في العاشر من كانون الثاني 2025، تم إدراج محمية أرز الشوف مجددًا في "القائمة الخضراء" التابعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، مما يعكس التزام لبنان العميق بالحفاظ على بيئته الطبيعية المتنوعة. هذه المحمية ليست مجرد محمية طبيعية بل تمثل رمزًا للاستدامة البيئية في لبنان والعالم العربي، إذ تـُعتبر أول محمية في العالم العربي تُعاد إدراجها في هذه القائمة بعد مرور خمس سنوات على دخولها إليها. وعلى غرار هذه الإنجازات البيئية، كان الإعلان عن إدراج دير الزيارة – **مركز فيلوكاليا التربوي (عينطورة – كسروان) على خارطة السياحة الدينية أحد الإنجازات السياحية الكبرى في لبنان، مما يساهم في تعزيز صورة لبنان كوجهة سياحية دينية وثقافية هامة.
محمية أرز الشوف: نموذج للتميز البيئي
تعتبر محمية أرز الشوف واحدة من أكبر المحميات في لبنان، حيث تمتد على حوالي 550 كيلومترًا مربعًا، وهي تضم ثلاث غابات أرز رئيسية: معاصر الشوف، الباروك، وعين زحلتا- بمهرين. وقد تم إدراجها في "القائمة الخضراء" من قبل الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وهو تصنيف مرموق يعكس نجاح برامج المحميات البيئية في لبنان. في حديثه مع “الصفا نيوز"، أكد مدير المحمية نزار هاني أن إعادة إدراج المحمية في القائمة الخضراء يعكس الجهود المستمرة للحفاظ على البيئة المحلية ويعزز من مكانتها كأحد أبرز المواقع البيئية في العالم.
تمثل محمية أرز الشوف نموذجًا حيًا في كيفية دمج الجهود البيئية مع التنمية السياحية المستدامة. ففي كل عام، تستقطب المحمية الآلاف من الزوار من مختلف أنحاء العالم الذين يأتون للاستمتاع بجمال الطبيعة والأنشطة البيئية المتنوعة مثل التنزه على الثلج والمشاركة في المهرجانات البيئية. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها لبنان في السنوات الأخيرة، ما زالت المحمية تحتفظ بجاذبيتها السياحية، إذ بلغ عدد زوارها في عام 2024 حوالي 83,000 شخص، وهو رقم يشير إلى تعافي السياحة البيئية في لبنان بعد جائحة كورونا.
من خلال اعتماد نهج علمي ومنظم، تواصل محمية أرز الشوف العمل على حماية التنوع البيولوجي الفريد للمنطقة. فهي تضم حوالي 520 نوعًا من النباتات، منها 14 نوعًا نادرًا، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الحيوانات والزواحف. كما تعمل المحمية على تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية في المناطق المحيطة بها من خلال تنظيم مهرجانات محلية تشمل أسواق المزارعين والنشاطات البيئية، مما يعزز من دعم الاقتصاد المحلي ويساهم في نشر الوعي البيئي.
دير الزيارة: وجهة دينية ثقافية في قلب لبنان
على صعيد آخر، يبرز دير الزيارة في عينطورة – كسروان كأحد الوجهات السياحية الدينية الهامة في لبنان بعد إدراجه رسميًا على خارطة السياحة الدينية. هذا القرار الذي اتخذته وزارة السياحة في لبنان يفتح أمام الدير آفاقًا جديدة ليكون مركزًا دينيًا وثقافيًا يعكس تاريخ لبنان الروحي العريق. دير الزيارة، الذي أسس عام 1744، لا يُعتبر فقط مركزًا دينيًا بل أيضًا وجهة ثقافية وفنية تسهم في إبراز التراث اللبناني في مجال الفن والروحانيات.
في احتفال رسمي أقيم في 7 كانون الثاني 2025، بحضور وزير السياحة المهندس وليد نصار، تم إعلان إدراج دير الزيارة على خارطة السياحة الدينية في لبنان. هذا الحدث كان بمثابة اعتراف دولي بأهمية الدير في الحفاظ على التراث الديني والثقافي اللبناني. وشمل الاحتفال عرضًا وثائقيًا شاملاً عن تاريخ الدير، بالإضافة إلى عروض فنية وروحية تخللتها كلمات من قيادات روحية وثقافية أكدت على مكانة الدير التاريخية.
تأتي هذه الخطوة لتؤكد على الدور الكبير الذي تلعبه السياحة الدينية في دعم القطاع السياحي في لبنان. فقد أصبح دير الزيارة وجهة مرموقة للحجاج والزوار الذين يتطلعون للاستفادة من التجربة الروحية والثقافية التي يقدمها الدير. كما أن التفاعل بين الأنشطة الروحية والفنية في الدير يعزز من مكانته كمنارة روحية في لبنان.
السياحة البيئية والدينية: ركيزتان للسياحة في لبنان
تعتبر محمية أرز الشوف ودير الزيارة مثالين حيّين على كيفية تحويل لبنان إلى وجهة سياحية متعددة الأبعاد. من خلال تعزيز السياحة البيئية، يُسهم لبنان في إبراز جمالياته الطبيعية الفريدة، في حين أن السياحة الدينية تسهم في تعزيز العلاقات الثقافية والروحية بين مختلف الأديان والطوائف. تعمل السياحة البيئية في محمية أرز الشوف على جذب محبي الطبيعة والباحثين عن الراحة في أحضان الطبيعة، بينما توفر السياحة الدينية في دير الزيارة تجربة روحانية عميقة، مما يجعلها وجهة رئيسية للزوار الذين يسعون للاحتكاك بالقيم الدينية والفنية.
إن الإدراج المتكرر للمواقع اللبنانية في قوائم السياحة العالمية يُظهر قدرة لبنان على التكيف مع تحديات العصر الحديث، ويعزز من سمعة البلاد كوجهة سياحية بيئية ودينية في منطقة الشرق الأوسط.
الأثر الاقتصادي للسياحة البيئية والدينية
تعد السياحة البيئية والدينية من الركائز الاقتصادية الهامة في لبنان، حيث تساهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإيرادات السياحية وتوفير فرص العمل. ومن خلال دعم هذه الأنماط السياحية، يمكن للبنان أن يحقق تنمية مستدامة تكون في صالح المجتمع المحلي وتحافظ على التراث الثقافي والبيئي. تعمل السياحة في محمية أرز الشوف على دعم الاقتصاد المحلي من خلال تنشيط الأنشطة التجارية في القرى المحيطة بالمحمية، بينما يسهم الدير في جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز من مكانة لبنان كوجهة سياحية ثقافية ودينية رائدة.
في الختام، إن إدراج محمية أرز الشوف ودير الزيارة على خارطة السياحة البيئية والدينية في لبنان يُعتبر إنجازًا كبيرًا للقطاع السياحي في لبنان. يساهم هذان الإنجازان في تسليط الضوء على الإمكانيات السياحية التي يزخر بها لبنان، ويعززان من مكانته كوجهة سياحية عالمية. إن دمج السياحة البيئية بالدينية في لبنان يفتح الباب أمام آفاق جديدة للزوار الباحثين عن تجربة متنوعة تجمع بين الجمال الطبيعي والروحانيات الدينية، مما يجعل لبنان أحد أفضل الوجهات السياحية في الشرق الأوسط والعالم.
** فيلوكاليا" كلمة يونانية تعني "محبة الصلاح" أو "محبة الخير" أو "محبة الجمال". وهي عبارة عن مجموعة من كتابات آباء الكنيسة الأولى، الذين بلغوا درجات عالية في الروحيات.