لا تزال مسألة مشروع قانون الإيجارات الجديدة عالقة لدى مجلس النواب، بعدما ردّته الحكومة لإعادة درسه لما يشوبه من أخطاء تصبّ لمصلحة المالك على حساب التاجر. وبينما يتخوّف المستأجرون من إعادة إقرار هذا القانون، مطالبين بفتح باب المفاوضات بينهم وبين أصحاب الملك، للتوصّل إلى حلّ يرضي الطرفين، بحسب ما سبق أن صرّحوا به لـ"الصفا نيوز"، يبدو أنّ لأصحاب الملك رأياً آخر، خصوصاً أنّهم ضحّوا على مدى 50 عاماً بإيجارات شبه مجانية، استفاد منها المستأجرون.
"نحن منفتحون على أيّ حلّ منذ البداية"
في هذا الإطار، يوضح باتريك رزق الله، رئيس نقابة المالكين، لـ "الصفا نيوز"، أنّه "في ظلّ خلافنا مع لجان التجار، نؤكّد أنّنا منفتحون على أيّ حل منذ البداية، بعكس الطرف الآخر، أي لجان التجار. ونؤكّد أننا منذ العام 1983، تاريخ بدء انهيار العملة اللبنانية ونحن كمالكين قدامى نتقاضى بدلات شبه مجانية لأنّ الدولة لم تصدر القوانين التي تواكب معدّلات التضخم الكبرى التي شهدها لبنان. ثم جاء عام 1992 وربطت الزيادات بالحدّ الأدنى للأجور في حين كان التجار، وبينهم أصحاب محالّ تجارية كبرى ومصارف وشركات يجنون الأرباح بالملايين. وفي قانون الإيجارات الجديد جاءت الزيادة وفق معدل التضخّم على ألّا تتخطّى سقف الـ 5 في المئة، أي أنّها زيادات رمزية شكليّة. واليوم، هناك بدلات لا تخطّى حدّها الأقصى الـ200 ألف ليرة في الشهر، أي دولارين. ومنذ اندلاع الأزمة عام 2019 أصبحت الإيجارات شبه مجانية، في حين كان التجار يزيدون أسعارهم على الدوام بمعدّلات تتجاوز قيمة سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ومع ذلك لم يبادروا إلى زيادة بدل الإيجار".
وأَضاف رزق الله "لذلك رفعنا الصّوت عالياً، وخصوصاً أنّ عدد المستأجرين في الأماكن غير السكنية القديمة يبلغ 24 ألفاً في حين أن عدد المستأجرين الجدد 87 ألفاً. فلماذا يدفع 87 ألفاً بدلات جديدة ويدفع 24 ألفاً بدلات قديمة؟ لماذا هذا الامتياز لمستأجر قديم يدفع بدلات رمزية منذ 40 سنة؟ ومَن يعوّض على المالك خسائره المتراكمة؟ في السابق، كانت الدولة تمدّد العقود بحجّة الحرب، لكن بعد حقبة التسعينيات، وفي زمن السلم والبحبوحة والأرباح، لماذا لم تحرّر الإيجارات؟ هل يعقل أن يبقى عقد من دون سقف زمني للتحرير؟ وإلّا تحوّل إلى سطو واحتلال كما يحصل اليوم".
ماذا يقول مشروع قانون الإيجارات الجديدة؟
وشرح رزق الله "جاءت لجنة الإدارة والعدل فبادرت إلى اقتراح قانون جديد يمدد لهم 4 سنوات وببدل للمثل مقسطاً على أربع سنوات، أي أنهم يدفعون 25 في المئة من بدل المثل في السنة الأولى، ونحن نتحمّل الفرق. وتضمّن القانون الجديد مهلاً للمستأجرين لتسوية أوضاعهم، وبدلاً من شكر المالك على تقديماته لمدة 40 سنة، واجهونا بسوء الأمانة وإنكار الجميل، متذرعين بأنّ أموالهم صادرتها المصارف. إذاً لماذا لم تدفعوا للمالك زيادات تلقائية يوم كانت معكم الأموال؟ ولماذا لم تشتروا كما اشترى غيركم؟ الجواب واضح: الطمع برزق الغير. حتى كُشفت نياتهم: يريدون ديمومة الإيجار بحجّة المؤسسة التجارية. وهنا نسأل: كيف يرضى المستأجر الجديد بثلاث سنوات وبإقبال ممتاز بلغ العدد فيه 87 ألف مستأجر جديد؟ وديمومة المؤسسة تكون من حسابكم وفي ملككم ورزقكم لا في ملك الآخرين ورزقهم".
واعتبر أنّ "المستأجرين يسوّقون لمفهوم خاطئ عن المؤسسة التجارية، وأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ارتكب مخالفة دستورية بردّ القانون إلى مجلس النواب، خصوصاً أنّ مجلس الوزراء وافق على إقرار القانون، أي أنّه أصبح واجب النشر، وهنا لا يحق لميقاتي التخلّف عن ذلك، ونحن تقدّمنا بشكوى بهذا الخصوص أمام مجلس شورى الدولة وننتظر نتائجها. ثم دعانا رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان إلى حوار، وكنّا إيجابيين، لكن لجان التجار رفضت جميع المقترحات، من رفع سنوات التمديد وتخفيض بدل المثل، ومعالجة مسألة الخلو، واقترحوا نقطة واحدة: مضاعفة بدلات الإيجار 20 مرّة شرط الديمومة، أي احتلال المأجور. طبعا نحن رفضنا لأنّ عشرين مرة تعني أنّ بدلات إيجار دولارين في الشهر، تصبح 40 دولاراً. فهل يكفي هذا البدل؟ ثم ما معنى الديمومة التي يطالبون بها؟ الاحتلال؟ ونحن اليوم نفضّل انتظار قرار مجلس شورى الدولة".
ماذا عن الخلوّ؟
وفي مسألة الخلوّ، أوضح رزق الله أنّ "الخلو دُفع في السبعينيات والثمانينيات، وقد استوفاه المستأجر مقابل بدلات إيجار شبه مجانية وبعضهم تبادل الخلوات من مستأجر لمستأجر. وهنا نقول لهم: نعطيكم الخلو، تعطوننا تعويضاً عن البدلات منذ عام 1983؟ مع العلم أنّ عدد الذين دفعوا الخلوّ للمالك مباشرة لا يتخطّى 3 في المئة من عدد المستأجرين القدامى. فهل نستخدم حجة 3 في المئة لتوقيف قانون بأكمله؟ هم لا يريدون أيّ حوار، يريدون فقط السطو على الملك، لذلك وصفهم النائب طوني فرنجيه بالمحتلّين، وهذا رأي معظم الكتل النيابية فيهم، لأنّهم عندما يسألونهم عن حلول يأتي جوابهم: ديمومة الإيجار من دون أيّ سقف زمني للتحرير. فما دور المالك بعد ذلك؟ وأين الحقّ بالملكية الفردية؟ هذا احتيال وسوء أمانة".
وتوجّه برسالة إلى المستأجرين بالقول "إذا كنتم جادّين في حواركم قدّموا مبادرة بعدد السنوات وبدل المثل وعندئذ لكل حادث حديث، أمّا كلمة "ديمومة" فتنسف أيّ حوار اليوم وغداً وبعد غد. نريد سقفاً زمنياً مقبولاً لاستعادة أملاكنا، والقانون الجديد قدّم مهلة مقبولة هي أربع سنوات. وهنا نذكّر المستأجرين بأنّ القانون انتهى منذ نهاية حزيران 2022، وهم يستخدمون المأجور من دون مسوّغ قانوني، وباستطاعة المؤجر رفع دعوى لاسترداد المأجور. الزمن الذي يبيع فيه المستأجر بالدولار ويدفع للمالك بدلات شبه مجانية وبالعملة الوطنية انتهى! ولن نهدأ قبل استرداد ملكنا، اليوم أو بعد غد. نحن مالكون أبناء مالكين ولا دخل لنا بالشركات العقارية. وإذا كان هناك من لوبي فهو اللوبي التجاري الذي ضغط على ميقاتي واليوم يضغط لجني الأرباح على حساب المالكين، فكفى احتيالٌ وسوء أمانة".
بكلمتين، تحتاج مسألة الإيجارات الجديدة إلى المزيد من التعمّق والبحث بين لجان التجار والمالكين، وعلى الدولة تحمّل مسؤولية تقصيرها طوال هذه السنوات، لأنها المسؤولة الأولى عن الخلاف الحادّ الحاصل بين الجهتين، فلو تحمّل المعنيون واجباتهم اتجاه إقرار قوانين عادلة تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، لما انفجر الخلاف على هذا الشكل بين المالك والمستأجر.