التأمين في السّلم والحرب ضروري، وتزداد أهمّيته في فترة الأزمات...

مع ازدياد حدّة وعشوائية القصف الإسرائيلي على مناطق وقرى جنوب لبنان، ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بقصف بيروت وجعل مصيرها مشابهاً لغزّة، يكثر في الفترة الأخيرة الحديث عن أهميّة التأمين ضدّ المخاطر أو في فترة الحروب والأزمات، وعن مدى جدوى هذه الخطوة، في ظل ّالأوضاع الاقتصاديّة الراهنة.

أنواع التأمين

بسؤال مدير الجمعية اللبنانية لحماية المؤمّن لهم والمستشار القانوني للجنة مراقبة هيئات الضمان سابقاً المحامي روجيه كرم، أشار إلى أنّ "أنواع التّأمين المحدّدة في القانون اللبناني عديدة وهي تدخل ضمن فروع وأجزاء فروع  مبيّنة بموجب المادّة الأولى من قانون تنظيم هيئات الضمان، حيث أنّ الفروع، وعددها ستّ، هي فرع الضمان على الحياة (الفرع الأول)، وفرع ضمان أخطار الحريق والانفجارات والحوادث والزلازل والمخاطر القريبة أو المشابهة (الفرع الثاني)، وضمان أخطار النقل والسفن والطائرات (الفرع الثالث)، وضمان الحوادث والمسؤوليات المدنية والمركبات والطبابة والاستشفاء (الفرع الرابع)، وضمان القروض والتسليفات (الفرع الخامس)، وضمان الأخطار والطوارئ الزراعية (الفرع السادس)". ويضيف كرم "إنّ الحاجة إلى تغطية عقود التأمين لأضرار الأعمال الحربية بالنّسبة لقطاعات واسعة من المؤمّنين تبرز بصورة خاصّة في مجال الضمان على الحياة والضمان على الممتلكات، أي بمعنى آخر في الفرعين الأول والثاني من فروع الضمان".

إشكالية تغطية أضرار الحرب

وفي هذا الإطار، لفت كرم إلى أنّ "الأصل في القانون وفق المادة 969 من قانون الموجبات والعقود هو أنّ شركة التأمين لا تكون مسؤولة عن الضرر النّاجم عن الحرب ما لم يكن هنالك من اتّفاق على العكس. من هنا، يجب أن تتضمّن بوليصة التأمين بصورة صريحة تغطية أضرار الحرب والأعمال الحربية، وإلاّ وفي حال عدم النصّ الصريح على ذلك تعتبر هذه الأضرار غير مغطّاة بموجب البوليصة. علماً أنّ البوالص تستثني بغالبيّتها صراحة أضرار الحرب. وعادة ما تضاف هذه التغطية بموجب بند صريح في البوليصة أو بمقتضى بوليصة مستقلّة".

والواقع، وفق كرم، أنّه "غالباً ما يتمّ الإحجام من قبل المؤمّن لهم عن شراء هذا النّوع من التغطية بسبب القيمة المرتفعة لأقساط التأمين العائدة لها. وبعد أحداث السابع من تشرين الأول الماضي، أصبح شراء هذه التغطية أكثر صعوبة لا سيّما بالنّظر لعدم منح العديد من معيدي التأمين خارج لبنان تغطيتهم للبوالص الصادرة بعد هذا التاريخ خاصّة في المناطق ذات المخاطر الكبيرة حيث تزداد احتمالات حدوث عمليّات عسكرية مثل الجنوب والبقاع".

صندوق وطني للتعويضات

ويختم كرم معتبراً أنّه "إزاء هذا الواقع، وبالنّظر لارتفاع كلفة شراء تغطية الأعمال الحربية التي ليس بمقدور الجميع تحمّلها واقتصارها ربّما على بعض المقتدرين، فإنّ المعالجة الشاملة للموضوع تستدعي مقاربة غير كلاسيكية، إمّا عبر إنشاء صندوق وطني للتعويضات عن أضرار الحروب والكوارث الجماعية، يموّل بالأساس من قبل الدولة حيث ثمّة في الماضي تجربة على هذا المستوى لم يكتب لها النجاح والاستمرار تمثّلت في المصلحة الوطنية للتعمير التي أنشئت عقب زلزال 1956، أو عبر أو قيام نظام تأمين إلزامي لضمان هذا النّوع من المخاطر شبيه بالمؤسّسة الوطنية للضمان الإلزامي، التي تضمّ شركات التأمين وتختصّ بالتعويض عن الأضرار الجسدية التي تتسبّب بها حوادث السير. وفي ظلّ الصعوبات الماليّة الراهنة التي تمرّ بها الدولة، يبدو الحلّ الثاني أقرب إلى الواقع بحسب كرم. علماً أنّ قانون تنظيم هيئات الضمان، يجيز في المادة 44 منه أن يفرض الضمان الإجباري ضدّ بعض الأخطار بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء، كما يجيز في المادة 45 أن تنشأ للقيام بعمليات الضمان الإجباري ضدّ بعض الأخطار جماعة من المعنيين بهذه الأخطار تتمتّع بالشخصيّة المعنوية، وتنضمّ إليها شركات التأمين التي تضمن هذا النوع من عمليات التأمين. من هنا، ربّما يكون الحلّ الأنسب عبر إقرار نوع من التأمين الإلزامي على مخاطر الكوارث والحروب، وهذا يعبّر عن مستوى عال من الوعي والتضامن الاجتماعي والوطني، ويشكّل مظلّة حماية للمجتمع تحدّ من مخاطر الكوارث الكبرى وآثارها السلبيّة".

التأمين سلعة ضرورية

من جهته اعتبر الخبير في الشؤون العقارية والتخطيط الاستاذ المحاضر في عدد من الجامعات جورج نور في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "التأمين بشكل عام ثقافة ورؤية لتجنب المخاطر، وأينما حلّت المخاطر يحلّ التأمين، وبالتّالي التأمين لا يجب أن يعتبر ككلفة بل سلعة ضرورية لحاجات الناس. وهناك عدّة أنواع تأمين حيث أنّ الأفراد يؤمّنون على صحّتهم، والحوادث، والعمليات الجراحية، وسياراتهم، وممتلكاتهم، من أيّ حريق، أو أيّ أعمال قد تسبّب ضرراً، كما أنّ المؤسسات عليها موجب التأمين على موظفيها وعلى مكاتبها وبضائعها (رأسمالها)، كما أنّ الورش تخضع لتأمين على العمّال والبناء والتجهيزات، وهناك تأمين على الطيران والبواخر، كما يمتد التأمين على المهن الحرّة التي يمكن أن يلحقها أيّ خطر. حيث أنّ كل شيء يمكن أن يكون له تأمين".

التأمين في الحروب مكلف جدا

أما التّأمين في فترة الحرب فهو كارثة، برأي نور، لأنّ التأمين ليس باباً للربح، بل تعويض عن أضرار قد وقعت وبالتّالي عندما تريد شركة تأمين طلب بوليصة، وحسب الوضع، (نحن اليوم في حالة حرب أو على مشارف حرب) ستكون أقساط التّأمين عالية جداً، حيث أنّه كلّما اقترب الخطر كلما كان قسط التأمين أعلى، ومن يريد أن يؤمّن على منزله عليه أن يعطي سعر المنزل الذي يريد أن يؤمّن عليه، وفي فترات الحروب قد يتراوح التأمين بين 25 و30 في المئة من قيمة المنزل في المقابل لا يتعدّى التأمين الـ3 أو الـ5 في المئة سنوياً في الحالة الطبيعية. وهذه حالتنا اليوم في لبنان لسوء الحظ، في ظلّ الوضع الأمني غير المستتب حيث أنّ جميع بوالص التأمين أصبحت مرتفعة".

مصداقية شركات التأمين

 ويشرح نور أنّ "خبرتنا في لبنان صعبة مع مسألة التأمين، فعلى الرغم من توفّر التأمين على الحوادث وتأمين ضدّ الحروب وضد المظاهرات والشغب، إلّا أنّنا رأينا في الفترات السابقة الأضرار التي طالت بعض المؤسسات وكيف تلكّأت الشركات عن تسديد موجباتها للناس، واستعملت طرقاً غير اعتيادية لتسديد الأضرار كالدفع بـ"اللولار" في الوقت الذي لم يعد للأخير قيمة. وبالتّالي أهمّ خطوة في التأمين معرفة الشركة التي ستصدر البوليصة، والتأكّد من سمعتها كيف تصرفت في الماضي مع زبائنها. فما حصل بعد انفجار 4 آب أثبت أن ليس جميع شركات التأمين جدّية في التعاطي أو أنّها أخذت احتياطاتها كما يجب، فلقد أدارت العديد من هذه الشركات ظهرها للناس التي اشترت بوالص تأمين على الحياة عندما استحقّت هذه البوليصة. فمن اشترى بوليصة بـ 200 ألف دولار لم يستحصل سوى على أقلّ من 20 ألف دولار وجاء ذلك بعد أكثر من مليون مطالبة ومناشدة للمعنيين".

المسؤولية تقع على المواطن والشركات

ويلفت نور إلى أنّ "التأمين مكلف جدا، والدفع يكون بالكاش ولا تأكيد أنّ الناس ستتقاضى المبالغ المتوجّبة لها في حال حصل أيّ مكروه. وجميعنا يعرف كم ارتفعت بوالص التأمين على الصحة ومدى تدقيق الشركات في أيّ علاج."

ويفسّر أنّ "من شروط التأمين أن يكون المواطن شفّاف أيضا مع الشركات وألّا يعمد إلى أساليب ملتوية أو أوضاع مخالفة للقوانين كالتزوير أو استخدام بطاقة التأمين لعدّة أشخاص وهناك بعض التواطؤ في هذا الإطار بين بعض المؤسسات التي تعني بالقطاع الطبّي والمواطن".

وحذر نور من أنّه "في الحروب توقّع شركات التأمين المؤمن عليه على عقد من الصعب فهمه، (بالشروط والأحرف الصغيرة) فعند وقوع الحادث قد تطالب المؤمّن بفواتير تثبت شراءه للمنزل أو السيارة المؤمن عليها، وهذا نوع من "التشاطر" تلجأ إليه بعض الشركات للتهرّب من التزاماتها وبالتّالي ينحصر العمل الفعلي على كميّة قليلة جداً من الشركات التي أكّدت أنّ لها مصداقية في السوق وهي شفافة في تعاملها مع زبائنها".

في المحصلة، نستنتج أنّ التأمين في السّلم والحرب ضروري، وتزداد أهمّيته في فترة الأزمات ويجب أن يكون بشكل استباقي، وهو مشروط بالتعامل مع مؤسسة لها سمعتها وشفافة في تعاملها مع زبائنها، وإلّا قد يتكلّف المواطنون الكثير من المال، فيما نسبة خسارة الممتلكات دون أيّ تعويض عالية جداً.