منذ انتهاء المناظرة الأولى – وقد تكون الوحيدة – بين الرئيس جو بايدن ومنافسه الجمهوري المفترض، سَلَفِه دونالد ترامب، انحرف النقاش عن الموضوع الجوهري، وهو الولايات المتحدة ومستقبلها وبرامج المرشحيْن للفترة الرئاسية المقبلة. كل الحديث في وسائل الإعلام يصبّ على سنّ بايدن والزيارات الثماني التي قام بها طبيب متخصص بمرض الباركنسون إلى البيت الأبيض في ثمانية أشهر، وعلى قدرة الرئيس – أو عدمها – على القيام بمسؤوليات الرئاسة لأربع سنوات مقبلة. أصبح الرئيس المرشح جو بايدن جوهر النقاش بدل أن يقود هو هذا النقاش على الخيارات الأساسية التي يعرضها على الأميركيين في مقابل الخيارات الأخرى التي يقدّمها منافسه الجمهوري.
قبل أشهر قليلة كان البيت الأبيض والرئيس نفسه يرفضان الخوض في أسئلة عن سنّ الرئيس وصحته. وكان بايدن يتقصد أن يهرول بضع خطوات متقدماً نحو أي منبر في أي لقاء شعبي تمهيدا للتوجه عبره إلى مناصريه. لكن الأسئلة عن صحة الرئيس أصبحت مشروعة منذ أن قرّر روبرت هور المحقق الخاص في قضية الوثائق السرية التي عثر عليها في منزل بايدن في ولاية ديلاوير أنه لن يدّعي عليه، كاشفا أن الرئيس "رجل متقدّم في السن ضعيف الذاكرة." رفض البيت الأبيض هذا الوصف وانتقده بايدن، لكنّ مظاهر تقدّم العمر وضعف الذاكرة بدأت تتكرر: خطأ في الأسماء أو التواريخ أو الوقائع، وكان لكل منها تبرير... إلى أن حلّت المناظرة الشهيرة في أواخر حزيران التي نشرت الذعر في صفوف الحزب الديمقراطي.
كيف سعت حملة بايدن الانتخابية إلى حصر الأضرار؟
التبرير الأول الذي قدّمه بايدن ومستشاروه أن تلك الليلة كانت سيئة بالنسبة إليه. وأي ثمانيني لا يتعرض لليلة سيئة؟ التبرير لم يكن تبريرا، بل تأكيد ما كان مؤكدا.
التبرير الثاني أن الرئيس كان مريضا بعض الشيء. وهذا التبرير لم يكن مقنعا.
تبرير ثالث على لسان بايدن: "لم أعد شاباً ورحلاتي الخارجية المتعددة أخيرا أتعبتني. ما كان عليّ أن أسافر بقدر ما فعلت. كنت متعبا وكدت أغفو في المناظرة." أيضاً كلام منطقي صريح لكنه غير مطَمْئن.
الخطوة الثانية كانت حشد أفراد عائلة الرئيس ومعاونيه للإفادة بأنهم في تعاملاتهم ونقاشاتهم اليومية معه لم يلمسوا أنه كان مرتبكا أو تائها أو غير ملمّ بموضوع النقاش، بل إنه يتذكر التفاصيل. لم تكن ناجحة.
اتصل بايدن هاتفيا في اليوم التالي بالبرنامج الإخباري الصباحي Morning Joe على شبكة MSNBC ليقول للمقدّمة ميكا بريجنسكي إنه باق في السباق لأنه على يقين أنه سيفوز في الانتخابات.
حملة بايدت برمجت مقابلة مع جورج ستيفانوبولوس علي شبكة ABC في الثالث من هذا الشهر إضافة إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس منفرداً أمس الخميس في ختام مؤتمر دول حلف شمال الأطلسي في واشنطن.
لم تحقّق المقابلة الهدف المنشود منها، فيما أقر ستيفانوبولوس بأنه قال لأحد من سألوه عن رأيه إنه لا يعتقد أن الرئيس بايدن قادر على الاستمرار أربع سنوات أخرى رئيسا. لكنّ بايدن استعان بالربّ القدير قائلا: أنا باق في السباق ولن أتراجع. وإذا نزل الربّ القدير عليّ وقال لي انسحب يا جوـ أنسحب. لكن الربّ القدير لن يأتي."
يقرّ الديمقراطيون علنا بأن أمام بايدن طريقا صعبا للوصول إلى الخامس من تشرين الثاني المقبل وأنه سيكون تحت المجهر من حدث في الحملة إلى حدث آخر...
في هذا الوقت كان العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ مارك ورنر، وهو رئيس لجنة الاستخبارات، يتشاور مع زملائه في مجلسي اشيوخ والنواب في إمكانية جمع عدد من الديمقراطيين في الكونغرس لدعوة الرئيس بايدن للانسحاب. وفيما التشاور مستمر، زاد عدد أعضاء مجلس النواب الذين طالبوا بايدن علنا بالاستقالة واحدا في مجلس الشيوخ وثلاثة عشر في مجلس النواب.
أما رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، وهي أكبر من بايدن بسنتين ومرشحة للانتخابات المقبلة، فدعت بايدن إلى اتخاذ قراره. وهذا ما اعتبر فتحا لباب دعوة بايدن إلى الانسحاب خصوصا أنه لا يزال يؤكد أن قراره لم يتغير وهو مستمر في الترشح.
وردا على التعبير عن الانزعاج في صفوف الديمقراطين في الكونغرس، وجّه لهم بايدن رسالة مؤكدا لهم استمراره في الترشح لأنه متأكد من "أنه الوحيد القادر على هزيمة منافسه الجمهوري." وطلب منهم في هذه الرسالة رصّ الصفوف وإنهاء حالة الرفض "لأنّ الاستمرار في دعوتي إلى الانسحاب يخدم ترامب."
حتى المانحون التقليديون للحزب الديمقراطي ومؤيدو بايدن بدأوا يغيّرون رأيهم. خسر بايدن تأييد جورج كلوني وحفيدة والت ديزني التي قالت إنها ستوقف دعمها حتى ينسحب بايدن. أما كلوني الذي استضاف حفلة جمع تبرعات لبايدن قبل المناظرة فاعترف بأن بايدن الذي شاهده في المناظرة مختلف عن بايدن الذي يعرفه.
أما المؤتمر الصحافي الذي انتظره الجميع فلم يَشفِ غليلا ولم يسكت الأصوات المنادية بانسحاب بايدن، رغم أن أداء الرئيس كان أفضل بكثير من ظهوره العلني السابق في المناظرة أو المقابلات التلفزيونية. معظم الأسئلة ركّز على علامات التقدّم في العمر بدلاً من التركيز على ما حققته قمة الحلف في واشنطن.
يقرّ الديمقراطيون علنا بأن أمام بايدن طريقا صعبا للوصول إلى الخامس من تشرين الثاني المقبل وأنه سيكون تحت المجهر من حدث في الحملة إلى حدث آخر، فيما "لا أحد ينتبه إلى الأكاذيب التي يتفوّه بها ترامب وتحويره المستمر للحقائق."
احتمال فوز ترامب وارد جدا في رأي بن رودز الذي كان مدير الاتصال الاستراتيجي وكتابة الخطابات في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس أوباما. وفيما ميول ترامب في السياسة الخارجية باتت معروفة، نصح رودز بايدن – في حال فوزه – باعتماد سياسة خارجية تنظر إلى العالم كما هو لا كما تشتهيه واشنطن أن يكون.