أكثر من 50 ألف شجرة زيتون أحرقت بالكامل جرّاء قصف إسرائيل جنوب لبنان بالقنابل الفوسفورية الحارقة...

 في الوقت الذي كان يحتفل فيه العالم في السادس والعشرين من هذا الشهر باليوم العالمي لشجرة الزيتون، كان لبنان منهمكاً بإحصاء الشجرات المتفحّمة جراء الاعتداءات الإسرائيلية. ولولا "تغريدة" يتيمة على المستوى الرسمي لمدير عام وزارة الزراعة، أشاد بها بأهمّية هذه الشجرة، لكانت المناسبة العالمية مرّت عـ "السكت". والفعل الأخير، بالمناسبة، تحوّل خلال السنوات الماضية إلى "سلاح"، تُنحر فيه الزراعات اللبنانية العريقة، ومنها الزيتون، بـ "قطنة" اللامبالاة.

أكثر من 50 ألف شجرة زيتون أحرقت بالكامل جرّاء قصف إسرائيل جنوب لبنان بالقنابل الفوسفورية الحارقة، وهي جريمة توضع بحسب "لجنة الزيتون في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية"، في خانة "التصرّف الجاهلي غير المسبوق. والذي استحقّت بموجبه إسرائيل لقب الإرهابي الأول والأخطر عبر التاريخ". وتمنّت اللجنة على وزير الزراعة اللبناني "توجيه كتاب الى جميع وزراء الزراعة في العالم يوضح ما تعرّضت له شجرة الزيتون ومزارعيها النبلاء في فلسطين ولبنان من قتل وإحراق وتجريف وإجرام. وأن يدعو جميع الدول إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان المحتل ومنع أيّ تعامل معه".

الجرائم الداخلية بحق قطاع الزيتون

الجريمة المروّعة التي تعرّض لها قطاع الزيتون على يد الجيش الإسرائيلي، لا تقلّ بشاعة عن الجرائم الداخلية المتواصلة، المرتكبة بحقّ هذه الشجرة ومزارعيها. فبالتزامن مع بدء موسم القطاف الذي ينطلق مع نهاية تشرين الأول من كلّ عام، كان الزيتون المهرّب والزيت المغشوش يكتسح الأسواق اللبنانية. "وهذه الحالة التي تتكرّر سنوياً، ترتكبها مافيا لا يزيد عدد أعضائها عن أصابع اليدين، مقابل تضرّر عشرات آلاف المزارعين والملاكة"، بحسب رئيس لجنة الزيتون في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية، جورج قسطنطين العيناتي. كما تعاني هذه الشجرة برأيه من الاقتلاع العشوائي، ومرض عين الطاووس الفطري، ولاسيما في اقضية الشمال نتيجة التلوث والغبار الذي تتسبب بها شركات الترابة".

خلافاً للعديد من الإحصاءات، تقدّر لجنة الزيتون في "اللقاء" وجود أكثر من 20 مليون شجرة زيتون في لبنان تنتج ما بين 400 إلى 450 ألف طن من حب الزيتون في سنوات الحمل الوفير. يستخدم ما بين 75 إلى 100 ألف طن من هذه الكمية كزيتون المائدة، والباقي يُعصر وينتج عنه ما لا يقلّ عن ثلاثة ملايين صفيحة من زيت الزيتون. وبحسب العيناتي فإنّ "كمية الزيت تكفي لبنان حتّى في سنوات الإنتاج القليل، نتيجة كمّيات الزيت غير المصرّف عن العام الذي يسبقه". وبالتّالي يجب على المعنيين العمل بشكل قاطع على وقف إدخال الزيت المهرّب، ليس لأنّه ينافس الإنتاج الوطني بطريقة غير مشروعة فقط، إنّما أيضا لتسبّبه بأمراض خطيرة نتيجة عدم مطابقته للمواصفات العالمية والغشّ الكبير والتزوير في انتاجه وخلطه مع مركّبات قد تكون سامة أو غير صحيّة في الكثير من الأحيان.

ارتفاع كلفة الانتاج

أزمة انتاج زيت الزيتون وتصريفه سواء كان في الداخل، أو تصديره إلى الخارج تضاعفت في سنوات ما بعد الأزمة نتيجة ارتفاع أكلاف الإنتاج في المعاصر وفي اليد العاملة. فأجرة اليد العاملة ارتفعت إلى 15 دولار للفرد الواحد، أي إلى حدود مليون و350 ألف ليرة، فيما أيجار "المكبس" أي المعصرة، لا يقل عن مليون ليرة لكلّ تنكة زيت. هذا عدا عن أكلاف الحراثة التي تجاوزت 10 دولار على الساعة، والتقليم ومكافحة الحشرات ورش المبيدات، ووضع الأسمدة العضوية وغير العضوية. وأمام هذه الواقع بلغ مبيع سعر تنكة الزيت هذا العام 150 دولاراً. وهو رقم تعجز الكثير من الأسر في لبنان عن دفعه لشراء الزيت.  

ممارسات زراعية ضارة

مشاكل قطاع الزيتون في لبنان لا تنحصر بإهمال الدولة، إنّما ترتبط بشقّ أساسي منها بـ "الممارسات الحقلية للمزارعين، وطريقة العصر، ونوع المعاصر التي يقصدونها، وكيفية تخزين الزيت وتوضيبه وتعليبه وتغليفه، والتوقيت الأنسب للعصر.."، بحسب أحد المنتجين والمصدّرين لزيت الزيتون وليد مشنتف. "خصوصاً إن كان الهدف تصدير المنتج إلى الخارج. وهو الأمر الذي يتطلّب توعية من قبل الأخصائيين في هذا المجال، سواء كان من قبل جهات رسمية أو خاصّة، على غرار الجمعيات والجهات المانحة والمؤسسات الدولية التي تعنى بالزراعة بشكل عام". إذ من المهمّ تطوير هذه الزراعة والصناعة المصاحبة لها، لتتوافق مع متطلّبات الأسواق العالمية. "إلّا أنّه للأسف هناك العديد من أنواع الزيت المنتجة داخلياً لا يمكن تصديرها على أنّها ذات جودة عالية أو بكر extra virgin، وذلك لعدم مطابقتها المواصفات ومراعاة الأصول"، بحسب مشنتف. "وهي أصول يجب ان يتبعها المنتج إذا أراد تصدير انتاجه للوصول إلى نتيجة إيجابية". بالإضافة إلى ذلك يسجّل عجز الدولة عن تأمين الفحوصات المناسبة واللازمة للتأكّد من مواصفات الزيت في المختبرات لتسهيل عملية بيعه.  وعادة ما تكون هذه الفحوصات مرتفعة الثمن ولا قدرة للمزارعين على اجرائها من دون دعم. وفي جميع الحالات هناك عجز عن تطوير الإنتاج سواء كان لجهة النوعية او الأسعار.

مطالب قديمة جديدة

أمام هذا الواقع دعا العيناتي وزارة الزراعة لتنفيذ جملة من المطالب، وأهمها:

- التأكيد على قرار منع استيراد زيت الزيتون وحبّ الزيتون وعدم إعطاء أيّ إجازات استيراد.

-  تطهير دوائر الدولة من عملاء مافيا استيراد وتهريب زيت الزيتون خاصة الذين يسوّقون لاستيراد الزيت والذين يعطون شهادات منشأ لبناني للزيت الأجنبي المستورد أو المهرّب فيعاد تصديره على أنّه زيت لبناني. الأمر الذي يشكّل أكبر ضربة للزيت اللبناني.

-  الفصل بين إعادة تصدير الزيت المستورد والمهرّب باسم الزيت اللبناني الذي يجب منعه نهائياً وبين كمّيات الزيت اللبناني التي يصدّرها بعض المزارعين والجمعيات الى الجاليات اللبنانية عبر الحدود.  هذا الزيت اللبناني المنشأ يجب دعمه ومساعدته على الاستمرار وإعفائه من جميع الرسوم والتكاليف وخاصّة رسوم الفحوص المخبرية.

- إلغاء ما يسمّى منطقة حرّة موجودة في مستودعات أحد التجار قرب طرابلس يدخل إليها الزيت المستورد ويعاد تصديره باسم الزيت اللبناني بعد بيع قسم منه في الأسواق اللبنانية وإعادة البراميل مملؤة بالماء.

-  تغيير المواصفات التي تشرّع الغش وإلزام التجار على كتابة عبارة زيت مخلوط على العبوات التي تحتوي زيتا مكرّراً، والتي تباع على نطاق واسع في المحلات والسوبرماركت تحت اسم (زيت الزيتون).

- إلزام شركتي الترابة في شكا والهري بمكافحة مرض عين الطاووس الفطري في جميع الاراضي اللبنانية بعد تحول مقالع التراب الاحمر التي حفرتها داخل سهل الكورة الى بحيرات أدّت الى ازدياد الرطوبة واستفحال مرض عين الطاووس بشكل هو الأخطر في العالم.

- اتخاذ قرار شراء الجيش والقوى الامنية والجمعيات الخيرية لحاجتهم من زيت الزيتون من مزارعي الزيتون بشكل سنوي بدءاً من أول الموسم المقبل.

- إلزام المطاعم على اختلاف مستوياتها بالتصريح والتوضيح للمستهلك عن نوع الزيت الذي تستعمله. خصوصا إنّ 90 بالمئة ممّا تشتريه المطاعم هو عبارة عن زيت بذور نباتية مستورد ملون بتلوينات كيميائية. إذ لا يتجاوز ثمن التنكة الـ 40 دولار.

- تفعيل مختبرات كشف غش زيت الزيتون بسعر رمزي.

-  زيادة المساحة المزروعة وغرس عشرة ملايين شجرة زيتون مطعّمة غير مجذّرة لتشكّل صمام الأمن الغذائي والدرع البيئي الذي يحمي لبنان من مخاطر التلوّث الرهيب الذي يلفّه لأنّ كل شجرة زيتون تنتج حوالي 980 كيلو أوكسجين يومياً.

-  منع استيراد أغراس الزينة وسائر الاغراس الناقلة للبكتيريا القاتلة للزيتون من جميع الدول ومنع استيراد جميع المنتجات النباتية من الدول التي سجل فيها انتشار للبكتيريا Xylella fastediosa بعد أن سجّل ظهورها في قبرص.

-  إنشاء أسواق خاصّة بزيت الزيتون وحبّ الزيتون في المدن اللبنانية من المزارع إلى المستهلك مباشرة.

-  إيقاف تدمير غابات الزيتون التراثية وإيقاف زحف المقالع وغابات الأبنية على غابات الزيتون التراثية كما حدث في الشويفات وابي سمرا ويحدث الآن في الكورة.

إنّ تخصيص منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) شجرة الزيتون بيوم عالمي لم يكن عبثيّاً. إذ يهدف هذا اليوم لـ "التشجيع على حماية هذه الشجرة وتعزيز القِيم التي ترمز إليها، وإجلالها لما تقدّمه من فائدة للبشريّة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيئي".. إلاّ أنّ غصن الزيتون الذي بشر نوح بعودة الحية، يُكسر عمداً في لبنان إيذانا بالموت المحتوم والقضاء على السلام.