قرّرت الهيئة الفرنسية لتنظيم الإعلام، "أركوم"، إلغاء ترخيص بث قناتين تلفزيونيتين، وهما C8 التابعة لمجموعة فينسنت بولوري، وNRJ12 التابعة لمجموعة جان بول بوديكرو. وتُعدّ هذه الخطوة الأولى من نوعها في فرنسا التي تُعتبر بلد حقوق الإنسان وحرية التعبير. ولكن الحقيقة ليست بهذه البساطة، فقد كانت باريس قد حظرت بثّ قناة RT Russia قبل أكثر من عام، متّهمة إياها بنشر آراء مؤيدة للكرملين.
سيُسجَّل قرار "أركوم" في التاريخ كواحد من أكثر القرارات تأثيراً، حيث يُلقي بثقله على حرّية التعبير، وهي قيمة عزيزة على فرنسا، وطن روسو وفولتير وديدرو. فالمهللون لهذا القرار في فرنسا لم يدركوا بعد أنّ السيطرة على الإعلام يمكن أن تصبح بئراً لا قاع له.
مع بداية عام 2025، سيشهد اليسار واليمين الفرنسيان نزاعاً حاداً حول هذا الحظر المزدوج. يُعين معظم أعضاء "أركوم" من قبل السلطة السياسية الفرنسية، ورئيس هذه الهيئة يُعيَّن من قبل رئيس الجمهورية. بالنسبة للبعض، يُعتبر إغلاق قناة C8 وبرنامجها الشهير "TPMP" الذي يقدمه سيريل هانونا، عملاً من أعمال الرقابة السياسية. بينما يرى آخرون أنّ هذا القرار متوقّع بعد الغرامات المتعددة والتحذيرات، في إطار احترام القواعد، حتّى وإن كانت بعض وسائل الإعلام العامّة لا تخفي توجهاتها اليسارية أو حتّى أقصى اليسار.
ومع ذلك، فإنّ هذا القرار المثير للجدل يُحدث توتراً في المجتمع الفرنسي الذي يعاني بالفعل من الانقسامات، والتي لم تزدها الانتخابات التشريعية الأخيرة إلّا سوءاً.
لطالما كانت حرية التعبير في فرنسا مقدّسة ولا يمكن المسّ بها. بانتهاك هذه الركيزة الأساسية للفكر الفرنسي، يبدو أنّ السلطة الحاكمة تسعى لفرض أيديولوجية محدّدة. كما وصف رئيس الوزراء الاشتراكي السابق، مانويل فالس، بأن هناك "يسارين لا يمكن التوفيق بينهما". هذا القرار السياسي بإلغاء ترخيص وسائل الإعلام قد يُفضي إلى تقسيم فرنسا إلى قسمين لا يمكن التوفيق بينهما.