تنصّ المادّة 22 من اتفاقيّة جنيف على أنّه لا يجوز اعتقال أسرى الحرب إلّا في مبان مقامة فوق الأرض تتوفّر فيها كلّ ضمانات الصحّة والسلامة
انتهت "الهدنة الإنسانية" أو اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النّار بين إسرائيل وحركة "حماس التي انطلقت في 25 تشرين الثاني 2023، حيث تبادل الجانبان الأسرى على دفعات امتدت على 6 أيام. وكانت الاتفاقية مشروطة بوقف إطلاق النار في غزّة على أن تدخل إلى القطاع يومياً 300 شاحنة مواد إنسانية، بينها وقود، كما أن يصار إلى إطلاق سراح 50 أسيراً إسرائيلياً من قطاع غزّة، مقابل الإفراج عن 150 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية. وعليه ما إن انتهت الهدنة حتّى عاد القصف الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، وعادت معه حملات الاعتقال الإسرائيلية للمدنيين.
وفي مطلع هذا الأسبوع، اقترحت مالطا مشروع قرار جديد للتعامل مع الحرب في غزة، عبر مجلس الأمن، الذي أخفق مراراً وتكراراً منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول، من دون أن يتّضح على الفور ما إذا كانت الدول الخمس الدائمة العضوية، التي تمتلك حقّ النّقض، باتت مستعدّة لتجاوز خلافاتها التي تقوّض المنتدى الدولي الأقوى والأوحد المخوّل صون الأمن والسلم الدوليين.
وينصّ هذا القرار على "وقف إنساني فوري وممتدّ" في كلّ أنحاء غزّة لتزويد المدنيين بالمساعدات التي هم في أمسّ الحاجة إليها. كما يطالب "جميع الأطراف" بالامتثال للقانون الإنساني الدّولي الذي يتطلّب حماية المدنيين، ويدعو إلى حماية خاصّة للأطفال وإطلاق جميع الرهائن "فوراً".
وإلى ذلك، لا تزال تداعيات الهدنة الإنسانية الأولى مستمرّة، وخصوصاً شهادات الأسرى الفلسطينيين، الذين نقلوا معاناتهم وويلاتهم في السجون إلى العالم.
خطر على البشرية جمعاء
وفي هذا الإطار، لفتت أماني سراحنه، مديرة الدائرة الإعلامية لدى نادي الأسير في حديثها لموقع "الصفا نيوز"، إلى أنّه "وخلال الدفعات التي تمّ الافراج عنهم خلال فترة الهدنة، كان عدد الأسرى 240، 71 أسيرة، و169 قاصر، ومن تمّ الافراج عنهم ليسوا فقط دون الـ18 سنة إنّما أيضاً دون الـ 16 سنة، وهي كانت إحدى شروط المفاوضين بأن تكون عملية الإفراج عن القصّر باحتساب من هم دون الـ19 سنة لأنّ بعض القصّر كانوا معتقلين لمدّة طويلة وقد أتمّوا الـ18 سنة (سنّ الرّشد) خلال فترة اعتقالهم. ومعظم الأسرى كانوا معتقلين اعتقالاً إدارياً أي دون تهمة موجّهة لهم، وتحت ذريعة وجود ملف سرّي، وهو أكثر سبب تلجأ إليه السلطات الإسرائيلية لتبرير سبب الاعتقالات المتصاعدة وتحديداً في الضفة الغربية".
وبالنسبة للتّهم الأخرى الموجّهة إلى الأطفال القصّر تقول "تمّ اعتقال البعض منهم على خلفية رمي الحجارة، خلال مواجهات او تحديداً الأطفال الذين تقع منازلهم بالقرب من مستوطنات إسرائيلية، او حواجز عسكرية مقامة أمام البلدات الفلسطينية".
وأضافت سراحنه "كما تمّ اعتقال بعض الأسيرات بتهمة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، ونحن استمعنا إلى عشرات من شهادات القاصرين والأسيرات، وكانت شهادات مروّعة حول جرائم التعذيب والتنكيل التي تتمّ في سجون الاحتلال وهو ليس بعهد جديد للاحتلال بل هو نهج قديم يعتمده الاحتلال، إلاّ أنّ كمّية الإجرام الإسرائيلي وصلت إلى ذروتها بعد السابع من تشرين الأول، ونحن نتحدّث عن استشهاد 6 معتقلين في سجون الاحتلال بعد الإبادة الجماعية، والعدوان الشامل على غزّة، على الأقلّ 2 منهم، ثبت أنهما تعرّضا للتنكيل والتعذيب الشديد ما أدّى إلى استشهادهما، كما احد المعتقلين الذين أفرج عنهم من المعتقلات، حمل شهادة واضحة عن استشهاد رفيقه الأسير الذي كان معه في الزنزانة وهو الأسير ثائر أبو عصب والذي استشهد في 18تشرين الثاني، وأعطى شهادة كاملة حول كيف تمّ الاعتداء على أبو عصب بالضرب المبرح والتعذيب الجسدي حتّى فقد حياته. والشهادات عكست مستويات مروّعة من الانتهاكات والجرائم التي مورست بحقهم، من اعتداءات بالضرب المبرح، والتجويع والتنكيل والإذلال، وتهديد الأسيرات بالاغتصاب، تحديداً لحظة اعتقالهم من قبل جنود الاحتلال. وبالنّسبة لنا كمؤسسات حقوقية لدينا خيبة قويّة، تطال كلّ أحرار العالم من موقف المؤسسات الحقوقية الدولية وعجزها عن وقف الجرائم الممنهجة التي تنفّذ بحق الشعب الفلسطيني ونتيجة عجز هذه المؤسسات أصبحت واضحة اليوم، وهو الإجرام والتنكيل بالمدنيين والأبرياء من أطفال ونساء، والذي لا يخفيه الاحتلال بل يتباهى بممارساته عبر تصويره للمعتقلين وكيفية إذلالهم عند الحواجز وكيف يأسرهم من المنازل، فضلاً عن الفيديوهات التي انتشرت على يد جنود الاحتلال وهم يعذبون المعتقلين الفلسطينيين، وهي فعلا مشاهد مروّعة. وبالنسبة لنا كفلسطينيين فقدنا الأمل ممّا قد تقدّمه المنظّمات الحقوقية الدولية تحديداً في هذه المرحلة، وهو ناقوس خطر ليس فقط على الفلسطينيين بل على البشرية جمعاء".
واقع الأسرى الفلسطينيين داخل السجون
وفي بحث أجرته "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" شاركته مع موقع "الصفا نيوز" يتبيّن أنّه "ومنذ السابع من تشرين الأول يواصل الاحتلال الاسرائيلي شنّ حملات اعتقال واسعة في الضفة الغربية بلغت حصيلتها 1680 معتقلاً حتى تاريخ 3-11-2023 بحسب بيان مجموعة من المؤسسات التي تُعنى بالأسرى الفلسطينيين. وأوضح هذا البيان أنّ 80% من المعتقلين تمّ تحويلهم إلى الاعتقال الإداري، وفي سياق متّصل كانت حصة الأسد من عمليات الاعتقال تتركز في محافظة الخليل، وطالت 500 معتقل، بالإضافة إلى استشهاد معتقلَين اثنين في سجون الاحتلال، هما: عمر دراغمة (58 عاماً)، وعرفات حمدان (25 عاماً)، وهما من الذين اعتُقلوا بعد السابع من تشرين الأول، إذ يعزّز استشهاد دراغمة وحمدان التخوف من وجود خطة ممنهجة من جانب الاحتلال لاغتيال الأسرى، وذلك في ضوء العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني الذي يأتي في إطار الإبادة الجماعية التي تُمارس بحقّه".
وتضيف الدراسة أنّه "وبحسب المعطيات الرقمية التي تتحدث فيها مؤسسات الأسرى، هناك تصاعد كبير في عمليات الاعتقال، وأكثر من ذلك، هناك تصاعد على مستوى الجرائم والانتهاكات بحقّ المعتقلين، إذ وصلت تلك الجرائم والانتهاكات إلى حدّ التهديد بالقتل، بالإضافة إلى عمليات تفتيش واسعة، واستخدام كلاب بوليسية داخل البيوت الفلسطينية في أثناء عمليات الاعتقال، وترك الأسرى المصابين بعد الاعتداء الوحشي عليهم من دون علاج، وبطبيعة الحال يندرج هذا النمط من الإرهاب ضمن سياسة العقاب الجماعي التي يستخدمها الاحتلال ضدّ سكّان الضفّة الغربية، يضاف إلى ذلك توجيه رسائل إلى المقاومة عبر محاولة الضغط على الأسرى بهذه الطرق الوحشية".
وبالانتقال إلى داخل السجون، يكشف البحث عن "ممارسة إدارة ما يُعرف بمصلحة السجون سياسة ممنهجة بحقّ الأسرى بعد السابع من تشرين الأول، حيث تمارس إدارة السجون سياسة التجويع بحقّ الأسرى، وذلك عبر سحب كلّ المواد الغذائية من الأقسام، وتقليص عدد وجبات الطعام إلى وجبتين، إلى جانب إغلاق ما يعرف ب "الكانتينا"، بالإضافة إلى تكثيف حملات القمع، والتنكيل بالأسرى عبر استخدام الكلاب البوليسية، وقنابل الصوت، والغاز الحارق، والهراوات. يضاف إلى ذلك حرمان الأسرى من العلاج على المستويات كافّة، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، إذ قامت مصلحة السجون بزيادة عدد أجهزة التشويش، وأوقفت زيارات العائلات، وأبلغت المحامين بإلغاء الزيارات أيضاً، وحرمت الأسرى من الخروج إلى الساحة الخارجية (الفورة)، وأغلقت المغسلة، وهي أحد أهم المرافق التي يستخدمها الأسرى لغسل ملابسهم، وسحبت أجهزة التلفاز المتاحة لهم، وكلّ الأجهزة الكهربائية، وأتلفت جميع مقتنياتهم، وخصوصاً الملابس، وأبقت لكلّ أسير غياراً واحداً، كما صادرات أجهزة الراديو. وتأتي هذه الإجراءات ضمن سياسة عزل الأسرى عن العالم الخارجي، ومنعهم من متابعة مجريات الأمور في ما يخصّ معركة "طوفان الأقصى".
السياسة الانتقامية الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين
ومن جهته قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، في مقابلة له ضمن ندوة عقدتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان "السياسة الانتقامية الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر"، استحصل عليها موقع "الصفا نيوز"، إنّ "قضية الأسرى برزت بصورة جلية سنة 2018، وأقلقت الجانب الإسرائيلي، حتّى صارت الأحزاب في إسرائيل تتصارع على "من سيُحكِم قبضته عليهم".
وأشار إلى أنّ "ما يجري اليوم بحقّ الحركة الأسيرة كان مخططاً له، وكانوا يريدون تنفيذه بحرب وبدون حرب. والآن جاءت الحرب والإسرائيليون لديهم هذا القلق الوجودي، وجاءت عملية طوفان الأقصى لتعزز حالة عدم الثقة".
وبحسب معهد أبحاث الأمن القومي الذي يشخّص ثلاثة أخطار تؤثّر في مستقبل إسرائيل، فإنّ "الخطر رقم 2 هو التصدّعات التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، فإسرائيل كمؤسسات جيش ومخابرات أمن كلّهم في أزمة ويتخوّفون من حالة اضطراب، وهذا غير مسبوق. فقد قرّروا إغلاق السّجون وكلّ الإجراءات التي يمكن أن يتّخذوها على مدار أسبوع أخذوها في ساعة، فكلّ يوم إجراء جديد. والأخطر أنّهم بدأوا بالاعتداءات الجسدية والإهانة."
وأشار فارس إلى أنّهم "بذلوا طاقات كبيرة في سبيل الضغط على إسرائيل، ولا سيّما عبر المؤسسات الدولية والحقوقية (كالصليب الأحمر) لمعرفة عدد الأسرى، الذين تزايد عددهم بعد الحرب، وبصورة خاصّة، من عمّال غزة. وتحدّث عن الرفض والعناد الإسرائيليين تجاه التصريح بأمور كهذه للإبقاء على قدرة الاحتلال على أسر المواطنين في معتقلات لا تتطابق مع المعايير الصحّية الدولية، الأمر الذي يعني أنّ الهدف قد يكون قتل هؤلاء الأسرى".
وعمّا إذا كانت منظومة الأسرى تشكّل فعلاً ما يشبه العبء على الحكومة الإسرائيلية، ولا سيما أنّ الأسير في سجون الاحتلال أخفّ ضرراً من الشخص الموجود خارج السجن بحكم الحرّية، قال فارس "إسرائيل تؤمن بالرمزية، وهو ما دفعها إلى وقف أحكام الإعدام كي لا يتحوّل الأسير المناضل إلى حالة رمزية يقتدي بها الآخرون، فالخطر ليس من الأسير نفسه، إنّما من صورته الانطباعية... إذن، فالحرب هي على الصورة الرمزية والحالة النفسية، ونجاح شخصيات فلسطينية على مستوى العالم يرفع المعنويات، عبر جعل الفلسطينيين الآخرين يشعرون بالفخر، وبالتالي التحفيز".
ورأى أنّ "الصفقة الإنسانية التي يجري الحديث عنها ليست كغيرها من الصفقات، فالثورة الفلسطينية لم يكن لديها يوماً هذا العدد من الجنود والضبّاط الإسرائيليين".
وعمّا إذا كانت الصفقة ستقتصر على المفاوضات بشأن الأسرى، أجاب: "هذه المسألة تتعلّق بتكتيكات المفاوضات. لقد كنت أتمنّى أن يكون أحد الجنديَين المأسورين حياً لتتحسّن شروط الصفقة، وإذ بي أجد 200 أسير مع المقاومة؛ الأمر يتعلّق بكيف ستنتهي الحرب ومتى ستتمّ هذه الصفقة. إذن، يجب أن تتمّ الصفقة الإنسانية، وذلك أولاً عن طريق وقف إطلاق النار لمدّة كافية. وهناك أمر آخر، وهو أنّ الإسرائيليين وغيرهم لن يستطيعوا التحكّم بأفواه الذين سيخرجون، والذين سيروون ما رأوه. ومن الأمور المهمّة التي يجب أخذها بعين الاعتبار قضية الأسيرات، وذلك بأنهن أكثر عرضة للمرض والإصابات، بالإضافة إلى الأطفال، فإذا خرجوا سالمين، فهذا جيد لمصلحتنا، ولا سيما في مواجهة قضية الأطفال الفلسطينيين المعتقلين لديهم، والذي أكبرهم من مواليد سنة 2006، وهذا ما يجب أن يراه الإعلام. وفي تقديري أنّ الصفقة ستحدث قبل انتهاء الحرب. ربما يكون هناك تخوّف من الوقوع في أخطاء كما حدث في صفقة ʾوفاء الأحرارʿ، والأمر يستلزم التحوّط والاستفادة من تجارب الماضي لعدم التعرّض للألاعيب".
المادة 22 من اتفاقية جنيف
تنصّ المادّة 22 من اتفاقيّة جنيف على أنّه لا يجوز اعتقال أسرى الحرب إلّا في مبان مقامة فوق الأرض تتوفّر فيها كلّ ضمانات الصحّة والسلامة، ولا يجوز اعتقالهم في سجون إصلاحية إلّا في حالات خاصّة تبرّرها مصلحة الأسرى أنفسهم. يجب بأسرع ما يمكن نقل أسرى الحرب المعتقلين في مناطق غير صحّية، أو حيث يكون المناخ ضارّاً بهم، إلى مناخ أكثر ملاءمة لهم.