بقلم: بتول اللو، أخصائية التغذية
في البيئات التي تشهد تحدّيات جمّة، كالمناطق المتأثّرة بالنّزاعات أو الكوارث الطبيعيّة، قد يصبح الحصول على الغذاء مسألة بقاء، وتُصبح سلامة الغذاء والنظافة الشخصية أموراً قد تُهمل على نحو غير مقصود. ندرك تمام الإدراك أنّ النجاة هي الأولوية القصوى في هذه الأوقات العصيبة، ولكن، من خلال هذا المقال، نهدف إلى تقديم نصائح واقعية لضمان التغذية السليمة.
إن إغفال معايير سلامة الغذاء والنظافة يمكن أن يؤدّي إلى مخاطر صحّية جسيمة، بما في ذلك تفشي الأمراض المنقولة عبر الغذاء والتي قد تزيد من معاناة المجتمعات المتضرّرة بالفعل. إنّ الحفاظ على هذه المعايير لا يساهم فقط في تجنّب المخاطر الصحية، بل هو أيضاً خطوة أساسية نحو استعادة شيء من الطمأنينة والنّظام في ظلّ الفوضى.
فهم البيئات المعرّضة للخطر
البيئة المُختلّة أو المعرّضة للخطر هي تلك البيئة التي تعاني من نقص أو تدهور في البنية التحتيّة الأساسية، مثل المياه النّظيفة، والصّرف الصحّي، والخدمات الصحّية، والتي غالباً ما تتأثّر بالصّراعات العنيفة أو الكوارث الطبيعية. هذه الظروف تشكّل تحديات جسيمة لسلامة الغذاء، حيث يمكن للمسارات المعتادة لإمداد الغذاء أن تنقطع أو تتدمّر، ممّا يجعل الحصول على الغذاء الآمن أكثر صعوبة. كما يمكن أن تُسهم الظروف غير الصحّية في زيادة خطر التلوّث الغذائي وتفشّي الأمراض المرتبطة بالغذاء، الأمر الذي يتطلّب تدابير وقائية واستجابات سريعة لضمان السلامة الغذائية.
المبادئ الأساسية لسلامة الغذاء
تُعتبر المبادئ الأساسية لسلامة الغذاء حجر الزاوية للحفاظ على صحة الإنسان، وهي تشمل: النظافة، الفصل، الطهي بشكل جيد والتبريد السليم. في الظروف التي لا تُعد مثالية، مثل تلك النّاتجة عن الأزمات أو النزاعات، يتوجّب تكييف هذه المبادئ لتتناسب مع الواقع المُعاش.
على سبيل المثال، يمكن استبدال المياه الجارية بالمياه المُعقمة أو المغلية للنظافة، واستخدام أسطح مفروشة بأوراق نظيفة لفصل الأطعمة وتجنّب التلوث المتبادل. يُمكن تطبيق الطهي الجيد من خلال استخدام تقنيات بديلة كالطهي الشمسي في حال عدم توفر الوقود. وأمّا التبريد، فيُمكن اللجوء إلى طرق تقليدية كالتخزين تحت الأرض أو في مواقع باردة للحفاظ على الطعام في ظروف أقل من المثالية.
ممارسات النظافة في تحضير الطعام
تلعب النظافة الشخصيّة دوراً حاسماً عند تحضير الطّعام للوقاية من الأمراض المنقولة عبر الغذاء. يجب غسل اليدين بانتظام، واستخدام معقّمات اليد إذا كانت المياه نادرة. استخدام الأدوات المطهّرة أو الكحول لتنظيف الأسطح والأواني يُمكن أن يساعد في تقليل خطر التلوّث. في حالة محدودية الموارد، يمكن استخدام الرماد أو الرمل لفرك الأيدي والأواني لإزالة الأوساخ والجراثيم. تغطية الطعام والحفاظ عليه بعيداً عن الحيوانات والحشرات يُعدّ أيضاً جزءاً مهمّاً من ممارسات النظافة في تحضير الطعام.
توفير واستخدام المياه الآمنة
يُعتبر توافر المياه النظيفة أمراً بالغ الأهمية لضمان سلامة الغذاء. يُمكن تنقية المياه بعدّة طرق مثل الغليان، استخدام أقراص التعقيم، أو الفلاتر المحمولة. للحفاظ على المياه عندما تكون الموارد محدودة، من المهم جمع مياه الأمطار واستخدام أساليب مثل التبخير الشمسي لتعقيمها. تخزين المياه في حاويات نظيفة ومغطاة يمكن أن يساعد في الحفاظ على نقائها لاستخدامات مثل الطهي وتحضير الطعام.
تقنيات تخزين الأغذية الآمنة
لتخزين الطعام بأمان ومنع التلف والتلوّث، خصوصاً في غياب التبريد، يمكن استخدام عدة طرق مثل:
- التخزين الجاف: حفظ الحبوب والبقوليات في حاويات محكمة الإغلاق لحمايتها من الآفات والرطوبة.
- تخزين الخضراوات الجذرية: تخزين الخضراوات الجذرية في مكان بارد ومظلم ورطب قليلاً مثل قبو أو صندوق معزول مدفون تحت الأرض.
- التدخين والتمليح والتجفيف: هي طرق تقليدية لتقليل الرطوبة في الأطعمة مثل اللحوم والأسماك، مما يعوق نمو البكتيريا التي تسبب التلف.
- استخدام المواد الحافظة الطبيعية: الملح والسكر والخل أو الزيوت يمكن أن تحفظ بعض الأطعمة عن طريق خلق بيئة غير ملائمة للبكتيريا.
إدارة المواد الغذائية أثناء الطوارئ
في حالات الطوارئ، تتطلّب إدارة المواد الغذائية تقنين استراتيجي واستخدام حكيم للموارد المتاحة. من الضروري:
- ترتيب استهلاك الأغذية بناءً على سرعة تلفها، بحيث يتم استهلاك الأطعمة الطازجة أولاً وتخزين المواد غير القابلة للتلف لوقت لاحق.
- تطبيق السيطرة على الحصص لتمديد مدة استخدام المواد الغذائية.
- استغلال كافة أجزاء الغذاء لتقليل الفاقد؛ على سبيل المثال، يمكن استخدام قشور الخضراوات لصنع المرق.
- الاعتماد على المواد غير القابلة للتلف مثل المعلبات، البقوليات المجففة، الحبوب، والحليب المجفف، والتي تتمتع بفترة صلاحية طويلة وتوفّر العناصر الغذائية الضرورية.
برامج التوعية التعليمية ومشاركة المجتمع
تلعب برامج التوعية التعليمية ومشاركة المجتمع دوراً محورياً في تعزيز ممارسات سلامة الغذاء. من خلال تثقيف الأفراد حول أهمية النظافة الغذائية وكيفية تنفيذها، يمكن رفع مستوى الوعي وتقليل الإصابات بالأمراض المتعلّقة بالغذاء. كما يُسهم تشارك المعرفة في بناء مرونة المجتمعات، خاصةً تلك التي تعيش في ظروف صعبة، بحيث تصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات المتعلقة بسلامة الغذاء وتأمينه. تُعدّ المبادرات الجماعية، مثل ورش العمل والدورات التدريبية، وسائل فعّالة لنشر المعلومات والمهارات الضرورية لحماية الصحة العامة.
في ختام هذا المقال، تجدر الإشارة إلى أهمية النظافة وسلامة الغذاء كعنصر أساسي في الحفاظ على الصحة، خصوصاً في البيئات المُختلة. تم التأكيد على ضرورة الاعتماد على الممارسات الصحيحة لتحضير وتخزين الغذاء، استخدام المياه الآمنة، تقنين الموارد الغذائية في حالات الطوارئ، وأهمية البرامج التعليمية ومشاركة المجتمع. يجب أن نسعى جميعاً لتطبيق هذه الممارسات بشكل استباقي لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من المخاطر الصحية المحتملة.