستكون منصة لعرض البرنامجين الانتخابيين ومناقشتهما، فقد خاب ظنه. استخدم المرشحان المناظرة لترسيخ الأفكار التي دأبا على استخدامها في الحملتين. وما لفت أن الرئيس السابق لم يتمكن من التحرر من عاداته وظل عالقا في الماضي ولا تحمّلت نائبة الرئيس مسؤولية سياسات عهد الرئيس بايدن. "لستَ تنافس بايدن،" قالت له، "بل تنافسني أنا (...) واضح أنني لست دونالد ترامب، ولست جو بايدن. أنا أنتمي إلى جيل من القادة الأصغر سنّا."

هذه المناظرة كانت بامتياز محاولة لتجميل الصورة الشخصية أمام الناخبين وفي الوقت نفسه محاولة للإيقاع بالخصم. وأول انطباع كان أنّ هاريس كانت تقود هجوماً لكشف نقاط ضعف خصمها، بدءاً من تقدّمها لمصافحته إلى الهجمات المباشرة عليه باستخدام مواقف سابقة له، قالها حين كان رئيسا أو نطق بها في حملته الانتخابية، وإبداء ملاحظات عن شعبيته وتجمعاته الانتخابية من مثل أنّه في هذه التجمعات "يأتي على ذكر شخصيات وهمية، ويكرر الأكاذيب نفسها والناس يغادرون تجمعاته الانتخابية ضجراً لأنّه يتكلم عن نفسه ولا يتكلم عنهم." 

طوال المناظرة عاد ترامب إلى الاقتصاد والتضخم وأمن الحدود والمهاجرين غير الشرعيين.

في الاقتصاد اتهم ترامب الرئيس الحالي ونائبته بالتسبب في ضعف الاقتصاد وارتفاع التضخم "بعدما سلّمتهم أقوى وأكثر اقتصاد تعافياً في العالم،" موضحاً أنّ "السوق المالية استمرت في الارتفاع رغم تعثر الاقتصاد بفعل الجائحة."

لكنّ هاريس ردّت بأنها وبايدن ورثا "أسوأ اقتصاد وأكبر نسبة من العاطلين عن العمل (...) لكننا تمكّنا من وقف التراجع الاقتصادي ووفّرنا الملايين من فرص العمل من بينها ثمانمئة الف فرصة عمل في الطاقة النظيفة." وفي الاقتصاد أيضاً قالت هاريس إنّ لديها خطة لخفض الضرائب للطبقة الوسطى "فيما ترامب خفّض الضرائب لأصحاب الملايين والمليارات، وهو ما كلّف الخزينة خمسة آلاف مليار دولار."

ما إن انتهت المناظرة حتى أعلن الديمقراطيون انتصار هاريس فيما هرع قادة الحزب الجمهوري إلى انتقاد شبكة ABC التي استضافت المناظرة

في شأن حماية الحدود، اتهم ترامب هذا العهد بفتح الحدود أمام المهاجرين غير الشرعيين "ومعظمهم من المجرمين وأصحاب السوابق والمهرّبين ونزلاء السجون والمصحّات العقلية (...) وهم يأكلون الهررة والكلاب والحيوانات الصغيرة الأليفة في سبرينغفيلد" (وهي مدينة صغيرة في ولاية أوهايو). وتبيّن أن الرواية ظهرت على حساب فتاة صغيرة على فيسبوك قالت فيها إنها سمعت من صديقة لها سمعت من صديقة أخرى لها أن الهاربين من جحيم هايتي هم من يأكلون الحيوانات الأليفة. وتمسك ترامب بتلك الرواية رغم أن المسؤول الإداري للمدينة نفى الأمر جملة وتفصيلاً.

وتهرب من الإجابة حين سئل عن صحة ما قالته هاريس عن تدخله الشخصي لدى عدد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين لعدم التصويت على مشروع قانون لحماية الحدود تقدّم به الجمهوريون أنفسهم وحاز تأييد الديمقراطيين.

وعاد ترامب إلى موضوع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والهجمات التي تعرضت لها في أثناء انسحابها ولا سيّما التفجير الانتحاري قرب مطار كابل، متهما بايدن وحكومته بالضعف.

لكنّ هاريس ردّت باتهامه بتجاوز الحكومة الأفعانية والتفاوض مباشرة مع طالبان ودعوة قادة الميليشيا إلى منتجع كمب ديفد.

وكان لهاريس أكثر من فرصة لمهاجمة ترامب، ولا سيّما في موضوع الإجهاض ومعاملة النساء وترويج الأكاذيب وتفضيله الطغاة في علاقاته الخارجية.

لكنهت نجحت خصوصاً في إثارة حنقه لدفعه إلى أسلوبه القديم وهو الابتعاد عن مناقشة المواضيع إلى توجيه الشتائم.

رواية خروج الناس مللاً من تجمعاته الانتخابية أشعلت حنق ترامب فتوقف عن التحدث في الملفات.

تابعت هاريس خطتها قائلة "كبير موظفي البيت الأبيض السابق، وهو عسكري مرموق، قال إن ترامب يحتقر الدستور، ومستشاره السابق للأمن القومي قال عنه إنه خطِر وغير مؤهّل، وزير دفاعه السابق قال إن البلاد لا يمكنها أن تتحمل فترة رئاسية ثانية لترامب." أضافت "لقد زرت العديد من دول العالم كنائبة للرئيس، وزعماء العالم الذين التقيتهم يسخرون من ترامب."  وفي إشارة إلى برنامج ترامب التلفزيوني السابق على شبكة NBC الذي اشتهر بعبارة ترامب للمشاركين واحدا واحدا "أنت مطرود،" قالت هاريس إن "ترامب مطرود. لقد طرده أكثر من 81 مليون ناخب."

في السياسة الخارجية، أثيرت ملفات الصين والاجتياح الروسي لأوكرانيا والشرق الأوسط. وفيما كانت هاريس تتحدث في صلب الملفات وتصوّرها للحلول كان ترامب يتحدث عن علاقاته الشخصية مع الزعماء. وأول من استشهد به من المسؤولين الدوليين رئيس وزراء المجر فكتور أوربان، والرئيس الصيني شي جينبين، والروسي فلاديمير بوتن. وازداد غضب ترامب حين قالت له هاريس إنه سيكون "لقمة سائغة" لبوتن.  

وحاول ترامب خطب ودّ الصوت اليهودي، فاتهم هاريس بأنها "لا تحب إسرائيل وإذا انتُخِبت ستزول إسرائيل من الوجود قبل مرور سنتين." أما هاريس فكررت إدانة حماس على هجوم 7 تشرين الأول 2023 مؤكدة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها في المقابل دانت "ارتكاب المأساة الإنسانية في غزة داعية إلى تنفيذ حل الدولتين."

ما إن انتهت المناظرة حتى أعلن الديمقراطيون انتصار هاريس فيما هرع قادة الحزب الجمهوري إلى انتقاد شبكة ABC التي استضافت المناظرة واتهموا الصحافيَين جيم ميور ولينسي دايفس بأنهما ناشطان مؤيدان لهاريس.

وذكرت شبكة سي إن أن الإخبارية إنها أجرت استطلاعا سريعا للرأي قال فيه 63 في المئة من المستطلعة آراؤهم إن هاريس هي التي فازت في المناظرة.