تكرار الخطأ لا يحوّله صواباً، ومرور الوقت لا يمنحه المشروعية، وسياسة الإنكار لا تخفّف من تداعياته السلبية. الأسوأ أنّ الخطأ كثيراً ما يتحوّل عندنا في لبنان وجهةَ نظر يتعمّد بعضهم الدفاع عنها باستحضار "المظلومية السياسية" أو استنهاض "العصب الطائفي" أو ادّعاء إيجابيات لتغليف السلبيات.

المخاطر البيئية المستدامة التي تتهدّد سد شبروح منذ عام 2019 تاريخ انطلاق الفعاليات السنوية التي تنظمها جمعية "لـ كسروان" التابعة بشكل أو بآخر لـ"التيار الوطني الحر" ونائبته ندى البستاني أنموذج صارخ عن ذلك. هذا السد الذي افتتح في فاريا عام 2007 سبق "فورة" فوضى إنشاء السدود التي انتهجها "التيار الوطني الحر" مع تسلّمه وزارة الطاقة والمياه. لقد وفّر المياه لأهالي كسروان والمتن في خطوة ناجحة بفضل الدور العلمي والخبرة الكبيرة للمدير العام للموارد المائية والكهربائية حينذاك المهندس فادي قمير، الذي هُمّش دوره لاحقاً ودراساته لمصلحة "جيش" من المستشارين في الحقبة العونية، وقد طُرحت علامات استفهام عدّة بشأن منافع بعضهم الشخصية أو دراساتهم غير الناجعة.

هذا السد الذي افتتح في فاريا عام 2007 سبق "فورة" فوضى إنشاء السدود التي انتهجها "التيار الوطني الحر" مع تسلّمه وزارة الطاقة والمياه.

في كتاب موجّه من جمعية "لـ كسروان" وممهور بتوقيع رئيستها وزيرة الطاقة السابقة والنائبة الحالية ندى البستاني ومسجّل لدى المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه بتاريخ 28/6/2024 تحت الرقم 2024/1101 ومُرسل من بريد مكتب الوزير حيث سجّل بتاريخ 24/6/2024 تحت الرقم 2066/ وحمل عنوان "الموضوع: السماح بالنشاط والأعمال التجميلية في حرم سد شبروح – فاريا"، طالبت الجمعية بالحصول على إذن كي تستخدم موقع السد ومياهه للقيام بمهرجانها السياحي السنوي.

ذكّرت الجمعية بأنّها "قد دأبت منذ العام 2019 على القيام بنشاطات بيئية ورياضية وثقافية حول بحيرة سد شبروح بموافقة وزارة الطاقة والمياه وإشرافها". كما أشارت إلى أنّها "بصدد التحضير لنسخة هذا العام عبر القيام بأعمال تجميلية عدّة لحرم السد من فتح طريق وتشجير وإضافة أعمدة إنارة عاملة على الطاقة الشمسية ودراسة إمكان إنشاء ملعب Padel. لذا طلبت السماح بالبدء بالأعمال المذكورة آنفاً في حرم السد وبدخول السيارات حتّى نهاية صيف 2024 آملين تنفيذ ما أمكن من الأعمال التجميلية المرجوة".

سلسلة ملاحظات وضعتها مصلحة الأبحاث والمنشآت الفنية في الوزارة على طلب "لـ كسروان" في كتاب وقّعه رئيس المصلحة بالإنابة جورج رزق بتاريخ 31/7/2024 وأحاله المدير العام للموارد المائية والكهربائية بالتكليف غادة بلعيس على وزير الطاقة وليد فياض في 6/8/2024 "للاطلاع واتخاذ ما يراه مناسباً". فجاءت موافقة فياض في 19/8/2024 برغم الملاحظات الآتية التي تضمّنها الكتاب:

1- إنّ موقع سدّ وبحيرة شبروح هو من الأملاك العامّة ولا يمكن إشغاله من دون مسوّغ قانوني ودفع بدل إشغال ورسوم وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وخلافاً لذلك يعرّض الإدارة للمساءلة والملاحقة.

2- إنّ موقع سد شبروح غير مجهّز على نحو يضمن السلامة العامة.

3- إنّ النشاطات المذكورة في كتاب المستدعية أعلاه سوف تؤدي إلى تلوّث مياه البحيرة والضرر بالمنشآت في غياب مواكبة ومراقبة متواصلتين على مدار الساعة، خاصّة أنّ مياه السدّ تغذي كسروان وجزءاً من المتن بمياه الشفّة.

4- إنّ موقع سد شبروح غير مزوّد بالتجهيزات والأماكن لنشاطات كهذه (مراحيض، دورات مياه، مغاسل ومستوعبات للنفايات...).

5- إنّ سد شبروح هو منشأة لمياه الشفة وليس منشأة سياحية.

6- إنّ التلوث الذي سيحدث يزيد من أعباء معالجة مياه البحيرة للشفة. علماً أنّ مياه السد غير متجدّدة.

7- إنّ أيّ أشغال مع فتح طرق وإنشاء ملعب Padel يجب ألا تتم إلّا وفق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء عقب دراسات فنية ودراسة أثر بيئي وموافقة مكتب متخصص ومتابعته وإشرافه لعدم إلحاق ضرر بالمياه والمنشآت.

8- إنّ لتنفيذ أشغال في الأملاك العمومية أصولاً إدارية وقانونية ومالية يجب مراعاتها.

هذه الملاحظات كلها ذهبت مع الريح لدى توقيع الوزير فياض وإعطائه الموافقة من دون أن يتوقّف عندها أو يعرض ردوداً علمية عليها. هذا الأمر مرتبط بصلاحيات الوزراء الملوك في وزاراتهم بحيث توقيعهم يعلو على أيّ دراسة علمية أو مجهود للإدارة، في حين يجب أن يكون الوزير معنياً برسم السياسات العامّة لوزارته، مستعيناً بالجسم الإداري المتخصّص فيها. كما يجب أن تتوقف حدود رأيه عند أصحاب الاختصاص لا عند المنافع الشخصية أو الزبائنية السياسية أو عند "مستشارين غبّ الطلب".

فهل يخبرنا فياض كيف سيعالج التلوث الناجم عن الوحول في البحيرة، وعن تسرّب كميّات من الزيوت المتراكمةً طبقاتٍ على سطح المياه جراء وجود زوارق أنشطة مائيّة من water jet ski و water surfing؟ ومن سيدفع التكاليف؟ ومن يضمن عدم وصول التلوث إلى المنازل؟

لماذا لم تُحدّد "الأعمال التجميلية المرجوة" التي تتحدث عنها الجمعية بدقّة ووضوح ووفق جدول زمني؟ أليس قولها في الكتاب "تنفيذ ما أمكن" يفتح الباب أمامها للتملّص من أيّ تعهّدات؟

وهل يطلعنا فياض على قيمة بدل الإشغال، وما المردود المادّي لمصلحة الخزينة من موافقته، خصوصاً أنّ هناك أرباحاً يحقّقها من يؤجرون الزوارق أو يقدمون خدمات؟ لذا على المدعي العام المالي أن يعتبر الأمر إخباراً عن شبهات إهدار مال عام ويتحرك.

هل يطلعنا فياض على قيمة بدل الإشغال، وما المردود المادّي لمصلحة الخزينة من موافقته، خصوصاً أنّ هناك أرباحاً يحقّقها من يؤجرون الزوارق أو يقدمون خدمات؟

السابقة الأولى للعبث بالأمن البيئي في سد شبروح كانت في العام 2012، إذ أقيم Lebanon Quadrathlon Race 2012 الذي نظمه Groupe Z بعد موافقة وزير الطاقة يومذاك جبران باسيل في 28/6/2012. وفي العام 2013، وافق باسيل على إقامة مدرسة تزلج مائي في سد شبروح – فاريا لمصلحة شركة Sea Pros SARL برغم الكتاب التحذيري لقمير. لاحقاً، عقب الجولة التفقّدية التي قام بها المكتب الاستشاري Libanconsult-AGM رفع كتاباً في 26/9/2013 أشار فيه إلى زيادة نسبة العكر في المياه (أفاد مشغّل المحطة أنّه لم يشاهدها يوماً مرتفعة بهذا الحدّ منذ تشغيل السدّ قبل 6 سنوات) وإلى احتمال أن تكون حركة المراكب السريعة ساهمت في ذلك. إزالة هذه الرواسب كبّدت خزينة الدولة أموالاً كثيرة، فتكلفة صيانة المنشأة كان ممكناً أن تكون أقلّ لولا التلوث المستجدّ والتشققات التي تسببتها الأنشطة المائية.

في وقت تتهاوى فعّالية الدراسات وجدواها وصحّتها، بما فيها الدراسة الجيولوجية وخيار المواقع والأثر البيئي إن وجد للسدود التي شيّدت منذ انطلاق الحقبة العونية في وزارة الطاقة والمياه مع الوزير جبران باسيل عام 2011 والمستمرّة بشكل متواصل مع الوزارء العونيين المتعاقبين وصولاً إلى يومنا هذا مع الوزير وليد فياض، وليس آخرها فضيحة سد المسيلحة الذي شكّل مزراباً لإهدار المال العام والمياه وواحة للزبائنية والتنفيعات والصفقات وتحوّل لوحة من صنع الإنسان تجسّد بشاعة انتهاك الطبيعة وعمل الخالق والذي تم ختمه بالشمع الأحمر في نهاية تموز 2024، يبدو أنّ هناك من يصرّ على استغلال حتّى السدود الناجحة وتعريضها للتلوث خدمة لمصالحه الضيّقة ولو على حساب صحّة اللبنانيين. فهل يستفيق القضاء ويتحرّك أم يستمر في السبات العميق؟ هل يتصدّى أهالي كسروان وجبيل لتلويث مياههم أم يستسلمون للأمر الواقع؟