لم يشبه البلاك فرايداي هذا العام ما كان عليه في الأعوام الماضية، حيث تزامن وإعلان الهدنة ووقف إطلاق النّار بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس وشهد إطلاق سراح رهائن وسجناء، ووصول مساعدات إنسانية كانت غزّة بأمسّ الحاجة إليها.

فهل هي مجرّد صدفة، أن يتمّ الإعلان عن وقف إطلاق النّار في نفس اليوم الذي تنطلق فيه عروضات البلاك فرايداي في دول الغرب، يوم الجمعة 24 تشرين الثاني، أم أنّ انتقاء الموعد جاء عن سابق تصوّر وتصميم، لما يحقّق أسبوع البلاك فرايداي من مكاسب اقتصادية هائلة لدول الغرب، والتي هي بأمسّ الحاجة إليها، في ظل ّحالات التضخّم والانهيار الاقتصادي التي تعصف بها، وحالة المقاطعة التي تواجه الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني؟ علماً أنّه لم يمرّ أسبوع على الهدنة (حتّى انتهى أسبوع البلاك فرايداي) لتعاود إسرائيل قصفها لغزّة.

ما هو البلاك فرايداي؟

يعرّف البلاك فرايداي باليوم الذي يأتي مباشرة بعد عيد الشكر في الولايات المتحدة الأميركية وعادة ما يكون في نهاية شهر تشرين الثاني من كلّ عام، ويعتبر هذا اليوم بداية موسم شراء الهدايا لعيد الميلاد. وفي هذا اليوم تقدّم أغلب المتاجر العالمية والمحلّية والالكترونية عروضاً وحسومات، حيث تُفتَح أبوابها قبل شروق الشمس لاستيعاب أعداد الزبائن الكبيرة بسبب الحسومات لشراء هدايا عيد الميلاد ولاستغلال التخفيضات الكبيرة التي تحصل في هذا اليوم.

وغالباً ما تصل أرباح التسوّق الألكتروني فقط إلى الـ9 مليارات دولار في موسم البلاك فرايداي فما حال أرباح المتاجر العاديّة.

مسيرات منددة بالعدوان الاسرائيلي

إلاّ أنّ هذا العام، شهد البلاك فرايداي حملات مقاطعة في جميع دول العالم الغربي والعربي على حدّ سواء. وإلى ذلك، واصل متظاهرون في بعض المدن الأميركية، مسيراتهم التي تندّد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، رغم دخول الهدنة يومها الثالث مستغلّين فعاليات البلاك فرايداي لتوصيل رسائلهم لأكبر عدد من المواطنين.

وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، بأنَّ المتظاهرين في واشنطن ونيويورك، واريزونا، وشيكاغو، وهيسوتن استغلوا هذه المناسبة التسويقية وتظاهروا أمام المجمّعات التجارية الضخمة، لحثّ الأميركيين على المقاطعة لدفع الشركات الكبرى للضغط على الإدارة الأميركية لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها.

وأشارت الوكالة، إلى أنَّ المتظاهرين بدأوا نشر أسماء الأطفال االذين قُتلوا في غزة على يد قوات الاحتلال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال المسيرات التضامنية، لتأكيد أنّهم ليسوا مجرّد أرقام وللدفع من أجل محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الطفولة الفلسطينية.

وفي الأردن برزت مطالبات من التجّار بتأجيل "البلاك فرايدي" بسبب الحرب على غزة.


وبحسب تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية في السادس من الشهر الجاري، فإن تيّار "السخط العام" في العالم العربي، يشير إلى أنّ فروع الشركات الأميركية والغربية ستواجه تحدياً كبيراً خلال الفترة المقبلة.

@ar.translator حس بالتوفير #حسي_بالتوفير_ياندى #الشعب_الصيني_ماله_حل?? #متجر #منتجات #تسويق #كارفور #تخفيضات #اكسبلور #بلاك_فرايدي #كريسماس #عروض ♬ original sound - الـمتـرجـم الـعـربـي

كما انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب المواطنين في دول الغرب بعدم تصديق "كذبة الهدنة" الإسرائيلية، ومقاطعة البلاك فرايداي للضغط على المسؤولين للتراجع عن مواقفهم الداعمة لإسرائيل.

@tiktokpapajinn No shopping this #blackfriday #cybermonday #ceasefire #freepalestine #nowar #kids #women #life ♬ Powerful - MaxKoMusic

الأسباب السياسية للهدنة

على المقلب الآخر يرى الخبير العسكري العميد خليل حلو، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "مسألة البلاك فرايداي غير مرتبطة بالضرورة بالموعد الذي حدّد للهدنة، حيث أنّ الأخيرة جاءت نتيجة مفاوضات عرقلت أكثر من مرة، وأثمرت الاتفاق أخيراً على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بعد دخول دولة قطر على خطّ الوساطة الأميركية الإسرائيلية مع حماس".

واعتبر العميد حلو إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يريد الهدنة لسببين: الأوّل، هو أن لا وضوح في الرؤية بالنّسبة لإسرائيل بعد حرب غزة، حيث أنّ اميركا بعد الحرب هدفها الوصول إلى حلّ الدولتين بينما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، وبعد عدم اعترافه لفترة طويلة برفضه لفصل الدولتين، قال في خطابه الأخير أنّ اتفاقية أوسلو كانت خطأ ولا نريد أن نعيد هذا الخطأ ولا ثقة له بحركة فتح ولا بمحمود عباس.  وهذه نقطة خلاف بين السياسة الأميركية وحكومة نتانياهو بالتحديد، إلّا أنّها لن تؤدّي إلى قطع العلاقات الإسرائيلية الأميركية لأنّ البلدين بحاجة إلى بعضهما".

أمّا السبب الثاني لتمسّك بايدن بالهنة يقول حلو هو "صور القتلى والجرحى الفلسطينيين وخصوصاً النساء والأطفال، الأشبه بـ"هيروشيما ثانية"، الأمر الذي كان له تأثيره السلبي الكبير جداً على الرأي العام الغربي والحكومات الغربية وانعكس سلباً على الرئيس بايدن شخصياً وعلى الولايات المتحدة كقوّة عظمى ما قد يفقدها مصداقيتها في حال استمرّت الحرب بغزة بهذا الشكل".

ووفقا للمصادر الأميركية، يتابع حلو، "أنّ الرئيس يايدن ألّف فريقين الأوّل على تواصل دائم مع قطر وبالتالي حماس وآخر على تواصل دائم مع إسرائيل، حيث التنسيق يحدث على أعلى المستويات. فيما بايدن كان يدفع المفاوضات إلى الأمام في كلّ مرّة تعود فيها إلى الصفر".

ويشرح حلو انّه "بأميركا السياسة الداخلية أهمّ بكثير من السياسة الخارجية، حيث أنّ النّاخب الأميركي لم يحاسب الإدارة الأميركية يوماً على سياساتها الخارجية بل على الضرائب وسياساتها الداخلية. أمّا اليوم فقد خلقت احداث غزّة حركة ضغط من الرأي العام على الحكومة. إلاّ أنّه وعلى الرغم من ذلك لا يزال قسم كبير من الرأي العام الأميركي يدعم الإسرائيليين".

ورأى العميد حلو أنّ "الهدنة سببها سياسي، ولا شكّ بأنّ بايدن سيسعى إلى هدنة أخرى، بمساعدة القطريين، فبحسب مصادر موثوقة إنّ كل ما يطالب به القطريون اليوم هو وقف إطلاق النار في غزّة. وقطر تسعى لهذا الموضوع بكل ما أوتيت من قوة في مفاوضاتها مع حماس أو أميركا. وحتّى الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية والدفاع الأميركي إلى إسرائيل، وعلى الرغم من أنّها في الظاهر لدعم إسرائيل، إلّا أنّها تحمل في مضمونها رسالة أميركية واضحة لوقف قتل المدنيين".

في المحصّلة، وإن كانت أسباب الهدنة سياسية أو اقتصادية، فلا شكّ بأنّ أسبوع البلاك فرايداي هذا العام في الدول الأجنبية لم يشبه ما عرفه في السنوات السابقة، والدليل على ذلك فيديوهات المتاجر الفارغة من الزبائن، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يؤكّد فعاليّة المقاطعة وحجم الوعي الذي بدأ يتكوّن لدى قسم كبير من الرأي العام العالمي.