مع اختتام أولمبياد باريس 2024 وبعدما انتقلت الشعلة الأولمبيّة من قلب العاصمة الفرنسيّة إلى مدينة الأضواء الأميركيّة لوس أنجلوس، بدأت اللجان الأولمبيّة الرياضيّة في العالم أجمع مراجعة ذاتيّة لنتائج بعثاتها وفرقها خلال ألعاب باريس 2024.
وكون كرة القدم اللعبة الشعبيّة الأولى في العالم والوحيدة الّتي تنأى بكامل نجومها كما منتخباتها الأولى عن المشاركة في الألعاب الأولمبيّة وتحصر مشاركتها بلاعبين أكثرهم تحت الـ23 عامًا، ينتقل الاهتمام بالألعاب الجماعيّة إلى ألعاب أخرى وفي مقدّمتها كرة السلّة.
ففي عام 1992، قرّرت الولايات المتّحدة الأميركيّة أن تشارك بنخبة لاعبيها في مسابقة كرة السلّة وكانت آنذاك بطولة الدوري الأميركيّ تشهد أقوى جيل من اللاعبين الّذين مرّوا في تاريخ كرة السلّة الأميركيّة وكان القرار في حينها بجمعهم جميعًا ضمن فريق واحد عرف بفريق الأحلام الـ"دريم تيم" .
وقد ضمّ فريق الـ"دريم تيم" الّذي قدم إلى برشلونة آنذاك أساطير اللعبة وفي مقدّمتهم أسطورة رياضة كرة السلّة حول العالم مايكل جوردان ومعه الأسماء الرنّانة من لاري بيرد وماجيك جونسون وشارلز باركلي، وصولًا إلى باتريك يوينغ وكلايد دراكسلر وكارل مالون وسكوتي بيبين، فتحوّلت مبارياتهم مع كلّ الفرق المنافسة إلى مباريات استعراضيّة بين الـ"دريم تيم" وضحاياهم على طريقة مهرجانات المباريات الاستعراضيّة لما يعرف بفريق الـ"غلوب تراتورز هارلم".
وفي نهاية تلك الألعاب الّتي شكّلت منعطفًا من دون أن تدري في تاريخ كرة السلّة، انطلق تدفّق نجوم البطولات الأوروبّيّة إلى دوري المحترفين الأميركيّ مع دخول الكرواتيّ طوني كوكوش كلاعب أساسيّ فرض نفسه بتقنيّاته العالية على تشكيلة مدرّب شيكاغو بولز فل جاكسون بطل كرة السلّة في الـNBA ست مرّات الّذي اقتنع بطريقة لعبه ففرضه على الثنائيّ مايكل جوردان وسكوتي بيبين اللذين أصبحا لاحقًا من أقرب اللاعبين للنجم الكرواتيّ. وبعد كوكوش دخل إلى تشكيلة البولز الّتي سيطرت على كرة السلّة في فترة التسعينيّات العملاق الأستراليّ لوك لانغلي وغزت معه أسماء العديد من النجوم الأوروبيّين فرق الـNBA وفي مقدّمتهم الصربيّ فلادي ديفاش (فريق لوس أنجلوس لايكرز) والكرواتيّ دينو رادجا (فريق بوسطن سلتيكس)، وكان لمع قبلهم في نهاية الثمانينات النجم النيجيريّ حكيم أولجوان، وأيضًا العملاق اللبنانيّ الآتي من الدوري اليونانيّ روني صيقلي .
وبقيت الفرق الأميركيّة تعزّز فرقها باللاعبين الأوروبيّين ومن بقيّة القارات كالصينيّ ياو مينغ إلى أن فرض العملاق الألمانيّ ديرك نوفيسكس نفسه قائدًا لفريق دالاس مافريكس فأهدى فريقه لقب بطولة الدوري الأميركيّ في عام 2011 بمعدّل نحو 28 نقطة في المباراة فاقتنع الأميركيّون بأنّ في إمكان النجوم الصاعدة في أوروبّا بأن تتحوّل إلى نجوم اللعبة كما الأميركيّين أو أحيانًا أفضل منهم.
ومنذ ذاك التاريخ، دخلت أسماء من خارج الولايات المتّحدة الأميركيّة كنجوم في فرق الـNBA وبدأت منافستهم للّاعبين الأميركيّين، ومن بينهم على سبيل المثال العملاق الإسبانيّ بو غازول والنجم الفرنسيّ طوني باركر والكنديّ ستيف ناش إلى أن تمكّن فريق تورنتو رابتورز في الـNBA وهو ممثّل لكندا وليس أميركيًّا وللمرّة الأولى من الفوز بلقب الدوري في عام 2019 .
وكان آنذاك من أبرز نجوم الفريق ثلاثة لاعبين من خارج الولايات المتّحدة، من بينهم الكاميرونيّ باسكال سياكام مع معدّل هو 19 نقطة في المباراة و8 ريباوند، وإلى جانبه لاعب الكونغو سيرج إيباكا مع عشر نقاط في المباراة و 6 ريباوند.
و في يومنا هذا، أصبح أبرز نجوم الدوري الأميركيّ من خارج الولايات المتّحدة كاليونانيّ يانيس أنتيتيكومبو الّذي قاد لوحده فريق ميلووكي باكس إلى إحراز لقب الدوري في عام 2021 قبل أن يسيطر الصربيّ نيكولا يوكيش كلّيًّا على عالم كرة السلّة بمعدّلات هي 27 نقطة في المباراة مع 13 ريباوند و9 أسيست فيكون سيّد اللعبة حتّى أمام الساحر ستيفن كيري والملك ليبرون جايمس، من دون أن ننسى سيطرة اللاعب الأكثر تكاملًا في البطولة الأميركيّة السلوفينيّ لوكا دانسيش كأفضل مسجّل نقاط في الـNBA هذا الموسم مع 34 نقطة في المباراة.
واليوم، وبعدما سرق فريق الـ"دريم تيم" انتصارًا كان في متناول يد الصربيّ يوكيش في أولمبياد باريس، سيفتقد المنتخب الأميركيّ إلى أجيال أسياد اللعبة كنجوم الفريق الأميركيّ وفي مقدّمتهم الملك ليبرون جايمس (39 عامًا) وهو على وشك الاعتزال وكيفن دورانت (36 عامًا) وستيفن كيري (36 عامًا) وهما في آخر مسيرتهما الاحترافيّة، وعندها لن يكون من الصعب على بعض المنتخبات الأوروبّيّة كإسبانيا وصربيا وألمانيا وفرنسا وعملاقها فيكتور وينبانياما (2,23 سنتمترًا) وفي عمر الـ20 عامًا فقط من مقارعة الفريق الأميركيّ وإنزاله أخيرًا عن عرشه الملكيّ.