اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب 1949، لم تتضمن أيّ شروط تتعلّق بالرجال، على عكس الأطفال والنساء...
انهالت في الآونة الأخيرة سلسلة تعليقات وتصريحات لرؤساء دول كبرى، طالبوا إسرائيل بوقف قتل الأطفال في غزة، وكأنّ صحوة ضمير ضربت عقول هؤلاء، أو خوفهم من أن تقلب أحداث غزّة الر~أي العام في بلادهم فينقلبون هم بدورهم عن عروشهم، خصوصاً بعد أن توسّعت رقعة الرّأي العام الأجنبي المدافع عن فلسطين، والمطالب بتحريرها وبوقف أعمال العنف وجرائم الإبادة والحرب الحاصلة ضدّ الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين.
وفي مقدّمة هؤلاء الرؤساء يأتي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي دعا إسرائيل إلى التوقّف عن قتل النساء والأطفال في غزة خلال مقابلته مع قناة بي بي سي البريطانية، مشيرا إلى أمله في أن ينضمّ قادة الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الدّعوة لوقف إطلاق النار. وقال ماكرون "لا يوجد مبرّر للقصف، وقف إطلاق النّار سيفيد إسرائيل، وهؤلاء الأطفال، والسيدات، والمسنّين يتعرّضون للقصف والقتل. ولذلك ليس هناك سبب لذلك ولا شرعية. لذلك نحن نحثّ إسرائيل على التوقف".
وبدوره حثّ رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إسرائيل على ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس"، مشدّداً على "ضرورة وقف قتل النساء والأطفال والرّضع".
وأتت تصريحات ترودو قبيل اقتحام الجيش الإسرائيلي مجمّع الشفاء الطبي، وهو الأكبر في القطاع الفلسطيني.
وأضاف أنّ "المأساة الإنسانية التي تتكشّف في غزة تدمي القلب، خصوصاً المعاناة التي نراها في مستشفى الشفاء ومحيطه".
وقال ترودو "العالم يتابع عبر شاشات التلفزة وعبر منصّات التواصل، نسمع شهادات الأطبّاء، أفراد العائلات، الناجين، الأطفال الذين فقدوا أهلهم.. العالم يشهد هذا القتل للنساء والأطفال والرّضع، هذا يجب أن يتوقف".
وكان قد تخطى عدد القتلى الفلسطينيين في غزة الـ 13 ألف قتيل، 70% منهم من الأطفال والنساء.
الرجال بين المدنيين والمحاربين
وإلى ذلك سؤال يطرح، لماذا ندين قتل الأطفال والنساء في الحروب ولا ندين قتل الرجال؟ بل نشمل هؤلاء بين الضحايا المدنيين أو الشهداء الجنود. فلا تخصص لهم إحصاءات أو أرقام؟ فحتّى اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب 1949، لم تتضمن أيّ شروط تتعلّق بالرجال، على عكس الأطفال والنساء. حيث اكتفت بوصف هؤلاء بالمدنيين.
في هذا الإطار تقول منسّقة التحرير في منصّة "شريكة ولكن"، مريم ياغي، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" إنّه "بأي قضية نتناولها ومن منطلق إيماننا بأنّ المنظومة الأبوية تقوم على استهداف واستضعاف والاستقوا على أطراف أخرى، وبأيّ قضية نتناولها يكون محلّ تفكيكنا النسوي الفهم العميق لعلاقات القوة، وهو المفتاح للفكر النسوي، من هذا المنطلق إدانة قتل أيّ طرف بالحروب مرتبط بعلاقات القوّة. فهل إدانة قتل الرجال هي محطّ اهتمام في تفكيكنا النسوي؟ إن ذلك يقوم على هذا المعيار بشكل رئيسي أي على مدى انخراط ومشاركة الرجال في هذه القوّة، ولا يعنى بالقوة المقاومة أو مواجهة الاضطهاد والاستعمار بل استخدام القوة للسيطرة على الطّرف الآخر. وبالتالي إدانة قتل الرجال بأيّ حرب كانت يتعلّق بشكل رئيسي بما هي هذه الحرب ومن يقودها ومن هو المعتدي ويمتلك مصادر القوة ويصادرها، وهو المحدّد الرئيسي لإدانة قتل الرجال الذين يسقطون جراء هذه الحرب أو عدم إدانة قتلهم".
استخدام النساء والأطفال في وجه المقاومة
وتلفت ياغي إلى أنّه "وبنموذج المقاومة الفلسطينية، فنحن كنسويات متمسّكون بهذه المقاومة، ولم ننتهج كمنظمة النهج التقليدي المعتمد من قبل المنظّمات "الإنسانية"، لكونه نهج يستخدم من الدول الاستعمارية لإرسال رسالة بأنّ الرجال الذين يسقطون في سبيل هذه القضية لا قيمة لهم، بل هم من جنوا على أنفسهم، وهم إرهابيون، ونحن نقاتلهم ونحاول تخليص النساء منهم، والنساء والأطفال هم الضحايا الوحيدين في هذه المعركة. وهو ما لا نعترف به كنسويات في حروب الاستعمار. حيث هناك فرق بين حروب يقودها الرجال طمعاً بالسلطة، وأخرى يقودونها دفاعاً عن أسرهم وأرضهم ونسائهم وأطفالهم، وهي حرب مشروعة. ففي الحالة الأولى النساء والأطفال هم العنصر العاجز في هذه المعركة والقوة تكون في يد الرجال المنخرطين، ونتيجة ذلك يسقط العديد من الأطفال والنساء والعجّز ضحايا لهذه الحرب ولا خيار لهم فيها، ولا يشاركون فيها بل يكونون متوتّرين وخائفين لا قرار لهم. أمّا بالحالة الثانية (حروب الاستعمار) فالوضع مختلف".
"لذلك نرفض أن يتمّ استخدامنا كنساء في الإعلام بوجه الحركات النضالية وحركات المقاومة"، تضيف ياغي، "حيث تسعى دائماً سرديات الاحتلال إلى تصوير الرجال في المعارك المحقّة والمعارك ضدّ الاستعمار والاحتلال، بصورة تهميشية تحقيرية، بصوة الإرهابيين والهمجيين كي يقلّ التعاطف معهم وكأنّهم يستحقون القتل. لذلك نسعى لعدم استخدامنا كسلاح بوجه حركات المقاومة ونسعى لتثبيت موقفنا النسوي بأنّنا نصدق الحركات المقاومة، التي ليس لديها قدرة على الوصول إلى مصادر القوة، وسلبت منها القوة والثروات والأرض والإعلام وحتى الحقّ بأن يطرحوا سرديّتهم المحقة، لذلك نسعى كي لا يتمّ استثمارنا لإعادة خلق سردية للاحتلال تبرّر قتل وإبادة المقاومين المواجهين للاحتلال والاستعمار، ومن حقّ هذا المجتمع أن يثور بالطريقة التي يراها مناسبة ومن واجبنا التعاطف معهم بالطريقة التي يستحقّونها وبالتالي ننعيهم كما ننعي النساء والأطفال لانّهم بدورهم سلبت منهم إراداتهم ومصادر القوة، واستدرجوا إلى هذه الحرب، وفرضت عليهم هذه الحرب وتمّ الاعتداء على حرّيتهم، فنحن بمعركة تعبير وحرية وقوة، وعندما تسلب هذه الحقوق من الرجل فمن حقّه أن تروى سرديّته وأن يقال بأنّه يقتل ظلماً وأنّه يقاوم لاسترجاع حقوقه. من الحرّية والأرض والثروات...".
متى يجب أن ندين قتل الرجال ومتى لا؟
وتلخص ياغي المشهد بأنّه "لدينا اليوم رجال جزء من القوة والسلطة والمعركة ورجال جزء من الاضطهاد والمظلومية وزجوا في المعركة. والرجال الذين يدافعون عن السلطة بهدف تمسكها بالتسلط وبسياسات عنصرية وفاسدة استقوائية فهؤلاء لا ندين قتلهم حيث أنّ الإدانة يجب أن تذهب إلى المسلوبين الإرادة والحرية وقدرتهم على المقاومة ولا يملكون القدرة على المقاومة وهؤلاء في أغلب الأحيان هم من النساء والأطفال والمسنّين".
"أمّا الجزء الثاني من الرجال فهم الذين يدخلون الحرب للدفاع عن الحقوق والممتلكات ولاسترجاع المساحات العامة والخاصة، تتابع ياغي"، "وهنا يدخل هؤلاء بمعارك شرسة ودموية ويدفعون أثمانا باهظة لأنّهم يدافعون عن حقوقنا وحقوقهم. وهذ هي المعارك التي نؤمن بها ونرى أنّها ضرورية، ومن واجبنا كإعلام أن نضمن سرديات هؤلاء الرجال في تغطيتنا الإعلامية وأن نضمن أنّهم يدفعون أثماناً باهظة في سبيل استعادة الحقوق من الاستعمار. فالمعركة النسوية هي معركة ضد الاضطهاد والظلم. ومن واجبنا أن نرثي الرجال ونفجع على فقدهم وننقل قصصهم ونرفض تحويلهم إلى أرقام (حتّى الأرقام لا تذكر في السردية الغربية) فهؤلاء لا يستحقون الموت لأنّهم يقاتلون من أجل حياة آمنة خالية من القوى الاستبدادية. لذلك يجب تغطية قتل الرجال، فنحن لا نقبل ممارسة الأبوية من قوى الاستعمار عبر منصّاتها وأدواتها الإعلامية الخطاب الأبوي بأنّنا مسلوبات الإرادة ومستضعفات بينما إرادتنا تتقاطع وتتجانس مع إرادة الرجال وخيارنا هو رفض هذا الاعتبار وبالتالي سرديتنا هي سردية مشتركة لكلّ من يرفض هذا الاستعمار".
وختمت بالقول "نحن كنسويات سياستنا هي سياسة مقاومة، وإيماننا هو مطلق برفض الظلم ونحن نريد أن نخوض معركة تحرير الأرض بالدول التي تتعرّض للاستعمار والاحتلال ولا نقبل أن تفرض منظمات الاستعمار والدول المستعمرة طريقة تغطية إعلامية تخدم أجندتها بمحاولة شيطنة المقاومات وتحديداً المقاومة الفلسطينية ولا نقبل أن يفرضوا علينا طريقة القضايا المحقّة والعادلة، ولا أن يعلّموننا كيف علينا تحرير أنفسنا من أيّ نوع من الاحتلال، ولا أن يشيطنوا حركة المقاومة من خلالنا للتغطية على المذابح التي يرتكبونها بحقّ أهل الأرض والتاريخ، لا بل سنبقى نساند أيّ حركة مقاومة مهما كان جنسها، وسنحاسبهم في تغطيتنا على استغلالهم لحقوقنا كنساء".