عند نشر هذه السطور، يفترض أن يكون الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قد وصل إلى تل أبيب، على أن ينتقل منها لاحقاً إلى بيروت في مهمّة جديدة كلفه إياها الرئيس جو بايدن، وهي الحؤول دون توسّع الحرب على الجبهة اللبنانية الجنوبية، وذلك في إطار المساعي التي تبذلها واشنطن في هذا الاتجاه منذ أشهر، وهي تنشط فيها بقوة هذه الأيام في ضوء تصاعد المواجهات بين حزب الله وإسرائيل على هذه الجبهة. فهل هوكستين آت لمنع الحرب وإبرام "التسوية التاريخية"؟ أم أنّه آتٍ لاستنفاد آخر الفرص قبل نشوب الحرب؟
مجرّد عودة هوكستين تعني أنّه تراجع عمّا وعد به أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري في آخر لقاء بينهما. ومفاد الوعد أنّه لن يعود إلى استئناف وساطته الحدودية بين لبنان وإسرائيل إلّا في حال التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة والجنوب اللبناني، مؤكّداً أنّه لا يمكن إبرام تسوية في ظلّ استمرار الحرب، وهذا ما يعني بالنسبة إلى لبنان عدم إيجاد حلّ لتثبيت الحدود البرية اللبنانية التي تنتهكها إسرائيل في 13 نقطة، فضلاً عن احتلالها تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. وحتّى أنّه لا يمكن إيجاد حلّ للمسألة السياسية التي تفرّعت منها عندما بدأ الحديث عن أنّ تطبيق أيّ اتفاق حدودي يفرض وجود سلطة برئاسة رئيس الجمهورية، وهذا ما يعني إنهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب هذا الرئيس ويمكن واشنطن المساعدة عليه بالتأثير أو "المونة" على القوى السياسية اللبنانية الحليفة لها.
سرّب الإعلام الإسرائيلي والأميركي خبراً عن اجتماع عسكري عقد في المنامة عاصمة البحرين
واللافت أنّه في الوقت الذي سيصل هوكستين إلى تل أبيب يكون وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد وصل إلى واشنطن "باحثاً في نقل أسلحة عاجلة إلى إسرائيل وفي احتمال نشوب حرب على الجبهة الشمالية مع لبنان"، على حد ما يروّج الإعلام الإسرائيلي حول هذه الزيارة، في الوقت الذي أعلن بايدن أنّه لا يتوقّع وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط في وقت قريب. فيما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة مجموعة السبع التي عُقدت في إيطاليا قبل أيام "أنّ فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل ستعمل ضمن إطار ثلاثي على خريطة طريق فرنسية لاحتواء التوتّرات على الحدود بين إسرائيل ولبنان".
وفي هذه الأثناء، سرّب الإعلام الإسرائيلي والأميركي خبراً عن اجتماع عسكري عقد في المنامة عاصمة البحرين، وضمّ قائد القيادة المركزية الأميركية وضباطاً رفيعي المستوى من جيوش إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والسعودية، لم تعرف الغاية منه ولم تؤكّده الدول المعنية أو تنفيه. فيما سادت مؤشّرات إلى احتمال أن تكون لهذه التطورات علاقة بما تخطّط له إسرائيل لشنّ حرب على لبنان خصوصاً أنّ اجتماعاً مشابهاً له كان عقد قبيل حرب تموز 2006. فيومذاك، كانت حجة إسرائيل لشنّ تلك الحرب، استرداد الجنديين اللذين خطفهما حزب الله ليبادل بهما أسراه لديها. أمّا اليوم فحجّتها أنّها تريد شنّ الحرب ضد حزب الله لإبعاده إلى شمال الليطاني، وتمكين سكّان المستوطنات الشمالية البالغ عددهم أكثر من 120 ألفاً من العودة إلى مستوطناتهم التي نزحوا منها منذ اليوم التالي لعملية طوفان الاقصى في 7 تشرين الأول الماضي، وحرب الإسناد التي بدأها حزب الله لوقف الحرب التدميرية الاسرائيلية على غزة.
كشفت إسرائيل عن زيارة "رسمية" قام بها إليها قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) الجنرال مايكل إريك كوريلا، غداة اجتماع المنامة حيث استضافه رئيس الأركان الجنرال هرتسي هاليفي. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنّ الجنرالين أجريا "تقييماً للوضع العملياتي، وناقشا التحديات الإقليمية في الآونة الأخيرة، وتعزيز الشراكة اإاستراتيجية... في مواجهة التهديد الإيراني ووكلاء طهران في المنطقة، فضلاً عن التطوّرات على الحدود الشمالية والحرب في غزة" .
وفي ظلّ الحديث عن أنّ إيران حذرت الولايات المتحدة الأميركية من أنّها ستتدخل في الحرب مباشرة إن شنّت اسرائيل هجوماً واسع النطاق على حزب الله، فإنّ اللافت كان المعلومات التي سرّبها الإعلام الإسرائيلي عن اجتماع المنامة، وهي أنّ "إحدى القضايا الرئيسية التي عملت عليها القيادة المركزية للجيش الأميركي والبنتاغون مع جيوش المنطقة في السنوات الأخيرة هي التعاون في مجال الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي"، وأنّ "هذا الأمر يتّخذ أهمّية خاصّة في ضوء النجاح الباهر في التصدي للهجمة الصاروخية التي نفّذتها إيران في 14 نيسان ضدّ اسرائيل، وهو الأمر الذي تمّ بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن".