العنف ضدّ النّساء الفلسطينيات ليس بجديد، فهي معاناة تعود إلى أكثر من 75 عاماً، عانين خلالها من أبشع أنواع التنكيل، والتهجير، والقتل، والإبادة...

مرّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء قبل أيام كشاهد زور على أفظع أنواع العنف المرتكبة بحقّ النساء في تاريخ العالم. حيث يصادف وتحرير 30 أسيرة فلسطينية من السجون الإسرائيلية ضمن اتفاق الهدنة لتبادل الأسرى بين "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلامية" حماس"، فيما لا يزال هناك 32 أسيرة فلسطينية رهن الاعتقال. فلسطينيات لم يواجهن الأسر والتهديد بالقتل والتحرّش والاغتصاب فحسب، بل بعضهنّ أجهض داخل سجون الاعتقال، فيما أخريات تعرّضن لأبشع أنواع التعذيب خلال التحقيق، أمّا المجتمع الدولي ومنظّمات حقوق الإنسان فتقف صامتة على قاعدة "شاهد مشفش حاجة"، مكبّلة اليدين ومعصوبة العينين، متغاضية عن جرائم الاحتلال المروّعة، والتي تنتهك بأفظع الأساليب شرعة حقوق الإنسان.

75 عاماً من المعاناة

والعنف ضدّ النّساء الفلسطينيات ليس بجديد، فهي معاناة تعود إلى أكثر من 75 عاماً، عانين خلالها من أبشع أنواع التنكيل، والتهجير، والقتل، والإبادة. حيث "تعرّضت أكثر من 16 ألف امرأة فلسطينية، بين مسنّة وطفلة، للاعتقال من قبل الاحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربية وقطاع غزة عام 1967" وفق نادي الأسير الفلسطيني.

ويقدّر مجموع النّساء الفلسطينيات اللاجئات بمليونين ونصف المليون امرأة، ويشكّل هذا العدد نصف عدد اللاجئين الفلسطينيين تقريباً، الذين يقيمون في 59 مخيماً في داخل حدود الضفّة الغربية وقطاع غزّة وخارجها. بالإضافة إلى الفلسطينيات المهجّرات داخل الخطّ الأخضر، من اللواتي أجبرن على الهجرة قسراً مع عائلاتهن من قراهن المهجّرة، وهنّ يشكّلن مع مثيلاتهن من اللاجئات في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مخيمات سوريا 49% من أعداد اللاجئين. أمّا في لبنان فيشكّلن نحو 58 % من أعداد اللاجئين الفلسطينيين. أمّا في الأردن فتشكّل نسبة اللاجئات نحو 48 % من إجمالي تعداد اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات الأردن حصراً. حيث يشكّل اللاجئون الذين يعيشون خارج المخيمات في الأردن حوالي 60 % من مجموع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، تقبع النساء الفلسطينيات تحت أشنع أنواع العنف، التي اختصرت كلّ الظلم الذي يحكى عنه والممارس بحقّ النساء حول العالم. فما تعيشه الفلسطينيات اليوم من ظلم أكبر وأبشع من أن يتّسع الكلام لوصفه.

انتشار الامراض

وفي هذا الإطار، تنقل إحدى الصحفيات الفلسطينيات في حديثها لموقع "الصفا نيوز" معاناة النساء الفلسطينيات، في ظلّ الحرب الإسرائيلية على غزّة، لافتة إلى أنّ "النّساء الفلسطينيات تقبعن في مراكز اللجوء والإيواء، والتي في الأساس تعاني من اكتظاظ كبير، ولا تسع للعدد المهول من النّازحات والنّازحين الهاربين والهاربات من الوضع المهول للحرب، في معاناة مضاعفة، وسط عدم توفّر للمواد الغذائية، والفوط الصحية، والمستلزمات الطبية، أو مستلزمات النظافة، وانقطاع المياه".

وتضيف "نشهد في فلسطين انتشاراً كثيفاً للأوبئة بسبب الحرب والمواد الكيمائية التي استخدمها جيش الاحتلال، والتي تسبّبت بتشوّهات في أجساد بعض النساء وبحروق بالغة الخطورة. وكذلك أدّت الدماء التي سفكت على يد آلة الحرب الإسرائيلية، وتأخّر انتشال الجثث فصلاً عن دفن الجثث بمقابر جماعية، إلى تسرّب جراثيم إلى المياه الجوفية وتلويثها لتصبح غير صالحة للاستخدام. فيما مياه الشرب والاستحمام مقطوعة، ما يهدّد الصحّة الجسديّة للنساء، ويزيد من نسبة انتشار الأمراض والأوبئة".

الفلسطينيات مستبعدات من قرارات مجلس الأمن

وتشير الصحفية الفلسطينية إلى أنّ "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان قد أصدر قراراً يحمل الرقم UNSCR 1325، عام 2000، للاعتراف بتباين الآثار للحروب والنزاعات على النساء. ويؤكّد القرار حماية حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم باستثناء النّساء في فلسطين. حيث لم يذكر القرار النساء تحت الاحتلال الاستعماري العسكري كما هو الحال في الأرض الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من ذلك تم تبنّي قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وينصّ القرار على حماية المرأة ومنع العنف ضدّها وزيادة مشاركتها في عمليات صنع السلام والمفاوضات وحلّ النزاعات أثناء الحروب والصراعات".

ورأت أنّ "المجتمع الدولي تجاهل أصوات النساء الفلسطينيات، ولم يأخذ معاناتهن بعين الاعتبار. ولم يجلب قرار مجلس الأمن الأمل للمرأة الفلسطينية وذلك لافتقاره أيّ آلية للتنفيذ والمساءلة. حيث فشل المجتمع الدولي في محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على الانتهاكات الفعلية للقانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، ومنهم النساء، وفشل في تحقيق العدالة وتأمين الحماية واحترام حقوق الإنسان".

وأضافت "تشعر النساء الفلسطينيات بالقلق إزاء ما يعتبرنه معايير مزدوجة، أي تطبيق القرار في بلدان أخرى وعدم تطبيقه في فلسطين".

الفلسطينيات بين أبوية المجتمع والاحتلال

بدورها ترى منسّقة التحرير في منصّة "شريكة ولكن"، مريم ياغي، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أنّ "كلمة "العنف" ضدّ الفلسطينيات قليلة ولا توصّف الوضعية المؤلمة واللاإنسانية التي تعاني منها النّساء الفلسطينيات. فالنساء الفلسطينيات محاصرات بشتّى أنواع العنف، وليس فقط بالآلة الصهيونية الاستعمارية التي لا ترحم رجالاً أو نساء، أطفالاً أو عجّز، ولا تنظر إلى الفلسطيني ككائن حيّ أو إنسان، ووسائل هذه الآلة من أساليب تنكيل وتعذيب، إنّما هنّ محاصرات أيضا ببيئة وقوانين وأحكام قضائية أبوية وأعراف ذكورية".

وبأعقاب حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضدّ النساء، تعتبر ياغي أنّه "يجب أن نستذكر المعاناة الخاصّة التي تمرّ بها النساء الفلسطينيات اللواتي يقفن ويتحدين جبروت هذا الاحتلال ويقاومن بأدواتهن البسيطة ويتحمّلن فوق العنف الأبوي والعرفي القانوني، عنف الاحتلال، ويسجّلن بطولات بالتحدّي والمقاومة ورفض الظلم والاستعمار".

معاناة النساء الفلسطينيات داخل الأسر

وتضيف ياغي "هنا يجب الحديث عن معاناة النساء الفلسطينيات داخل الأسر، في سجون الاحتلال، خصوصاً في ظلّ البروباغندا العالمية التي تحاول في شتّى الطّرق شيطنة أي وجه من أوجه المقاومة التي تمثّل الإرادة الفلسطينية ومن ضمنها إرادة النساء الفلسطينيات، من خلال إعادة بثّ الدعاءات المرتبطة باغتصابات واعتداءات جنسية على مستوطنات إسرائيليات، لذا من الضروري إعادة تذكير المنظّمات الدولية والأمم المتحدة، وأجندات الدول الكبرى التي تطبّع مع هذه الادّعاءات وتساهم في الترويج لها، ومن واجبنا أن نطالبهم بمعرفة ما يحصل في سجون العدو الإسرائيلي الذي يدأب على استخدام أيّ طريقة لإذلال الفلسطينيين والفلسطينيات ولكسر روح المقاومة لديهم. ويجب فضح ما يحصل من اعتداءات جسدية وجنسية ومعنوية. وسمعنا مؤخّراً بالتهديدات التي وجهت للأسيرات بالاعتداء عليهن جنسيا لكسر عزيمتهم".

إعطاء الشرعية للإجرام والعنف

وتشرح ياغي أنّه "إذا استطاعت المرأة الفلسطينية النجاة من العنف الأسري والزوجي والاجتماعي بكافة أنواعه ستبقى محاصرة بعنف الاحتلال الذي يحرمها من حقّها بالحرّية والمقاومة والنضال وحقوقها الإنسانية الطبيعية، ويتسبّب لها بآلام الفقدان الذي تمرّ به النساء الفلسطينيات جرّاء خسارتهن أحد أفراد عائلتهن. كما يحرمها من حقّها من الامومة، بقتل اطفالها. وإذا نجت الفلسطينيات من آلة الغطرسة الصهيونية ستخسر أفراداً من أسرتها. فالامرأة التي تمكّنت من البقاء على قيد الحياة وتمكّنت من النجاة من تحت الأنقاض ومن أيّ عنف كان، هي اليوم تواجه نزوحاً ونقصاً بالموارد الطبية والغذائية والأدوات الصحية. وهذا الحصار الذي تعيشه المرأة الفلسطينية لا يشبه أيّ حصار آخر تتعرّض له النساء حول العالم خصوصا مع التعتيم الإعلامي الحاصل أو التضليل وشيطنة حركة المقاومة التي تعطي شرعية للقتل وللحرمان الذي يخلق لتلك النساء، فالفقد والحرمان الذين تتعرّض لهما النساء يتوازيان مع حركات تضليلية تعطي نوعاً من الشرعية للإجرام والعنف".

تعرية ضحالة الموقف

وتقول ياغي إنّ "تقريب المشهد يعرّي ضحالة الموقف العالمي تجاه ما يحصل في فلسطين. فالفلسطينيات في هذه الحرب يفقدن كلّ شيء، فحتّى النساء الحوامل خسرن أجنّتهن في مواجهتهن للنزوح والتشرّد، بسبب الخوف أو الاستهداف المباشر. وبعضهن وضعن أطفالهن وخسرنهن في الاستهداف المباشر أو بسبب خروج المستشفيات عن الخدمة نتيجة القصف الإسرائيلي. كما أنّ عدداً من المستشفيات لم يستطع الحصول على الرعاية الصحّية اللازمة وهو ما تسبّب في خسارة أرواح النساء الحوامل أو أجنّتهن. وهذه الحرب المضاعفة التي تتعرّض لها النساء الفلسطينيات تجعلهن عاجزين عن توصيف المشهد كما يجب. حيث أنّ بعض النساء اضطررن نتيجة نقص المستلزمات وعدم توفّر المستشفيات في الخدمة إلى إنجاب أطفالهن دون تخدير".

وتشير ياغي إلى أنّ "الاحتفاء باليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ النساء لا يمكن أن يكون حقيقياً ويقي بالغرض من دون النّظر إلى هذه المعاناة التي لا مثيل لها والتي يتعرّضن لها النساء لفلسطينيات". 

وإلى ذلك، يبقى الاهتمام بحقوق المرأة الفلسطينية هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة بأنظمة مجلس الأمم المتحدة، والإيمان فعلاً بما يروّج له من "حقوق نساء"، وحتّى ذلك الحين تبقى معاناة المرأة الفلسطينية تنتظر الاهتمام في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة.