تستبعد أوساط مطّلعة على الموقف الأميركي انتخاب رئيس لبنان قريباً، لكنّ تحرّك السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون يوحي عكس ذلك، ويؤكّد أنّ واشنطن تستعجل إنجاز هذه الخطوة، اللهم إلّا إذا كان غايتها تجنّب أن يتّهمها البعض بتعطيلها إذا طال أمد الفراغ الرئاسي. علماً أنّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين أبلغ إلى مجموعة من النوّاب اللبنانيين التقته في واشنطن أخيراً "أنّ الملف الرئاسي متروك للبنانيين، ولا تظنّوا أنّنا سنأتي لنقول انتخبوا هذا أو ذاك".
كذلك تستبعد الأوساط نفسها إقدام العواصم المهتمّة بالشأن اللبناني على تنفيذ ما لوحت به من العقوبات في حقّ من تعتبرهم معرقلين للحلّ اللبناني، إلى درجة أنّ هذه الأوساط تقول إنّ بعض الفرقاء اللبنانيين الذين كانوا مؤيّدين بشدّة لهذه العقوبات باتوا يعارضونها بشدّة، من دون أن يقدّموا أيّ تبريرات لهذا التبدّل في موقفهم.
لذلك تتوقع هذه الأوساط أن تشهد المرحلة حرب استنزاف سياسية داخلية في موازاة الحرب الدائرة على الجبهة الجنوبية التي تتعرض فيها إسرائيل لاستنزاف كبير على يد حزب الله نتيجة رفضها وقف إطلاق النار في غزّة.
حرب استنزاف سياسية داخلية في موازاة الحرب الدائرة على الجبهة الجنوبية
وتسأل الأوساط عما سيكون عليه موقف حزب الله في حال سقوط رفح في قبضة الإسرائيليين، في الوقت الذي بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن يفقد قدرته في الضغط على إسرائيل، إذ يتبيّن أنّه لم يبقَ لديه أيّ خيار إلّا الوقوف إلى جانب بنيامين نتنياهو نتيجة خسارته تأييد الصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية، إذ لا يفيده تأييد مئات الألوف من الأصوات العربية ـ الأميركية إذا خسر أصوات ستمئة ألف يهودي في ولاية نيوجرسي ومليون ونصف مليون صوت يهودي في ولاية نيويورك، الذين لا يؤيّديونه ولا يؤيّدون حركة "حماس" في الأساس، ناهيك بما حصل في مجلس النواب الأميركي من "فيتو" على قرار بايدن بوقف تقديم الأسلحة إلى إسرائيل، فهناك أكثرية يهودية موالية لإسرائيل، وهناك كتلة يهودية أكبر بكثير من الكتلة العربية الإسلامية في الولايات المتحدة الأميركية.
إذا عاد ترامب
لذلك تقول الأوساط المطلعة على الموقف الأميركي إنّه لن يكون هناك رئيس للبنان إلّا بعد الانتخابات الأميركية، وتشير إلى أنّ الحسابات الآن باتت مختلفة. وتضيف أنّ هناك ما يجمع كلّ الأطراف فإذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض فستعاد صياغة العلاقات الروسية ـ الأميركية لمصلحة النظام السوري، وهناك أجواء أميركية تشير إلى وجوب إعادة تأهيل هذا النظام، وما حصل في قمة البحرين من حيث الحفاوة بالرئيس السوري بشار الأسد مع أنّه لم يلق خطاباً في القمة، فإذا عادت العلاقات السورية ـ الأميركية فمن المؤكد أنّ ذلك سيفترض انتخاب رئيس للبنان يرضي سوريا، وهذا الأمر بدأ يثير حساسية وقلقاً لدى بعض الفرقاء اللبنانيين إلى درجة بدأ معها الجميع يتحسسون احتمالات عودة النفوذ السوري إلى لبنان، بدليل أنّه في الجلسة النيابية الأخيرة الخاصة بالنازحين السوريين لم يسمع أيّ كلام إيجابي عن النازحين. وفي تقدير هذه الأوساط أنّ خيارات سوريا إزاء الاستحقاق الرئاسي اللبناني قد تكون هذه المرّة على عكس خيارات الآخرين من حلفاء وغير حلفاء. وتقول إنّ التفاهم الروسي ـ الأميركي الذي يتوقع حصوله في حال فوز ترامب سيكون من ضمنه حصول مصالحة بين النظام السوري والأكراد من شأنها أن تدعم النظام في استعادة سيطرته على كلّ الأراضي السورية. لذلك، وإلى حين حصول ذلك التفاهم الموعود، فإنّ الهاجس الذي يجمع كثيرين في لبنان هو عودة الروح إلى النفوذ السوري فيه يعزّزه سؤال هو: ماذا لو انخفضت درجة حرارة التواصل القائم بين إدارة بايدن وإيران؟".