تتقلّص المساعدات المادية والعينية الدولية للنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بالتزامن مع اشتداد وطأة الانهيار الاقتصادي الداخلي وارتفاع معدّلات الفقر. في المقابل ما زالت طرق العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى بلدهم مزروعة بالمطبّات السياسية والاقتصادية والإنسانية، بحسب معايير المؤسسات الدولية. ولا يبدو ممّا يخرج من مقرّرات في "مؤتمر بروكسل السنوي" للمانحين، أنّ العودة ستكون قريبة. "مغامرة" محسوبة أم غير محسوبة تحاك خارج الإرادة الوطنية، مختصرها تجمّع المجتمعات المتناقضة في بوتقة الفقر الواحد، الذي لا يؤدّي، بحسب الحكم الشعبية، إلّا إلى : "النقار"، فهل هذا هو المطلوب؟
تقليص المساعدات
في كانون الأول من العام 2023 خفّضت المفوضيّة السامية للاجئين UNHCR المساعدات للنازحين السوريين، مُقصيةً 88600 عائلة سورية من أصل حوالى 280 ألفاً تستفيد من برامج المساعدات النقدية الشهرية.
كذلك خفّض برنامج الغذاء العالمي WFP المساعدات المالية المقدّمة للبنانيين، والنازحين السوريين، إذ تراجع عدد الأُسر اللبنانية المستفيدة من الحصّة الغذائية الشهرية من 277 ألف أسرة إلى 156 ألفاً. كما تراجع، حالياً، عدد الأفراد السوريين المستفيدين من التقديمات المادية من مليون إلى نحو 881 ألفاً.
في موازاة ذلك، علّقت دول مانحة كبيرة تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، مهدّدة بـ "توقّف عملياتها ابتداء من آذار"، بحسب تصريح مديرة شؤون الأونروا في لبنان دوروثي كلاوس. وهذا سيؤثّر سلباً في 250,000 لاجئ مقيم يعتمدون إلى حدّ كبير على خدمات الوكالة. إذ لن يتمكّن نحو 38 ألف طفل في الصفوف من الأول إلى الثاني من مواصلة تعليمهم. ولم يحصل 200 ألف لاجئ على الخدمات الصحّية والاستشفائية. وتالياً سترتفع نفقات الدولة اللبنانية. خصوصاً أنّ الاونروا تساهم بما بين 50 و60 في المئة في بعض الأحيان في نفقات علاج اللاجئين الفلسطينيين لدى المستشفيات الخاصّة. هذا "ومكّنت المساعدة النقدية التي تقدّمها الأونروا إلى 65 في المئة من لاجئي فلسطين، من خفض الفقر إلى 80 في المئة حالياً"، بحسب تصريح كلاوس.
الفقر يتمدّد
تراجعُ التمويل للنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين يأتي في ظلّ ارتفاع معدّلات الفقر بنسب كبيرة في صفوف اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. إذ توقّع تحليل "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي – IPC"، أن يواجه مليون و140 ألف مقيم في لبنان يمثّلون 21 في المئة من السكان، مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في الفترة الممتدّة من مطلع الشهر الجاري إلى نهاية أيلول المقبل. ومن المتوقّع أن يواجه 64 ألف شخص (1 في المئة من السكان) انعدام الأمن الغذائي الشديد، وأن يكون هناك مليون و8000 شخص (19 في المئة) في مرحلة الأزمة. وعلى وجه التحديد هناك نحو 582 ألف لبناني (15 في المئة من مجموع اللبنانيين)، و49 ألف لاجئ فلسطيني (27 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان). و12100 لاجئ فلسطيني من سوريا (40 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا)، صُنّفوا في مرحلة الأزمة (المرحلة الثالثة).
وقفُ التمويل بشكل حاد عن النازحين واللاجئين وتخفيضه يترافقان مع تخفيض التمويل المخصّص لبرنامج الاستجابة لأكثر الأُسر فقراً الذي تديره وزارة الشؤون الاجتماعية. إذاً، تراجع التمويل من 147 مليون دولار أميركي إلى 33.3 مليون دولار في العام 2024. مع العلم انّ برنامج "أمان" المموّل بقرض من البنك الدولي، الذي يفترض أن تستفيد منه 250 ألف أسرة لبنانية (مؤلفة من 5 أشخاص) بمعدل 145 دولاراً في الشهر، لا يزال متوقفاً منذ أشهر. وذلك بسبب استنفاد القرض الأول ومقداره 246 مليون دولار، وتعليق البنك الدولي القرض الثاني ومقداره 300 مليون دولار بسبب ورود جملة في القانون الذي أقرّه البرلمان تترك آلياته التنفيذية لمجلس الوزراء.
مخاطر النزوح
إزاء هذا الواقع "تتعدّد المخاطر التي يشكّلها النزوح السوري على الأراضي اللبنانية، وتُضاف إلى سلسلة مشكلات موجودة أصلاً"، يقول وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار في ورقة: "اقتراح لمعالجة أزمة النزوح السوري في لبنان وتداعياته"، المقدّمة إلى مجلس الوزراء. "فبين المخاوف على أمن لبنان واستقراره وهويته من جهة، والمخاوف على الأمن الانساني والبيئي والاقتصادي والصحي والغذائي والاجتماعي من جهة أخرى، نجد أنفسنا ملزمين بالمسؤولية تجاه شعبنا لإيجاد الحلول". وما يرفع من منسوب القلق، بحسب حجار، هو ربط المجتمع الدولي مسارات الاستجابة للبنانيين والسوريين، على أساس أنّه يؤمّن دعماً مالياً إضافياً. إلاّ أنّ حقيقة الربط ليست سوى تنصّل المجتمع الدولي من مسؤولياته والتزاماته وجعل لبنان يختار أحد الشرّين: إمّا مواجهة حدوث انفجار اجتماعي، وإمّا تحمّل وزر النزوح السوري.
خطوات الحل
وعليه، اقترح حجار سلسلة خطوات مدخلاً لحلّ مقبول لأزمة النزوح، منها:
إجراء مسح شامل لكلّ السوريين في لبنان وتحديد من تنطبق عليه صفة النزوح من عدمها.
ضمان موافقة التمويل المخصص لمعالجة أوضاع النازحين الفعليين نسبةً إلى أعدادهم وحاجاتهم.
تُطبّق على السوريين غير النازحين القوانين اللبنانية المرعية الإجراء من دون ربطهم بالمفوضية، ومن دون تمتعهم بأيّ من حقوق النازحين.
إطلاق التنفيذ لأحد المسارين: إمّا إعادة التوطين في بلد ثالث عبر التفاوض وضمن الآلية التي تعتمدها المفوضية، وإمّا بإعادتهم إلى وطنهم النهائي بعد التنسيق مع الحكومة السورية.
المؤسسات الدولية تعاني نقصاً في التمويل
في إطار متصل، قالت الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان دلال حرب لـ"الصفا نيوز" إنّ "الأمم المتحدة، ومعها المفوضية، تواجهان تحديات تمويلية كبيرة. ونتيجة لذلك، تضطرّ كلّ من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي في العام الجاري إلى تقديم مساعدات نقدية وغذائية لـ88 ألف عائلة لاجئة، هي أقلّ من المساعدات التي قدمتها في العام 2023، وهذا يعكس انخفاضاً بنسبة 32 في المئة في عدد العائلات المستفيدة. كما ستتوقف مساعدات أخرى اعتباراً من شهر أيار المطل". (ستُشطب 35 ألف أسرة سورية إضافية من برامج القسائم الغذائية، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية). وأضافت حرب أنّه على الرغم من استمرار التحديات التي نواجهها، نواصل، كمفوضية، صبّ جهودنا الحثيثة على مناصرة المجتمع الدولي ومناداته لضمان استمرار دعمه للبنان والوقوف إلى جانب أكثر الفئات ضعفاً، لا سيّما في مثل هذه المرحلة الحرجة.
صحيح أنّ المساعدات المالية والعينية لم تكن حلّاً ناجعاً في يوم من الأيام، إلّا أنّ تخفيضها قبل تحقيق لبنان إصلاحاً واحداً، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وفي ظلّ استفحال الفقر يهدد بانفجار اجتماعي، لن يكون أحدٌ بمنأى عنه.