أطلّ نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب من مسقط رأسه ضهور الشوير خلال استقبال بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر في 20/7/2024 مكرّراً طرحه في حال عدم التمكّن من "انتخاب رئيس للجمهورية ضمن سلّة كاملة" التوجّه الى انتخابات نيابية مبكرة. فتوجّه إلى جميع المسؤولين السياسيين وزملائه النواب بالقول: "فلتكن لدينا الجرأة ونعلن أنّنا فشلنا في التوافق بعضنا مع بعض ونتقدّم باستقالة جماعية تكون نتيجتها إعادة تكوين السلطة بعد إجراء التعديلات المطلوبة للقانون الانتخابي". طرحٌ كان أطلقه للمرّة الأولى في 16/6/2023 من عين التينة حيث دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى "دراسة إجراء انتخابات نيابية مبكرة لتجنّب الفراغ القاتل للبلد والذي قد يمتدّ سنوات، إذ يجب أن لا نبقى نوّاباً عاجزين ومسلّمين للأمر الواقع".

سنة ونيّف مضت على طرح بو صعب الذي وضعه كثيرون، رغم نفي الأخير، في إطار "أرانب" الرئيس نبيه بري، ومن باب "زكزكة" رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل يومذاك، أي قبل الغزل العلني المستجدّ بين "عين التينة" و"ميرنا الشالوحي". فثمّة انطباع سائد، لا بل حقيقة متمثّلة في الأرقام التي أفرزتها صناديق الاقتراع وفي التحالفات في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2022، مفادها أنّ باسيل هو في طليعة المتضرّرين وأول المتراجعين في أيّ انتخابات نيابية، إن لم تترافق مع ضمّ "الثنائي" مرشّحي "التيار" على لوائحه وضخّه أصواتاً لمصلحتهم.

في الأساس، كثيرة هي الطروحات التي لا تحمل في طيّاتها حلولاً جدّية وعمليّة بل تسعى الى أهداف عدّة، مثل:

* تثبيت الحضور الشخصي في إطار البحث عن دور أو إطلالة إعلامية أو عراضة شعبية.

* كسب الوقت والهروب إلى الأمام لتحاشي الالتزام بالحلول البديهية التي تنصّ عليها القوانين والدساتير.

* حَرْف الأنظار عن حوادث معيّنة أو حتى عن مبادرات قائمة عبر اعتماد منطق الإكثار من إطلاق المبادرات، وهو ما يسخّفها جميعاً و "بيروح الصالح بعزا الطالح".

* تحسين الشروط للانتقال إلى طرح آخر كما جرى، على سبيل المثال، مع اقتراح ما عرف بـ"القانون الأرثوذكسي" الذي يدرك جميع من ساهموا فيه ضمنياً – وفي طليعتهم سلف بو صعب نائب رئيس مجلس النواب السابق الياس الفرزلي- أنّه غير قابل للحياة، إلّا أنّه أفضى الى الدفع باتجاه القانون القائم الذي ضرب مفهوم "المحادل" و"البوسطات" الانتخابية وحسّن صدقية التمثيل المسيحي.

هل من عاقل يتوقّع أن تعطي أيّ انتخابات مبكرة أكثرية ثلثين واضحة لفريق محدّد وتطيح بدعة تطيير النصاب التي يتلطّى خلفها برّي لعدم الدعوة إلى دورة ثانية؟

أمّا في ما يتعلّق بطرح بو صعب فهو يستدعي، بغضّ النّظر عن توقيت إعلانه للمرّة الأولى ومكانه، توجيه رزمة أسئلة تساهم في الكشف عن جدواه وصدقيته وقابلية تطبيقه، ومنها:

* كيف الولوج الى انتخابات نيابية مبكرة بعد إطاحة الانتخابات البلدية تحت ذرائع عدّة، آخرها عدم إمكان إجرائها في المناطق التي تشهد مواجهات مع إسرائيل، ورفض تأجيلها في هذه المناطق كما جرى خلال الانتخابات البلدية الأولى بعد الحرب عام 1998 حين استُثنيت المنطقة المحتلة؟

* القول إنّ دولاً عدّة تعمد إلى مثل هذه الخطوة في الأزمات صحيح، ولكنّ هذه الدول لم تكن تسعى للالتفاف على تطبيق القانون، كما هو الأمر عندنا. فهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ربط مشاركة الشعب الفرنسي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية بضمان عدم اكتساح اليمين، أم أنّه احترم النتيجة وحلّ بعدها مجلس النواب من أجل تجديد حصول الفريق الحاكم داخلياً على ثقة الفرنسيين؟

* هل يستطيع بو صعب أن يكفل استقالة نواب فريقه السياسي، أي "الثنائي"، بعدما أصبح خارج "التيار" وأكثر التصاقاً بالرئيس نبيه بري؟

* هل من عاقل يتوقّع أن تعطي أيّ انتخابات مبكرة أكثرية ثلثين واضحة لفريق محدّد وتطيح بدعة تطيير النصاب التي يتلطّى خلفها برّي لعدم الدعوة إلى دورة ثانية؟

* من يضمن احترام "حزب الله" نتائج الانتخابات والذهاب الى لعبة الموالاة والمعارضة، فالأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي قال في 31 /10/2006: "لتحصل الانتخابات وإذا فازوا هم بها نعدهم بالصمت حتّى الدورة المقبلة بعد 4 سنوات"، سرعان ما انقلب على موقفه هذا تحت مسمّيات تشكيل حكومات "شراكة حقيقية" و"وحدة وطنية". فحين لم يحصد فريقه الأكثرية التي ذهبت إلى "14 آذار"، قال في 30/7/2009: "أنجزنا خطوة مهمّة جداً، وأنا لا أريد أن أقف عند الشكليّات، ولكن أؤكد لقواعد المعارضة وقواها جميعاً أنّ الحكومة التي ستشكّل هي حكومة شراكة وطنية حقيقية"؟

* هل نسي بو صعب نظرية نصرالله المناقضة لمبدأ "الأكثرية والأقلية" ومفهوم "الموالاة والمعارضة" إذ اعتبر في 17/2/2009، رداً على من يقول إنّ حكومة الوحدة الوطنية تعوق العمل في مجلس الوزراء، أنّه "من الأفضل أن يتقاتل الوزراء في مجلس الوزراء بدل أن يتقاتل الناس في الشارع"؟ كما رأى في 10/5/2022 أنّ "لبنان بلد خاص، ولن تعالج أزماته أو تُواجه الأخطار فيه بذهنية الأكثرية والأقلّية. فإذا حصل فريق المعارضة على الغالبية في مجلس النواب، فإنّ "حزب الله" يؤكّد دعمه قيام حكومة وحدة وطنية يحضر فيها الشريك الآخر ليكون شريكاً في إدارة البلاد، ونحن لا نتطلّع الى انتخابات تلغي أحداً، فلبنان لا يحكم بالأقلّية ولا بالأكثرية".

طرح بو صعب أصبح، بغّض النظر عن مقوّماته وجدّيته وقابليته للحياة، ممجوجاً بفعل مرور الزمن. غير أنّ التعمّق فيه يُظهر أنّ "الانتخابات النيابية المبكرة" تخريجة "ماكرة".