يبدو لبنان في هذه المرحلة وكأنه يتأهّب للدخول في "العهد الروسي" لدونالد ترامب أو "عهد ترامب الروسي"، وذلك وفق ما توحي به التطورات على صعيد السباق الانتخابي  في ضوء نجاته من محاولة اغتيال، مع استبعاد حصول أيّ تطوّر ملموس على مستوى الاستحقاقات الداخلية اللبنانية قبل حلول السنة الجديدة، إذ لا مؤشرات على أنّ انتخاب رئيس للجمهورية سيحصل قريباً، ولا وقف إطلاق النار في غزة وعلى الجبهة الجنوبية اللبنانية، بدليل المواقف المتشدّدة التي يتّخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مصرّاً على تحقيق أهدافه من الحرب، وهي القضاء على حماس وأخواتها وتدمير قطاع غزة كلّياً وتهجير ما تبقى من سكانه.

على أن ما ينبغي الالتفات إليه، بحسب مصادر متابعة ومطّلعة، هو أنّ إسرائيل تشغّل في هذه الأيام حقل ليفتان الغازي في البحر المتوسط بطاقة كبيرة لتزويد الأردن ومصر بالغاز، خصوصاً مع تراجع المخزون الغازي في مصر التي استوردت أخيراً ثلاث سفن من الغاز المسال الإسرائيلي، في الوقت الذي خصصت إسرائيل حقلي كاريش وتامار للاستهلاك الداخلي، وهذان الحقلان لم يتعرضا لأيّ استهداف منذ عملية "طوفان الأقصى" على رغم اشتداد المعارك وتوسّع الخروقات الإسرائيلية لقواعد الاشتباك، في الوقت الذي لم يستخرج لبنان بعد قطرة واحدة من غازه، إذ أعلنت شركة توتال اينرجيز في بدايات حرب غزة نتيجة سلبية لأعمال التنقيب في حقل "قانا" اللبناني الملاصق لحقل كاريش.

في غضون ذلك، وبحسب المصادر، تبيّن أنّ القنابل التي قصفت بها إسرائيل مخيم النازحين في مواصي خان يونس وارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها نحو 100 قتيل ومئات الجرحى كانت من نوع القنابل التي طلبتها تل أبيب من واشنطن، وكانت الإدارة الأميركية قالت إنّها تحجزها ولن تسلّمها إليها، وهذا ما طرح التساؤل: من أين حصلت إسرائيل على هذه القنابل التي تزن ألفاً وألفَيْ رطل؟ وهل حصلت عليها سرّاً من واشنطن حتى لا تُحرج الأخيرة عربياً وعالمياً؟ أم حصلت عليها من دول تؤيّد حربها على قطاع غزة وتمتلك السلاح الأميركي نفسه؟

وبحسب مصادر ديبلومسية فأنّ الأجوبة عن هذه الاسئلة ستظهر في الأيام المقبلة. لكن ما لفت في هذا السياق كان ما نقلته قناة "العربية" عن مسؤول أميركي وهو "إنّ واشنطن ترفض تسليم قنابل ثقيلة إلى إسرائيل لمنع حرب عن لبنان"، مضيفاً "أنّ إسرائيل قادرة على شنّ هجوم ضخم على لبنان، وقادرة على تدمير مطار بيروت ومبان في محيطه والضاحية الجنوبية لبيروت", وقال "إنّ القوات الأميركية في المنطقة تعمل على خطط إجلاء في حال اندلاع حرب في لبنان".

مبادرة المعارضة

وسط هذه الأجواء جاءت المبادرة الرئاسية التي طرحها "نواب قوى المعارضة" حسبما سمّوا أنفسهم. ولكن توقّعت مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي أن يكون مصير هذه المبادرة ذات الاقتراحين كمصير سابقاتها، بحيث تتلاشى شيئاً فشيئاً بما يبقي الاستحقاق الرئاسي في دائرة الجمود، فهذه المبادرة لم تحمل جديداً، وإنّما جاءت بمنزلة "إعادة نشر وانتشار" لمواقف المعارضة إذا جاز التعبير، بحيث أنّ المعارضة لم تعبّر من خلالها عن جديد يدلّ إلى رغبة جدّية لديها في التوصل إلى توافق مع الفريق الآخر أو حتّى على خوض هذا الاستحقاق بالتنافس الديموقراطي إذا تعذر التوافق على مرشّح يلتقي حوله الجميع.

بعض المتعاطين مع هوكستين بدأوا يشعرون بـ"نقزة" 

في الغالب الأعم، بدأ يترسّخ اقتناع لدى الجميع بأنّ انتخاب رئيس للجمهورية ماض إلى مزيد من التأخير، وقد يمتدّ إلى مطلع سنة 2025، أي إلى ما بعد الانتخابات الأميركية وتسلّم الرئيس المنتخب مهمّاته في البيت الأبيض، اللهم إلّا إذا حصلت هدنة في غزة قريباً وانسحبت على جنوب لبنان ودفعت الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين للعودة إلى بيروت وتل أبيب، ليباشر التوسّط العملي في شأن تنفيذ القرار الدولي 1701 على جانبي الحدود في الجنوب، بالتزامن مع حراك داخلي وخارجي يشجّع على تكوين سلطة جديدة بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية ليضطلع بمهمة التفاوض في شأن تنفيذ هذا القرار خصوصاً، لأنّ هذا الأمر من صلاحياته الدستورية المباشرة.

وتشير المعلومات إلى أنّ بعض المتعاطين مع هوكستين بدأوا يشعرون بـ"نقزة" حول مصير مهمّته في ضوء تراجع حظوظ رئيسه بايدن الواقف أمام احتمالي استبدال مرشح آخر به أو سقوطه في السباق أمام ترامب.

وأكثر من ذلك، تتوقّف المصادر هؤلاء الديبلوماسية عند افتتاح حلف شمال الأطلسي (الناتو") مكتباً له في الأردن في الآونة الأخيرة، وهذا ما يعني، في رأي المصادر، أنّ ذلك سيقلّص دور السفارة الأميركية في لبنان التي أريد لها، بمنشآتها الضخمة التي كلّفت نحو مليار ونصف مليار دولار، أن تكون سفارة للمنطقة، بل قاعدة متقدّمة للولايات المتحدة على شاطئ البحر المتوسط. كذلك اعتبرت المصادر أنّ معنى افتتاح مكتب "الناتو" في الأردن هو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية استنفدت قوّتها حتّى النهاية، ولن تتمكّن من الحصول على كلّ ما أرادت في لبنان، ولذلك تركت الأمر لحلف "الناتو" لكي يتدبّره.

على أنّ مبادرة المعارضة كانت بمنزلة إعادة صياغة لمواقفها المعروفة من الاستحقاق الرئاسي، وجاءت لتعزّز الاقتناع بأنّ إنجاز هذا الاستحقاق ما زال غير متاح، وأنّ أحد أسباب هذا الأمر هو رهانات غالبية الفرقاء السياسيين على التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية الجارية وصولاً إلى الرهان على الاستحقاق الرئاسي الأميركي في الوقت الذي يقول البعض إنّ المتغيّرات الأميركية الحالية والمستقبلية، خصوصاً مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ستحكمها المصالح بعيداً عن أيّ اهتمامات أخرى، بحيث أنّه بانكفاء المظلة الأميركية ستحلّ مكانها مظلّة حلف "الناتو" لتكون بديلاً منها، وهذه ستكون من أولى مهمّات مكتب الحلف الذي افتُتِح في الأردن.