"تكرار المكرّر وتأكيد المؤكّد"، بهذه العبارات يمكن وصف جوهر كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله خلال الحفل التأبيني لرأس الهرم العسكري في "الحزب" فؤاد شكر إذا ما استثنينا اعترافه بأنّ اغتيال شكر ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنيّة "إنجاز إسرائيلي" مع تشديده على أنّه "ليس انتصاراً ولا يُغيّر شيئاً في مسار الحرب".

فبعد مضي 10 أشهر على ذاك السابع من تشرين الأول، ظهر نصرالله عالقاً في شباك "قواعد الاشتباك" التي جدّد شبابها مع انطلاق 7 تشرين الأول، بعدما كان قد أعلن عنها في 16/2/2006 بقوله: "إنّ المقاومة أمام استهداف مبنى في الضاحية ستدمّر مباني في تل أبيب، وإنّ قصف المطار سيقابل بقصف مطار بن غوريون، والكهرباء بالكهرباء، ومصافي النفط مقابل مصافي النفط، والمصانع سيقابلها المصانع". فهو عجز عن تطبيق المعادلة التي أطلقها منذ اليوم الثاني لـ"طوفان الاقصى" والقائمة على "استهداف مدني إسرائيلي مقابل استهداف مدني لبناني واستهداف مقاتل من "الحزب" سيقابله استهداف عسكري إسرائيلي وضرب العمق اللبناني سيقابله ضرب العمق الإسرائيلي". لذا كانت مواقفه هروباً إلى الأمام ليس من "قواعد الاشتباك" فحسب، بل أيضاً من طروحات "وحدة الساحات" و"جبهة الإسناد" و"سياسة الردع".

أكّد نصرالله المؤكّد بقوله "نتنياهو لا يريد وقفًا للحرب ولإطلاق النار ويصرّ على ذلك في كلّ الصفقات... إسرائيل تقاتل بلا قواعد أو خطوط حمر ومواجهتها ومنعها من الانتصار واجب أخلاقي وديني"، فيما هو وحزبه يتمسّكان بـ"قواعد الاشتباك" التي لم يتمكّنا حتّى اللحظة من تطبيقها إذ فيما سقط من الجانب اللبناني مئات المقاتلين من "الحزب" وحلفائه وعشرات المدنيين، لم يسقط لإسرائيل بضع عشرات بين مدني وعسكري.

كرّر نصرالله المكرّر حين تحدّث عن القيمة المادية للمصانع الإسرائيلية في الشمال، معلناً أنّ العمل لإنشائها استغرق 34 عاماً و "هودي كلّن بيروحوا بساعة وحدة، بنص ساعة". أليس هو من ألمح إلى ذلك منذ 16/2/2010: "البنية التحتية لإسرائيل أكبر وأضخم وأهمّ من البنية التحتية للبنان. عندنا مطار ونصف مطار عندهم مطارات، وعندهم موانىء عندنا بضع محطات لتوليد الكهرباء وعندهم مصانع كبرى للكهرباء، لدينا بضعة مصانع، وعندهم مناطق صناعية كبرى"؟! أليس هو من هدّد في أكثر من إطلالة سابقة بأنّه يملك "بنك أهداف" وفنّد المؤسسات والمصانع في الشمال التي أضحت تحت مرمى صواريخه المحدّثة؟!

كرّر نصرالله المكرّر بقوله: "ليس مطلوباً من إيران وسوريا الدّخول بقتال دائم، ولكنّ المطلوب منهما توفير الدعم المعنوي والسياسي والمادّي والعسكري رغم كلّ ما تتعرّضان له من ضغوط". وهو كان سابقاً أعطى أعذاراً تخفيفية لعدم انخراط سوريا في "وحدة الساحة" بسبب واقع الحرب التي تعيشه ودعا إيران إلى عدم الانخراط في الحرب لأنّ "الحزب" ليس بحاجة إليها. فكرّس بذلك معادلة "ساحات بثمن وساحات بزيت" وتبرّع بإعطاء أعذار تخفيفية لعدم انخراط دمشق وطهران بالحرب، مقابل إصراره على إقحام لبنان فيها حتّى آخر نفس.

كرّر نصرالله المكرّر بقوله: "إسرائيل خائفة"، "إسرائيل في وضع صعب"، "قدرات وإمكانات إسرائيل لم تعد قوية كما كانت والدليل استعانتها بدول أخرى للدفاع عنها"، وهو الذي لطالما ردّد أنّها "أوهن من بيت العنكبوت". راهن محور الممانعة صبيحة 7 تشرين الأول أنّ إسرائيل لا تجرؤ على اقتحام غزّة لأنّ جيشها جبان. بالأمس أيضاً كرّر المحور الرهان على أنّها لا تجرؤ على ضرب الضاحية. لكنّ هذه الرهانات كانت، يا للأسف، مخطئة، وكلّفت آلاف الضحايا في غزة واغتيال رأس هرم "حزب الله" العسكري فؤاد شكر في الضاحية. فهل من يسأل؟ وهل هناك من فاجأه إسراع دول عدّة للدفاع عنها؟

بعدما كان الهدف هو الانتصار على إسرائيل عبر إجبارها على تبييض السجون، أصبح هدف هذه المعركة، وفق نصرالله، هو "منع إسرائيل من الانتصار والقضاء على القضية الفلسطينية"! أليس فتح المعركة هو السبب الكامن وراء إعطاء إسرائيل فرصة للانتصار؟ أليست تسوية غزة بالأرض وسقوط عشرات آلاف الضحايا ثمناً باهظاً كان يجب أخذه في الاعتبار عند اتخاذ قرار تنفيذ عملية "طوفان الأقصى"؟

بعدما كان الهدف هو الانتصار على إسرائيل عبر إجبارها على تبييض السجون، أصبح هدف هذه المعركة، وفق نصرالله، هو "منع إسرائيل من الانتصار والقضاء على القضية الفلسطينية"!

في تخوين مغلّف وملطّف، يتوجّه نصرالله الى شريحة من اللبنانيين بالقول: "لا تطعنوا المقاومة في ظهرها ولا تكونوا شركاء في الحرب النفسية". لكن أليس "الحزب" من طعن الدولة في ظهرها ووجهها وكلّ جسمها عبر التفرّد بقرار هذه الحرب؟ أليس هو من طعن الميثاق الوطني والشراكة بين المكوّنات عبر فرض رغباته على الآخرين؟ يدعو نصرالله اللبنانيين إلى "إدراك حجم المخاطر القائمة"، مضيفاً "ما عم يستوعبوا، بعدن غرقانين بالأمور الداخلية الطائفية"؟ ولكن من استجلب هذه المخاطر؟

يجزم نصرالله: "الحزب ملزم بالردّ وسيردّ وإيران ستردّ واليمن سيردّ، لكن "يا واش يا واش." الانتظار الإسرائيلي على مدى أسبوع هو جزء من العقاب والردّ والمعركة...إيران والمحور يذبحان بالقطنة... حالة الانتظار جزء من المعركة... ردنا سيكون قوياً ومؤثراً وفاعلاً وننتظر الميدان... سنردّ ولكن بتأنّ وروية وشجاعة والانتظار الإسرائيلي هو جزء من الرد... ردنا آت ان شاء الله، وحدنا أو في إطار رد جامع لكامل المحور"...

لكن ماذا عن حالة الانتظار التي يعيشها اللبنانيون وهم في الأساس غارقون بالأزمات؟ أليست عقاباً يثقل كاهل المواطنين؟ في الأساس، من فوّض إلى نصرالله أن يقحمهم في هذه المعركة؟ هذا هو السؤال الذي مهما طالت الحرب وتفاقمت الأوضاع يبقى حجر الزاوية الذي يحاول "حزب الله" تجاهله وعليه يبنى هيكل أي علاقة تشاركية بين اللبنانيين. لذا، فإنّ المطلوب إجابة صريحة وواضحة ومسؤولة قبل سقوط الهيكل.