ليس سرّاً أن السياحة "أصيبت بمقتل"، عقب اندلاع الحرب على غزة وجنوب لبنان. فالترددات وقعت كـ "الساطور"، على مختلف القطاعات السياحية، بحسب توصيف نقيب أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري طوني الرامي. فدخل لبنان في "الحرب واقتصاد الحرب". ولم يبقَ بالإمكان وضع تصوّر لما يمكن أن يؤول إليه الوضع السياحي. ولا سيما موسم صيف 2024.
ممّا لا شكّ فيه أنّ جزءاً من الحقّ في التدهور الدراماتيكي السياحي، على الحرب، إنّما ليس كلّ الحقّ. فإهمال تطوير البنى التحتية الأساسية والضرورية، والتراخي في اعتماد المعايير العلمية والعملية عند إنشاء المشاريع السياحية، وعدم تنويع الأنماط السياحية، والاعتماد المكثّف على المغتربين، ومجافاة دول عربية لأسباب سياسية، والابتعاد عن المعارض العالمية، والعجز عن الاستفادة من الثروات الطبيعية، وضرب النظام المصرفي... هذه العوامل مجتمعة جعلت من القطاع السياحي هشّاً، يمكن كسره بسهولة مع حدوث أيّ متغيّر خارجي. ففقدت المؤسسات المرتبطة بالسياحة مرونتها. قلّة منها تستطيع الصمود نسبياً، والأكثرية تقفل بعد أشهر قليلة على إنشائها.
المطاعم تقفل بالآلاف
مقابل تقلّص أعداد السيّاح عاماً بعد آخر، وتراجع إنفاقهم، تزداد أعداد المستثمرين في قطاع المطاعم والملاهي والمقاهي. ففي الوقت الذي تُظهر فيه بيانات وزارة السياحة تراجع أعداد السيّاح في الأشهر العشرة الأولى من الأعوام 2021 و2022 و2023 إلى حوالى 735 ألف، 1.2 مليون، و1.5 مليون سائح على التوالي، مقارنة بـ 1،7 مليون في العام 2019، يتبيّن أنّ لبنان شهد فورة في افتتاح المطاعم. إلّا أنّه "من كلّ 10 مؤسسات جديدة تُنشأ، تُقفل 7"، بحسب الرامي. "وهذا يعود بشكل أساسي إلى قلّة الخبرة المترافقة مع ارتفاع التكاليف التشغيلية". وبشكل عام شهدت السنوات الأخيرة "إقفال حوالى 4000 مؤسسة مطعمية من أصل 8500، وبنسبة ناهزت 50 في المئة"، يقول الرامي. ومن المؤسسات المتبقية، "هناك نحو 100 فقط من العلامات التجارية تُعتبر الأكثر طلباً ورواجاً، وتعمل بشكل مستمرّ".
الاستثمار في الفنادق إلى تراجع
على ضفّة الفنادق والشقق المفروشة وبيوت الضيافة، لا يبدو الوضع أفضل حالاً. فنسبة الإشغال تراوح بين 10 و15 في المئة. والفنادق الكبيرة تعمل بربع طاقتها الانتاجية توفيراً للكهرباء والمياه وأجور اليد العاملة. وهي، كمعظم المؤسسات، فقدت "قرشها الأبيض" في الانهيار المصرفي، وافتقدت الاستثمارات الأجنبية، وتخشى خروج المتبقّي منها بفعل الخضّات الأمنية والضرائب التي جرى رفعها في موازنة 2024 بنسب ومعدّلات لا تتوافق مع مرحلة الانكماش والجمود التي تمرّ بها البلد.
إيجار السيارات متوقف
في موازاة ذلك، يشهد قطاع تأجير السيارات تراجعاً كبيراً. فمن أصل 13 ألف سيارة ذات نمرة خضراء، هناك ما بين 800 وألف سيارة مستأجرة، وبشكل خاص من قبل الجمعيات غير الحكومية المحلّيّة والأجنبية. وبحسب نائب رئيس شركات تأجير السيارات الخاصة في لبنان جيرار زوين، فإنّ القطاع يواجه مجموعة مشكلات بنيوية كانت قائمة قبل اندلاع الحرب وستبقى بعد انتهائه. ومن أبرز هذه المشكلات:
- فقدان الوصول إلى التمويل من أجل تحديث السيارات، كما يتطلّب القانون.
- المنافسة غير الشرعية من الأفراد الذين لا يملكون شركات مرخصة.
- زيادة الضرائب والرسوم على السيارات المستوردة واحتسابها على سعر صرف السوق.
- إقفال الإدارات العامة والمصالح المعنية بالقطاع مثل مراكز المعاينة ومصلحة تسجيل السيارات.
- تحميل الشركات غرامات السير بعد سنوات طويلة من ارتكاب المستأجرين للمخالفة، ووضعها في "النشرة" البوليسية.
- العودة إلى فرض رسوم جمركية على سيارات "الهايبرد".
- طلب براءة ذمة مالية من الضمان عند تسجيل السيارات. وارتفاع الحدّ الأدنى للأجور الذي تحتسب على أساسه التعويضات للمضمونين في الشركات.
إزاء هذا الواقع، تراجع عدد شركات تأجير السيارات من 340 شركة قبل العام 2011 إلى 120، اليوم. ومن مجمل العدد المتبقّي هناك حوالى 50 شركة تعمل بشكل قانوني وتسدد جميع متوجّباتها.
الدولة مسؤولة
يبدو واضحاً أنّ جزءاً غير قليل من المسؤولية عن تراجع القطاع السياحي ناتج من "تقصير الدولة وبعض القطاع الخاص"، يقول الخبير في السياحة المسؤولة باسكال عبدالله. "ولكن هذا لا يعني التسليم بالأمر الواقع المرّ". فلبنان "بلد جميل ولديه مقومات سياحية كبيرة"، برأي عبدالله، "ويجب على أبنائه الاستفادة من غناه الطبيعي والحضاري والثقافي، لانتشاله من كبوته حتّى في ظلّ كلّ الصعوبات التي يواجهها". وبإمكان القيّمين على القطاع السياحي الاستفادة من الشعار الذي سترفعه منظمة السياحة العالمية مع الأمم المتحدة في اليوم العالمي للسياحة في 27 أيلول المقبل: "السياحة والسلام"، ليقولوا للعالم "نحن صامدون وبانتظاركم". وذلك من دون أن يشكّل الترويج للسياحة الربيعية والصيفية أيّ استياء أو انتقاص من واقع أهل الجنوب الصعب والأليم. إذ إنّ تنشيط السياحة يساعد البلد على الصمود، ويرفده بالعملة الصعبة ويقوي موقفه في المحافل الدولية. هذا عدا كونه رسالة قوية ترمز إلى الحياة والإصرار على الاستمرار برغم جميع الصعاب. فالسياحة في نهاية المطاف هي "فعل محبة وتقارب ومدعاة للسلام"، بحسب عبدالله.
حلّ أزمة السياحة
هذا الطرح النظري الجميل يحتاج إلى خطوات عملية وتطبيقية. ولهذه الغاية أعدّت جمعية "اتحاد مؤسسات السياحة المسؤولة والبيئية في لبنان" Union of Sustainable and Ecotourism Institutions in Lebanon - USEIL
ورقة إدارة أزمة القطاع السياحي. تلحظ الورقة آفاق إعادة تقويم الوضع السياحي أو ما يعني tourism recovery plan وتضع تصوراً يشمل كلّ المستويات المتصلة بقطاع السياحة، بدءاً برأس الهرم، أي الدولة اللبنانية الممثلة بوزارة السياحة والمجلس الوطني للسياحة، وغرف السياحة DMO’S - destination management organisation المنشأة حديثاً في سبعة أقضية وتعنى بجمع القطاعات السياحية ووضع خطط تنظيمية وتبادل الخبرات والبحث في المشكلات والعقبات، مروراً بالجمعيات التي تعنى بالتنمية السياحية والبيئية، وصولاً بشكل عمودي إلى السائح الذي هو العنصر الأساسي والأهم في هذه الدورة. إذ لا سياحة من دون سياح. وعليه حدّدت الورقة على كلّ مستوى من هذه المستويات الدور الذي يجب أن تقوم به انطلاقاً من أمرين أساسيين:
- كيفية معالجة الأزمة السياحية وما هي الحلول الممكن اتخاذها.
- ما هو الفعل الذي يمكن اتخاذه على كلّ مستوى من هذه المستويات لإنقاذ السياحة.
دور غرف السياحة
إضافة إلى كلّ ما تقدّم، يقع على عاتق غرف السياحة في المناطق DMO’S مسؤولية جمع المؤسسات السياحية على مختلف أنواعها من فنادق، وبيوت ضيافة، ومطاعم، ومقاهٍ، ومنظمي رحلات ونشاطات ومغامرات، وحرفيين، ومتاحف ومصنّعي المنتجات الغذائية والمشروبات التقليدية من أجل اطلاق موسم الربيع والصيف لهذا العام. مع ما يمكن أن يرافق هذه الأنشطة من حملات ترويجية وعروض تعيد الحياة إلى المناطق وتسهم في دعم الاقتصاد وتطويره.
على الرغم من أهمّية الخطط والعمل التنظيمي المحترف، فإنّ أهم من كلّ هذا يبقى "ضرورة عدم الاستسلام والنضال من أجل المحافظة على صورة لبنان الآمنة والجميلة"، برأي عبدالله. "وعي اللبنانيين من مواطنين وقيمين على المؤسسات السياحية أنّ السياحة ليست استجماماً وترفيهاً وتسلية فحسب، إنّما هي أيضاً مصدر دعم أساسي للاقتصاد وعنصر مهم في تثبيت المواطنين في قراهم وبيئتهم الحاضنة، ومساهمة أساسية في الدورة الاقتصادية القصيرة".