يحتفل العالم في 25 تموز من كل عام باليوم العالمي للوقاية من الغرق. ومن المعروف أنّ البحر والشواطئ تُعدّ ملاذًا للكثيرين خلال فصل الصيف، لكن مع ارتفاع عدد حالات الغرق، يتحوّل هذا الملاذ إلى مصدر للخطر. شهد لبنان في صيف 2024 ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الغرق أثار قلق المواطنين والسلطات. وبحسب الأرقام يشهد لبنان سنويًا نحو 150 حالة غرق ومعظم من يقضون غرقًا تراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، أي أنهم يافعون، وربما لا يجيدون السباحة. هذه الظاهرة تستدعي دراسة الأسباب الكامنة وراءها وإيجاد حلول فعّالة للحدّ منها.

وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد كشفت في بيان صادر أخيراً عن تزايد حوادث الغرق في الآونة الأخيرة ، لا سيّما تلك التي يتعرض لها الأطفال والشباب أثناء السباحة أو خلال تواجدهم في محيط مجاري الأنهار والبرك الطبيعية، وقد سجلت الفترة الممتدة من 1-1-2020 لغاية 22-5-2024 وقوع 221 حادث غرق، أسفر عن وفاة 255 ضحية من بينهم 127 قاصرًا.

وشددت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي على المواطنين الكرام، حفاظاً على سلامتهم وسلامة أولادهم، اتباع النصائح والإرشادات التالية أثناء السباحة:

  • التقيّد بإرشادات السلامة العامّة، والانتباه لحالة البحر وعدم المجازفة.
  • عدم السباحة في الأماكن غير المسموح السباحة فيها أو التّي تعدّ خطيرة من حيث موقعها.
  • عدم القفز في الماء من أماكن مرتفعة (الشك).
  • عدم ترك الطفل يسبح أو يلعب بالمياه بمفرده ودون مراقبة.
  • ارتداء السترة الخاصة بالسباحة ولاسيما سترة النجاة الخاصة بالأطفال الذين لا يحسنون السباحة، وعدم السباحة باللباس الكامل.
  • منع الأولاد من الركض حول أحواض السباحة والقفز في الجهة العميقة منها.
  • تجنب السباحة بعد تناول الطعام بشكل مباشر، وعدم تناول المشروبات الكحولية.
  • توخّي الحذر عند الاقتراب من ضفاف الأنهار والبرك الطبيعية.
  • تجنّب السباحة في الأنهر والبرك الزراعية.

ومن أبرز الأسباب الرئيسة لارتفاع حالات الغرق:

1-  قلة الوعي والتدريب على السباحة:

يعاني الكثير من المواطنين قلّة الوعي بأهمّية تعلم السباحة ومهارات الإنقاذ. هذا النقص في التدريب يعرّضهم لخطر الغرق، خاصة في البحر المفتوح حيث تكون التيارات البحرية قوية وغير متوقعة.

2-  عدم وجود رقابة كافية على الشواطئ:

غالبية الشواطئ العامّة تفتقر إلى الحراسة الفعّالة والمراقبة المستمرة. غياب المنقذين المحترفين يزيد من احتمال وقوع حوادث الغرق، خصوصًا في الأماكن غير المؤهّلة تمامًا لاستقبال السباحين.

3-  الاكتظاظ على الشواطئ:

يشهد فصل الصيف ازدحامًا كبيرًا على الشواطئ يؤدّي إلى صعوبة في مراقبة جميع السبّاحين وضمان سلامتهم. الكثافة العالية للزوّار تجعل من الصعب على المنقذين والمشرفين متابعة الجميع.

4-  المخاطر الطبيعية:

التيارات القوية والمفاجئة، والأمواج العالية، والأحوال الجوية المتقلّبة يمكن أن تكون عوامل خطرة تؤدّي إلى الغرق. وكثيرًا ما يستخفّ السبّاحون بهذه المخاطر ويغفلون عن اتخاذ الحيطة والحذر.

5-  استهلاك الكحول والمخدّرات:

يُلاحظ تزايد في استهلاك الكحول والمخدّرات على الشواطئ خلال فترات الإجازات الصيفية، وهذا ما يؤثّر على قدرة الأشخاص على السباحة بشكل آمن ويزيد من خطر الغرق.

وبالعودة إلى النقطة الرابعة، يشرح رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي محمد كنج، في حديثه لـ "الصفا نيوز" أنّ "هذه السنة شهدت حالات غرق أكثر من العام الماضي، كون فصل الصيف انطلق تقريبًا في أيار، والناس نزلت باكرًا إلى البحر، وبالعادة في آخر الربيع وببداية الصيف يكون الطقس غير مستقرّ، وبالتالي تشهد المنطقة حركة منخفضات تجعل الرياح ناشطة على نحو يؤدّي إلى ارتفاع الموج وحركة أمواج قوية. وعندما يرتفع الموج، يرتفع التيار المائي (وهي عملية تراجع الماء الذي تدفع به الأمواج إلى الشاطئ)، فإذا كان الشاطئ صخريًا، تعود الموجة بطريقة مشتتة إلى السواحل الصخرية، أمّا إذا كان الشاطئ رمليًّا فتعود المياه بطريقة متستقرّة، وهذا ما يكوّن نهرًا معاكسًا لاتجاه الموج وبؤر في الشط الرملي تبدأ سرعتها من متر إلى 3 أمتار في الثانية".

وفسّر كنج "عندما يكون الطقس متقلّبًا، تحدث تقلّبات حراريّة قليلة، وهذا ما يحصل فعلًا في لبنان، حيث كانت هناك تقلّبات في درجات الحرارة، من 3 إلى 4 موجات حرّ خلال الشهر الذي سجل أكثر حالات الغرق، تبعها تدنٍ في درجات الحرارة، فولّدت هذه الفروق الحرارية تيّارات هوائية أدّت إلى ارتفاع موج البحر". وتابع "عادةً، يرتفع موج البحر مترًا وربع المتر، ويكون توصيفه في هذه الحالة هائجًا بحسب الأرصاد الجويّة ( من متر وربع إلى المترين ونصف يعتبر البحر هائجًا)، والناس في المعتاد ترتاد الشواطئ الرملية، التي تتكوّن فيها تيارات مائية تتسبب في حدوث حالات غرق عديدة".

وأضاف "عندما يعلق المواطنون في هذه الحفرة التي أحدثها الموج، يعجز أغلبهم عن الخروج منها، حتّى أمهر السباحين يجدون صعوبة في التصدي لها، خصوصًا إذا ما كانت تجربتهم الأولى، وبالتالي ما يحصل غالبًا هو أنّ معظم الأشخاص يحاولون مقاومة التيّار ما ينهكهم ويؤدي إلى غرقهم، فيما المطلوب هو السباحة بطريقة جانبية أو عدم مقاومة التيار والسباحة باتجاهه".

واعتبر كنج أنّ "الضائقة الاقتصادية جعلت الناس تلجأ إلى شواطئ غير معروفة، في ظّلّ غياب الرقابة. فيما عدد من الناس لا يلتزم التعليمات ولا يردّ على المشرفين".

والحلّ، برأيه، يبدأ بأن نذهب إلى "شواطئ معروفة، مع التحقق من حالة الطقس قبل يوم، عبر الاستماع إلى نشرات الطقس، فاذا كان هناك نشاط هوائي فسيكون البحر هائجًا، وبالتالي ستكثر التيارات المائية".

إذًا، هي معادلة بسيطة، عندما تكون حركة الرياح قوية يفضّل عدم النزول إلى الشواطئ. كما بإمكان من لم يسمع نشرة الطقس، أن يلاحظ التيارات المائية، حيث تكون أشعة الشمس مكسورة في الماء، وتعطي لونين، أحدهما لا يحوي رغوة على وجهه، وهذا يعني أنّ هناك تيارات مائية وبالتالي يُفضّل عدم السباحة".

وفي ما يتصل بدور مصلحة الأرصاد الجويّة في عملية التوعية، أشار إلى أنّ "المصلحة تتحدّث عن حال البحر، ونشاط الهواء، ونشرت تحذيرات بهذا الخصوص منذ بداية السنة، أمّا على الأرض فهذا يتعلّق بالدفاع المدني أو المكلفّين على الشواطىء أو البلديات". مشدّدًا على ضرورة وضع إشارات أو أعلام حمر، تظهر وجود تيّار في هذه المنطقة أو تلك ليتجنّب الناس السباحة فيها، لافتًا إلى "أنّ ما ساهم في تفاقم الوضع هو أنّ أكثرية الناس- وبسبب الضائقة الاقتصادية- لجأت إلى الشواطىء المجّانية الخالية من الرقابة، وهناك حصلت أكثر عمليات الغرق".

على مقلب آخر، هناك العديد من الخطوات التي يمكن اعتمادها لتقليل عدد حالات الغرق في لبنان، منها:

-  تعزيز الوعي والتدريب:

يجب إطلاق حملات توعية مكثفة عن أهمّية تعلّم السباحة والاحتياطات اللازمة للسلامة في الماء. يمكن أيضًا تنظيم دورات تدريبية مجانية لتعليم السباحة في المدارس والمراكز الشبابية.

-  تحسين نظام المراقبة والإنقاذ:

يجب تعزيز وجود المنقذين المحترفين على الشواطئ وزيادة عددهم. كذلك ينبغي تزويد الشواطئ المعدات اللازمة للإنقاذ والإسعاف الأولي.

-  تنظيم أعداد الزوار:

يمكن الحدّ من الاكتظاظ على الشواطئ من خلال وضع قيود على أعداد الزوار المسموح بها في أوقات الذروة. ينبغي أيضًا تحسين إدارة الدخول والخروج وتخصيص مناطق محددة للسباحة.

-  التوعية بالمخاطر الطبيعية

يجب نشر معلومات حول التيارات البحرية والأحوال الجوية المتوقّعة بشكل دوريّ، وتحذير السبّاحين من المخاطر المحتملة. كذلك يمكن تثبيت لافتات تحذيرية على الشواطئ تشرح كيفية التصرّف في حال مواجهة تيار قوي أو أمواج عالية.

- منع استهلاك الكحول على الشاطئ:

يجب فرض قيود صارمة على استهلاك الكحول والمواد المخدرة على الشواطئ، وزيادة التوعية بأخطارهما، وتطبيق عقوبات على المخالفين لتعزيز الالتزام بالقوانين.

يتطلّب الحدّ من حالات الغرق في لبنان جهودًا مشتركة من الحكومة والمجتمع. من خلال تعزيز الوعي والتدريب، وتحسين نظام المراقبة والإنقاذ، وتنظيم أعداد الزوار، يمكننا جعل الشواطئ أماكن أكثر أمانًا. على الجميع أن يكونوا على دراية بالمخاطر وأن يتخذوا الاحتياطات اللازمة لضمان سلامتهم وسلامة الآخرين.