تناظرا بدعوة من شبكة CNN في مواجهة بلا جمهور أدارها الصحافيان جايك تابر ودانا باش. وأمامهما مناظرة أخرى في العاشر من أيلول المقبل بدعوة من شبكة ABC News . وهي المرة الأولى التي يرفض فيها مرشحان رئاسيان التناظر بدعوة من هيئة المناظرات الرئاسية منذ تأسيسها عام 1987، والمرة الأولى التي تجرى فيها المناظرة في هذا الوقت المبكر.
تناظرا، وليتهما لم يفعلاها.
بات واضحاً أن على الأميركيين أن يختاروا في الخامس من تشرين الثاني المقبل الرئيس بايدن أو الرئيس السابق ترامب لرئاسة الدولة، إلا إذا غدر العمر بأي منهما!!! وهذا الخيار لا يعجب الكثيرين خصوصاً أنّ الولايات المتحدة زاخرة بأهل العلم والثقافة والحصافة السياسية وبشخصيات برهنت أنها قًدّت من قماشة رجال الدولة وهي لا تزال في متوسط العمر.
تناظرا وكانت المناظرة مدعاة للحزن. فقد ظهر على بايدن ثقل السنين ولم يكن ترامب مهتماً إلا بتعظيم ما فعله في ولايته الرئاسية ومهاجمة بايدن وعائلته بدون أن يعطي أجوبة مباشرة عن الأسئلة التي طرحت عليه.
لم يقدّم ترامب ما يجعله يربح وأثار الريبة في ما يمكن أن يكون أداؤه في حال فوزه، لكنّ بايدن أثار الذعر في صفوف الحزب الديمقراطي من القاعدة إلى القمة...
بدا الرجلان على طرفي نقيض في السياسات الداخلية والسياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد والمال ولا مشترك بينهما إلا تأييد إسرائيل. ظهر هذا الافتراق في النظرة إلى الاقتصاد: فبايدن قال إنه ورث اقتصادا كان متهالكا فعالجه، وترامب قال إن الاقتصاد كان قوياً وأدت سياسة بايدن إلى "أسوأ تضخم." بايدن قال إنه يريد وضع حد لجشع الشركات الكبرى وفرض ضريبة أعلى عليها بعدما خفضها ترامب من 39 إلى 21 في المئة وهذا ما تسبب في ارتفاع الدين العام ارتفاعا غير مسبوق.
ظهر هذا الافتراق أيضا في قضية الإجهاض وإزالة المحكمة العليا الحماية الفدرالية لحق الإجهاض. وظهر أيضاً في موضوع الهجرة. ترامب عاد إلى نعت المهاجرين المتسللين إلى الولايات المتحدة بالمجرمين والإرهابيين، فيما قال بايدن إنه توصل مع الجمهوريين إلى حل لموضوع الهجرة غير الشرعية والحدود لكن ترامب عطّله لأسباب تتعلق بانتخابات الرئاسة.
وبان التعارض بينهما في السياسة الخارجية لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية. فترامب قال إن بوتين ما كان ليتجرأ على غزو أوكرانيا لو لم يرَ الفوضى في انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، فيما اتهم بايدن بوتين بأنه مجرم حرب. أما في الشرق الأوسط فكرر بايدن تأييده لإسرائيل قائلاَ إن الشيء الوحيد الذي حجبه عنها هو القنابل التي تزن طنا "لأنها لا تناسب التجمعات المدنية."
وافترقت الرؤيا أيضا في نقاش اقتحام الكونغرس في السادس من كانون الثاني 2021 فبايدن حمّل ترامب مسؤولية التحريض على هذا الاقتحام فيما رمى ترامب المسؤولية على رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي "لأنها رفضت نشر الحرس الوطني."
وأبرزت هذه المناظرة مرة أخرى ميلا واضحا للزعامة الأحادية لدى ترامب ورغبة عارمة في إبراز شخصه وتطويع المؤسسات الفدرالية لخدمة مصلحته. أتى مستشاروه بشعار "إحلال السلام بواسطة القوة" وهذه كلمات عاد إليها غير مرة في النقاش.
حين سئل بايدن عن قدرته على تحمل مشاق المنصب إذا فاز بولاية ثانية وهو في الثانية والثمانين قال إنه كان ثاني أصغر عضو منتخب في تاريخ مجلس الشيوخ وهو الآن أكبر المرشحين عمرا للرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة. ودعا الناخبين إلى تفحص سجل منجزاته.
أما ترامب فتباهى بأنه كان يخضع لفحوص طبية سنوية وأنه كان يسجل فيها أفضل النتائج.
في منتصف هذه المناظرة كتبت صحيفة واشنطن بوست أن اثني عشر من كتبة مقالات الرأي لديها كانوا يتابعون النقاش لكنهم قالوا إن الأمر أصبح مؤلما إذ لم يقدّم أي من المتنافسين جديدا.
كل ما فعله بايدن وترامب هو تبادل التهم. وأكدت المناظرة ما هو مؤكد: بدا الرئيس بايدن متقدما في السن، متعبا، بعض كلماته غير مكتملة وغير مفهومة، صوته متحشرج وبطيء الحركة والتفكير.
أما ما فعله ترامب فهو تكرار الثناء على نفسه وتحوير الحقائق لمصلحته بدون التعبير عن أي ندم على ما فعله.
لم يقدّم ترامب ما يجعله يربح وأثار الريبة في ما يمكن أن يكون أداؤه في حال فوزه، لكنّ بايدن أثار الذعر في صفوف الحزب الديمقراطي من القاعدة إلى القمة، خصوصاً أنه أعطى انطباعا قوياً عن ثقل العمر عليه. بعض المعلقين أشاروا إلى أن عددا لا بأس به من المسؤولين الديمقراطيين قد يفكرون في التوجه إلى البيت الأبيض والطلب إلى بايدن إعلان وقف ترشحه وإفساح المجال للمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي لاختيار مرشح جديد. فالضرر الذي وقع، في رأيهم، لا يمكن أن يعوّض.
تناظرا وليتهما لم ... رجل هرم يواجه محوّرا للحقائق. وقد يرفض ترامب المشاركة في المناظرة الثانية.
أميركا تستحق أكثر مما هو معروض عليها.