يُطالعكَ المكان على بعدِ أمتارٍ من "ساحةِ إيليا" في صيدا على أوتستراد الجنوب، في الاتجاهِ الذي تذهبُ من خلالِهِ إلى "ساحة النجمة" في وسطِ المدينة. بينَ السّاحتين "إيليا" و"النجمة"، تجدُ "إشبيليا" (سينما ومسرح)، مكان متعدّد الوسائط، فيه بهو مقهى وقاعات تدريب وورَش عمل ومساحات للنّقاش والمُطالعة. وفي الطابق السّفلي، قاعة كبيرة تتسعُ لـ 447 مقعداً، تُعرَضُ على شاشتها الأفلام وتقدّمُ على خشبتها العروضُ المسرحيّةُ. التعدّد الموجود في إشبيليا قد يكونُ فريداً من نوعِهِ على صعيدِ لبنان ككُل، ليسَ على مستوى صيدا والجنوب فقط.
على طاولةٍ بيضاويّة في "إشبيليا"، "الصفا نيوز" التقت بالمديرة الفنيّة لإشبيليا، هبة زيباوي، خرّيجة الصّحافة من الجامعة الأميركية في بيروت عام 2014، التي تبدأُ بالتعريفِ عن المكان كسينما أسّسها الأب عدنان زيباوي عام 1980، واستمرّتْ حتى العام 2008 وسط شراكاتٍ مهمّة لعرضِ الأفلام العربيّة والعالميّة، ثمّ أغلقتْ "إشبيليا" أبوابها تماماً كما كانَ قد أسّسَ زيباوي سينما غراندا في "البوابة الفوقا" بصيدا عام 1975، وأغلقتْ أبوابها هي الأُخرى.
العودة... مساحة للشباب
تتحدّث زيباوي عن عودة "إشبيليا" في أيلول 2018، كسينما ومسرح، وكجمعيّة لديها علم وخبر، فتقول: "عُدنا في أيلول 2018، لكن بعدَ ذلك الحين، حدثَ كل شيء في الكوكب، ثورة في لبنان وأزمة اقتصاديّة وسياسيّة وأزمة صحيّة عالميّة (كوفيد 19)، ثمّ انفجار المرفأ والأزمات المتتالية على الصعيد الأمني لبنانياً وعربياً". رغمَ ذلك استطاعتْ "إشبيليا" أن تثبتَ نفسَها وتحوّلتْ لمساحةٍ حرّة لدى قاطني صيدا، أو الّذين يمرّونَ فيها.
في "إشبيليا" عروض المسرح والسينما والمهرجانات السينمائية والورشات والندوات و"المنبر المفتوح - Open Mic"، وتعودُ هبة إلى ذاكرةِ طفولتها، حيثُ كانت تدعو أصدقاءَ المدرسة لحضورِ الأفلام، بلا أن يتكبّدوا أي تكاليف في دفعِ ثمنِ التذاكر!
لا يقتصرُ جمهور "إشبيليا" على الشّباب فقط، بل يأتيها أُناسٌ من مختلف الفئات العمريّة بحسب الفعاليّات التي تُقام.
"إشبيليا" تحارب المركزية وصوتٌ من أجل فلسطين
تقولُ هبة زيباوي: "يُعاني لبنان من مركزيّة ثقافيّة كبيرة، حيثُ تتركّزُ الفعالياتُ الثقافيّةُ والفنيّةُ في بيروت بشكلٍ أكبر، لتأتي إشبيليا وتضعُ نفسها على الخارطة الثقافيّة اللبنانيّة في الجنوب وتحديداً صيدا، كثالث أكبر مدينة في لبنان". تُضيف "زيباوي" بأنّ دورَ "إشبيليا" تبلورَ خلالَ ثورة "17 تشرين" لقربها من الساحة التي كانَ يحتشدُ فيها اللبنانيون "إيليا"، حيثُ تحوّلتْ إلى مكانٍ للنقاش الاجتماعي والسّياسي. كما تُقدّمُ "إشبيليا" دوماً الفعالياتِ المتعدّدةَ لأجلِ فلسطين.
أَمَنَتْ "إشبيليا" بحسب هبة زيباوي بالشراكات المتعددة مع الجميع، لكن بلا أي إملاءات سياسيّة أو تقييدات حزبيّة، ورغمَ "غياب دور وزارة الثقافة في دعمِ الأماكن التي تشبه إشبيليا، وغلبة الطابع التجاري للمهرجانات التي تُقدّمها الوزارة"، تعوّضُ "سينما ومسرح إشبيليا" عن ذلك، بحسب زيباوي، بتقديمِ العروض الفنيّة والثقافيّة، فتستمرُ على عكسِ أماكن ثقافية أُخرى "أغلقت أبوابها" في لبنان، بسبب الأعباء الماليّة التي واجهتْها.
كيف استمرت "إشبيليا"؟
تكشفُ هبة زيباوي بأنّ "إشبيليا" لا تزال تؤمّنُ استمراريتَها من خلالِ موارد المنح كدعم "آفاق" وعائدات "المقهى"، بالإضافة إلى عائدات إيجار المسرح وتذاكر العروض السينمائيّة، وغرف الاستئجار سواء للورشات التي يغلبُ عليها "التمثيل" أو الندوات المتعدّدة.
تفتحُ "إشبيليا" أبوابها عندَ التاسعة صباحاً وتغلقُها عندَ التاسعة مساءً من الإثنين حتى السّبت، معتمدةً على طاقمِ عاملين، صغيرٍ عددياً، لكنّ الابتسامة الترحيبيّة لا تفارق وجوههم. "كُثر يطالبون بفتح الأبواب يوم الأحد أيضاً"، بحسب ما تقولُ زيباوي التي تختتمُ حديثها مع "الصفا نيوز" بالقول: "لا شروط لدى إشبيليا بالتعاون مع أي مسرحَي أو مدوّن أو شريك، لتقديم العروض والندوات والفعاليات المختلفة، سوى بالتزام الشفافيّة الكاملة في التّعاون".