جاء اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، مفاجأة حتّى لأقرب الحلفاء لإسرائيل، أي واشنطن. أقلّه بحسب ما أعلن المسؤولون الأميركيون، خصوصاً أولئك الذين التقاهم رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو على هامش زيارته للولايات المتحدة حيث ألقى كلمة في الكونغرس الأميركي. ويصف المعنيون ما حصل بالـ"اغتيال السياسي الأمني والعسكري المتعدد الأهداف والأبعاد"، وأنّ إسرائيل أرادت منه الآتي:
ـ أولاً، تسديد ضربة في الصميم للأمن الإيراني وإظهاره أنّه أمن هشّ ومخترق أو سهل اختراقه في أيّ وقت، وأنّ قتل شخصية مهمة بحجم هنية أو من هو أرفع منه من شأنه أن يربك الداخل الإيراني، إن لم يحدث أزمة عميقة فيه، خصوصاً في هذه المرحلة التي بدأت مع تولّي الإصلاحي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية.
والخطير هنا أنّ اغتيال هنية وما رافقه ويرافقه دفع البعض داخل إيران وخارجها إلى الحديث عن فرضية احتمال أن يكون الرئيس الإيراني السابق السيد ابراهيم رئيسي قضى باغتيال في أيار الفائت في محافظة أذربيجان، بإسقاط طائرته بعمل تخريبي أو بصاروخ وليس نتيجة عامل الطقس، كما أعلنت السلطات الإيرانية في حينه.
ـ ثانياً، توجيه رسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي، مفادها أنّ إسرائيل تستطيع أن تصل إليه وإلى أي مسؤول إيراني ساعة تشاء.
ـ ثالثاً، توجيه رسالة إلى محور المقاومة عموماً، مفادها أنّ عاصمته إيران هي من الهشاشة أمنياً ما يدعو إلى عدم الاعتماد عليها والوثوق بقدراتها الأمنية، وأنّ أجهزتها الأمنية مخترقة، وأنّها ليست بالمناعة والقدرة على مواجهة أعدائها.
ـ رابعاً، إحداث فتنة تنجم عن انعدام الثقة بين إيران وحلفائها، وعلى رأسهم حركة "حماس" وأخواتها قد تصل إلى حدود التشكيك في صدقية روايتها حول اغتيال هنية، وقد بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تشهد ترويجاً لنظرية المؤامرة عبر اتهام إيران بقتل هنية.
وقبل كلّ هذا، أرادت إسرائيل من قتل هنية في عمق طهران وفي عرين الحرس الثوري الإيراني (الباسداران) التأكيد أنّها كانت ولا تزال تملك اليد الطولى في المواجهة ضد إيران وكلّ محور المقاومة، وأن عليها التفكير ألف مرة قبل الإقدام على أيّ هجوم ضدّها تحت شعار إزالتها من الوجود، وأنّ اغتيال هنية في قلب طهران وهو تحت حراسة الحرس الثوري، هو نموذج لما يمكن أن تنفّذه ضد إيران وحلفائها من عمليات أمنية وأعمال حربية إن استمرت في دعمها حركات المقاومة المناهضة لها، وخصوصاً المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وخارجها. وقبل كلّ هذا أيضاً، تريد إسرائيل أن تؤكّد بعد أنّ قوتها الردعية التي ظهر أنها انهارت يوم تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" تم إعادة ترميمها، وأنها لا تزال تملك القوة بدليل أنّها تصل إلى من تريد من أعدائها وفي أي مكان وزمان، خلافاً للاعتقاد السائد بأنّها فقدت هذه القوة.
كما أنّ إسرائيل تريد من خلال اغتيال هنية توجيه رسالة إلى حلفائها وأعدائها على حدّ سواء أنّها كانت لا تزال القوة العسكرية والأمنية الضاربة في المنطقة، وأنّه لا يمكن الاستغناء عنها مهما كلّف الأمر.
وإذا صحّ ما يقوله البعض من أنّ نتنياهو عاد من واشنطن بموقف أميركي يقول "إنّ الولايات المتحدة غير مستعدة لتحمّل حروب واسعة في الشرق الأوسط"، ونفّذ هذه الاغتيالات، فإنّما يكون قد تمرّد على الإرادة الأميركية. لكنّ ذلك تدحضه مواقف المسؤولين الأميركيين المتلاحقة بالتأكيد على "حقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها". في وقت أمر وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن القوات الأميركية "بالتحرّك دفاعاً عن إسرائيل إذا تعرّضت لهجوم".
في أيّ حال، فإنّ الجميع ينتظرون حرباً مفتوحة وليس "أيّاما قتالية"، إذ باتت هذه الحرب المدخل لخروج المنطقة من النفق، بعد انسداد الآفاق أمام كلّ مشاريع التسويات الإقليمية التي يفترض أن تفضي إلى نظام إقليمي لن يكون مفصولاً عن النظام الدولي الذي يفترض أن ينشأ عندما تضع الحرب الروسية ـ الأوكرانية أوزارها، وكذلك الحرب الباردة الدائرة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، سواء كانت حول تايوان أو حول "الحزام الطريق" الذي رسمت واشنطن في مواجهته "الخط الهندي"، والذي يقال إنّ انفجار حرب غزّة بعد أسابيع على إعلانه في قمّة نيودلهي كان لتعطيله، كما أنّ مشروع قناة بن غورين يمرّ من إيلات إلى البحر المتوسط عبر شمال قطاع غزة.