"ما كلَّ ولا ملَّ" العدو الإسرائيلي على مدى نحو 5 أشهر، من كيل التهديدات إلى لبنان، وآخرها تلك التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، متوعّداً لبنان "بحراك عسكري لأنّ وقت المساعي الديبلوماسية بدأ ينفد". ومن يصدّق وعيد الأخير الذي ينتظر هو وكيانه كلّه ردّاً من حركة حماس التي لا تقارن قدرتها العسكرية بقدرة حزب الله، على هدنة لا تزال قيد نقاش الأنفاق وعواصم القرار، وهي نفسها استدعت زيارة خامسة لوزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة منذ أحداث 7 تشرين الأول الفائت، وهو بدأها من الرياض ويستكملها في كلّ من مصر وقطر وإسرائيل بحثاً عما ينتشل الأخيرة من صفر إنجازها العسكري في غزّة.
وفي إطار الحراك الديبلوماسي المكثّف الذي يشهده لبنان والمنطقة، يحطّ وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، اليوم، في بيروت بعد زيارته تل أبيب التي تستقبل في الوقت نفسه الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين.
ولأنّ الجواب كان قد حفظه عن ظهر قلب، فمن المرجح ألّا يتوجه هوكستين إلى لبنان، لأنّ ما سمعه خلال زياراته السابقة وعقب لقاء الوفد البرلماني اللبناني الذي زار واشنطن أخيراً، كافٍ لجهة عدم ممانعة لبنان بل مناشدة المعنيين تطبيق القرار الدولي 1701 ورميه للكرة في ملعب العدو الإسرائيلي.
هوكستين لن يمرّ بلبنان
ولأنّ كلّ ما تقدّم يضع الملفّ اللبناني على رفّ التسوية الإقليمية الكبرى، تبقى المرحلة الحالية لتمرير الوقت بدل الضائع، لإدراك المعنيين أنفسهم أنّ حلّ لبنان الرئاسي يبدأ بانتهاء حرب غزّة، وقد لا ينتهي بمجريات الأحداث العسكرية الحاصلة في البحر الأحمر، وإلّا فما الذي كان يمنع انتخاب رئيس للجمهورية على مدى أكثر من سنة خلت قبل أحداث الـ7 من تشرين الأول الفائت؟
واستبق عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله زيارة سيجورنيه إلى لبنان بكلمة جاء فيها: "نقول لهؤلاء الموفدين، إنّ كلّ الشروط ستكون للمقاومة في غزّة وفي لبنان، والعدو ليس في موقع أن يفرض الشروط، وقد بدأوا في التراجع، وسيتراجعون، وقد قلناها لهم في السرّ وفي العلن، لا كلام ولا نقاش قبل أن تتوقّف الحرب"، مضيفاً: "لن نسمح للعدو أن يحقّق أيّ مكسب بالسياسة بعدما أعجزته دماء الشهداء عن تحقيق أيّ مكسب في الحرب، فشروط لبنان المقاوم القوي هي التي ستفرض في نهاية هذه الحرب".
جعجع: برّي نسف الحوار
من جهته، أكَّد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في حديث متلفز، "أنّنا مع الحوار في كلّ لحظة ولكن لا نتيجة له، لأنّ الثنائي متمسك برئيس تيار المردة سليمان فرنجية". وقال: "إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري نسف طرح سفراء اللجنة الخماسية بخيار رئاسي ثالث والدعوة إلى جلسة انتخاب، وهم يئسوا بعد ما سمعوه".
ألمانيا تتحرّك نحو لبنان
تدخل ألمانيا على خط ما يجري بحراكيْن لافتيْن، الأول يشمل المنطقة عموماً عبر حضّ الجانب الإسرائيلي على سلوك درب "حلّ الدولتين"، والثاني يخصّ لبنان قضائياً. فبعد زيارة وفد استخباري ألماني الضاحية قبل نحو 10 أيام، قال المستشار الألماني أولاف شولتس في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنّ حل الدولتين هو السبيل الوحيد لسلام دائم في الشرق الأوسط".
توازياً، أعرب القضاء الألماني عن استعداده لتقديم المساعدة القضائية للبنان، وتزويده كلّ المستندات والأدلّة التي تفعّل الإجراءات اللبنانية، لاستكمال التحقيقات في ملفّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة.
وكشف مصدر قضائي لبناني أنّ "النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات التقى، في مكتبه في قصر العدل، وفداً ألمانياً يترأسه ضابط كبير نقل إليه استعداد القضاء الألماني للتعاون مع لبنان إذا أراد أن يرفع دعوى على سلامة ومقرّبين منه في ألمانيا، وذلك بناء على التقدّم الذي تحقّق على صعيد التحقيقات الألمانية، وأن يكون القضاء اللبناني شريكاً في هذا الملف".
وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أنّ "القاضي عويدات أحال الاقتراح الألماني على رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، لاتخاذ المقتضى القانوني، لكون هيئة القضايا هي المرجع الذي يمثّل الدولة اللبنانية والمخوّلة الادّعاء باسمها"، وتبقى العبرة والأمل في تلقّف القضاء اللبناني هذه المبادرة واستكمال التحقيقات.