مع قبول نائبة الرئيس الأميركي كَمَلا هاريس وحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز ترشيح الحزب الديمقراطي لهما للرئاسة ونيابة الرئاسة، ينتهي موسم المهرجانات السياسية الذي يتم فيها التعريف بالمرشحين، وتلميع صورتهم وإظهار الفوارق بينهم. قبل شهر أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب والسيناتور جي دي فانس قبولهما ترشيح الحزب الجمهوري في مهرجان نُظّم في مدينة ميلووكي. هذا الأسبوع كان دور الحزب الديمقراطي في مدينة شيكاغو. واليوم يدخل التنافس بين الحزبين الربع الأخير، على مسافة خمسة وسبعين يوما من الانتخابات.  

حرصت هاريس في خطاب قبولها الترشيح على أن تركز على جوانب من حياتها الشخصية وأطباعها والمُثل والقيم التي تؤمن بها وتدافع عنها، وتبرز جوانب أخرى من حياتها المهنية كمدّعية عامة تسعى وراء " تحقيق العدالة للجميع" وكمشرّعة في مجلس الشيوخ وكنائبة للرئيس تنفذ المهمّات التي يكلفها بها رئيس البلاد.  

ولم تتأخر هاريس في توجيه انتقادات لمنافسها الجمهوري والتحذير من الأخطار التي ستواجهها الولايات المتحدة، والأميركيون العاديون، إن أعيد انتخابه رئيسا قائلة إنه "سيمنع الوصول إلى عقاقير الإجهاض." أضافت: "تخيّلوه في البيت الأبيض وقد منحته المحكمة العليا حصانة ضد المحاكمات الجزائية، وهو الذي تعهد بالإفراج عن المحكومين في قضية اقتحام الكونغرس في السادس من كانون الثاني 2021 واعتقال الصحافيين الذين ينتقدونه واعتقال خصومه السياسيين أيضا." 

ولم يفت هاريس أن تذكّر بـ "انجذاب ترامب إلى الطغاة والحكّام الاستبداديين من أمثال الروسي فلاديمير بوتن والكوري الشمالي كيم يونغ أون، واصفة الاحتلال الروسي لأوكرانيا بأنه يهدد الأمن والسلم العالميين. وشددت على ضرورة الحفاظ على التحالفات ولا سيّما حلف شمال الأطلسي ولفتت إلى البند الخامس في ميثاق الحلف الذي يقول إن الاعتداء على أي دولة في الحلف هو اعتداء على الحلف كله. وفي هذا المجال كررت إعلان الدعم الأميركي الكامل لأوكرانيا. 

وكانت هاريس واضحة في تأكيدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفي الوقت نفسه دعم حق الفلسطينيين في أن يكون لهم دولة مستقلة يقررون فيها مصيرهم، قائلة إن المأساة الإنسانية في غزة يجب أن تتوقف.  

لم يتأخر رد ترامب عليها إذ قال في اتصال مع محطة فوكس نيوز: "قالت إنها تريد أن تفعل كذا وكذا، وهي غير راضية عن كذا وكذا... فلماذا لم تنفّذ حتى الآن ما تقول إنها تريده وتشكو من غيابه؟" وجاء الرد الديمقراطي سريعا: "يعرف ترامب تمام المعرفة أن الرئيس هو المسؤول عن السياسات وليس نائب الرئيس." 

هذا المؤتمر الوطني الديمقراطي واجه تحدّيا لم يكن يتوقعه، وهو انسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي ودعمه هاريس قبل موعد الانتخابات بأربعة أشهر فقط. كان عليهم أن يصمموا استعراضا سياسيا للتعريف بهاريس والتطرق إلى القضايا والمسائل الضاغطة، سياسية كانت أم اقتصادية أو عسكرية أم أمنية أم معيشية... وأن يفصلوا بين أجندة هاريس وأجندة بايدن بدون أن يتخلوا بالكامل عن اجندة بايدن. والتحدي أمام هاريس الآن هو عدم الالتصاق بسياسات بايدن لئلا تعطي الجمهوريين فرصة لتحميلها المسؤولية عن هذه السياسات، وأن تبقى وفية للرئيس الذي اختارها نائبة له ثم دعمها للرئاسة، لئلا تُنعَت بالعقوق.   

وعليه، كان المؤتمر أيضاً مناسبة لبايدن لختم حياته السياسية. وهو ألقى خطاب وداع عاطفيا سرد فيه مسيرته السياسية ومنجزاته الطويلة وسلّم رسميًا الراية إلى نائبته، موفيا بذلك بوعده بأن يكون رئيسا جسرا بين جيلين. وقد أشاد المؤتمر ببايدن ومنجزاته ولا سيما إقرار قوانين لتطوير البنية التحتية.  

عقد هذا المؤتمر تحت شعار العبور إلى المستقبل. وهذا ما أشارت إليه المرشحة السابقة هيلاري كلينتن التي تحدثت عن إمكانية أن تصبح هاريس أول امرأة رئيسة، قائلة إن "المستقبل هنا وفي متناول أيدينا، فلنحقق ذلك." 

أما الرئيس السابق بيل كلينتن فشكر بايدن على خدمته الطويلة مشيرًا إلى التحديات التي واجهها خلال رئاسته، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والتعافي الاقتصادي، ومن ثم ارتفاع نسب التضخم رغم توفير أكثر من عشرة ملايين فرصة عمل.  

في الأيام الفاصلة عن الانتخابات أمام هاريس تحديات صعبة، أوّلها ضيق الوقت...

ميشيل أوباما، التي أشيع سابقا أنها قد تكون مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، أشارت إلى الأمل الذي عاد بعدما دُفن لفترة طويلة جدًا. أشادت أوباما بالقيم التي تجسدها هاريس وانتقدت نهج ترامب، قائلة إنه "فعل كل ما في وسعه لمحاولة جعل الناس يخافون منا."  

أما الرئيس باراك أوباما فامتدح بايدن على قيادته وتعاطفه. وأشاد أوباما بهاريس أيضا، واصفًا إياها بأنها مرشحة تجسد الحلم الأميركي. "لدينا فرصة لانتخاب امرأة أمضت حياتها بأكملها في محاولة منح الناس الفرص نفسها التي منحتها إياها أميركا."  

وكان المؤتمر مناسبة لتيم والز المرشح لنيابة الرئاسة أن يقدّم نفسه للمؤتمرين وللناخبين. وتناول عدة قضايا حاسمة، بما في ذلك حقوق الإنجاب، والضرائب، وضبط انتشار السلاح. وأكد التزام هاريس بتخفيض الضرائب على الأسر ذات الدخل المتوسط ومواجهتها شركات الأدوية لخفض تكاليف الأدوية الموصوفة.  

في الأيام الفاصلة عن الانتخابات أمام هاريس تحديات صعبة، أوّلها ضيق الوقت. فعليها أن تحافظ على تفوّقها في الولايات ذات الميول الديمقراطية وأن تحاول قضم شعبية ترامب في الولايات ذات الميول الجمهورية، وعليها خصوصاً أن تعزز مكانتها في الولايات المتأرجحة. آخر استطلاعات الرأي أعطت هاريس تقدما على ترامب بنقطتين في خمس من الولايات السبع المتأرجحة، فيما كان ترامب متقدما فيها جميعا بخمس نقاط قبل اعلان بايدن انسحابه.  

ثم إنّ على هاريس أن تعمل على حماية الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ وأن تسعى إلى استعادة الأغلبية في مجلس النواب. وإلّا فإنها لن تستطيع تحقيق الشيء الكثير من أجندتها السياسية في حال فوزها بالرئاسة.  

من الآن وحتى الخامس من تشرين الثاني قد يحصل الكثير.