المقاطعة كسلاح فعال للتعبير عن التضامن مع القضايا العادلة ودعم المطالب المحقّة...

شهدت المنصّات العربية والعالمية دعوات وحملات لمقاطعة بعض العلامات التجارية التابعة لشركات متعدّدة الجنسيات، بسبب دعمها أو دعم وكلائها لإسرائيل. فمنذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول أعلن بعض وكلاء العلامات التجارية في إسرائيل تقديم الدعم للجيش الإسرائيلي في عدوانه المستمر على غزة.

وعلى سبيل المثال، أعلن وكيل سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأميركية للوجبات السريعة في إسرائيل، عن دعم جيش الاحتلال بنحو 4 آلاف وجبة يومياً.

بينما نشر حساب برغر كينغ في إسرائيل على فايسبوك صوراً لتوزيع وجبات مجانية على الجنود هناك، وكتب على المنشور باللغة العبرية، قائلا، "خرجنا لتقوية الأمة فرقنا تعمل بجد لمواصلة التبرّع بآلاف الوجبات لأبطالنا، برغر كينغ يرسل التعازي إلى عائلات الضحايا".


ومن جانبها نشرت "دومينوز بيتزا" مقاطع مرئية لعلم إسرائيل علّقت عليه باللغة العبرية، "من يستطيع أن يهزمنا"؟، ونشرت فيديوهات لتوزيع البيتزا على جنود الاحتلال.

"بيتزاهت" ومتاجر كارفور في تل أبيب قدّمتا، أيضاً الدعم للجيش الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاماً.


ومع انتشار صور ومقاطع دعم الوكلاء للجيش الإسرائيلي، بدأ روّاد العالم الافتراضي في العالم العربي والغربي بنشر العلامات التجارية التي يجب مقاطعتها، والبدائل عنها في الأسواق المحلّية. حتّى أنّهم صمموا صوراً لهذه العلامات التجارية، وعليها دماء أطفال غزّة، كنوع من التعبير الكاريكاتوري عن مساهمة هذه الشركات بسفك دماء الأطفال والمدنيين الفلسطينيين.


وحتّى أصحاب الشركات والمقاهي المحلّية بدأوا بالبحث عن بدائل للمنتجات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي.

حملات المقاطعة في الدول العربية والأجنبية

انطلقت في مصر منذ اندلاع الحرب على غزة، دعوات لتنفيذ مقاطعة واسعة لمنتجات الشركات الأجنبية والماركات العالمية. وتمّ تداول قوائم على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمّ أسماء المنتجات التابعة للشركات التي تواجه ذلك الاتهام، مع مطالبات بمقاطعتها وشراء المنتجات المحلّية بدلاً منها.


وشهدت الأيام الماضية إعلان الكثيرين عن استجابتهم لحملة المقاطعة والبحث عن المنتجات المحلية.


وفي ذات الوقت تحرّكت العديد من الشركات المحلية للإعلان عن منتجاتها والاستفادة من الزخم المصاحب لحملة المقاطعة، كشركة مشروبات غازية مصرية تأسست منذ عام 1920، أعلنت أنّها حققت مبيعات ضخمة أخيراً وستفتح خطوط إنتاج جديدة وتعمل على تحسين منتجاتها بشكل أكبر.


فيما دفعت المقاطعة العديد من الماركات العالمية للإعلان عن تخفيضات كبيرة في أسعار منتجاتها، وتحدّث البعض عن تكبّدها خسائر بملايين الدولارات.

بينما لجأت شركات أخرى، مثل ماكدونالدز، لإصدار بيانات تؤكد عدم دعمها لأي دولة أو جهة حكومية ورفضها تماماً للعنف.

وفي تركيا، تتوسّع حملات مقاطعة الأتراك للشركات الأميركية والأوروبية الداعمة لإسرائيل، بالتوازي مع المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحقّ المدنيين في غزّة، لتدخل أطوار توعية الشباب وابتعادهم عن المحال والمقاهي المستهدفة بحملات المقاطعة، منها مطاعم ماكدونالدز وسلسلة "ستاربكس" التي تدعم الاحتلال، مع تعليق ملصقات تجذب انتباه الناس لأهمّية المقاطعة الاقتصادية.

وعلّقت تركيا جميع اتفاقات الطاقة مع إسرائيل فيما أبقت على العلاقات الاقتصادية الأخرى، كما ألغى وزير الطاقة التركي زيارة إلى تل أبيب.

وانتقلت حملات مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل إلى البلدان الغربية، حيث بدأ ناشطون غربيون يروّجون لتكثيف الحملة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وارتكاب الاحتلال المزيد من المجازر بحق المدنيين.

وشارك مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في الغرب مقاطع فيديو لشرب القهوة، وكتبت ناشطة: "اختاروا مقهى محليًا بدلاً من ستاربكس".

وقالت ناشطة أخرى في مقطع فيديو مصوّر: "أريد القول إنني كنت أعمل في ستاربكس، وقدّمت استقالتي. وأرغب في أن أعلمكم أنه في الأيام القليلة الماضية، سجلنا انخفاضًا كبيرًا في عدد الزبائن والطلبات التي كانت تصلنا".

وقام بعض المؤثرين أيضًا بإعلان مقاطعة "ستاربكس" بطرقهم الخاصة، بما في ذلك تغيير أسمائهم عند طلب القهوة في مقاهي "ستاربكس" وإعطاء أسماء ذات صلة بقضية فلسطين، حيث ظهر أحد المؤثرين في مقطع فيديو وهو يجيب على سؤال إحدى النادلات في المقهى الشهير عن اسمه: "اسمي فلسطين حرة"، لتصدر هذه الأخيرة فاتورة نقدية تحت هذا الاسم، قبل أن يحتفظ فيها، ويقوم بسكب القهوة في سلّة النفايات.


وتمثل هذه الحملات محاولة للمساهمة في دعم القضية الفلسطينية والمظاهرات التضامنية مع غزة.

الحكومات طبّعت أمّا الشعوب فلا

وفي هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديثه لموقع "الصفا نيوز" إنّه " قبل أن تبدأ معاهدات السلام بين الدول العربية وإسرائيل كان هناك مقاطعات عربيّة شاملة لكلّ المنتجات الإسرائيليّة، وكانت مقاطعة رسميّة من قبل الحكومات ومن قبل الشعوب، وهذه المقاطعة كانت تمتد لتشمل كلّ الشركات التي قد يكون لها علاقة أو شراكة أو تعاون خاص مع إسرائيل. وهو ما انتهى بعد معاهدات السلام والتطبيع. إلاّ أنّه وعلى الرّغم من الانفتاح الرسمي للحكومات على هذه الشركات، بقي هناك نوع من المقاطعة الشعبية ولو جزئيّة للمنتجات الإسرائيلية تحديداً. وحتّى الشركات الإسرائيلية التي دخلت على دول عربيّة طبّعت مؤخراً مع إسرائيل كانت تلاقي نوعاً من المقاطعة الشعبية غير المعلن عنها، حيث أنّ شعوب الدول التي طبّعت مع إسرائيل لم تتآلف مع المنتجات الإسرائيليّة، ولم تكن موافقة على مسار التطبيع".

وأضاف فرح "ولكن على صعيد الدول العربيّة، ليس هناك أيّ دولة عربيّة قاطعت رسمياً أيّ شركة عالميّة تتعاون مع إسرائيل. إلاّ أنّ المقاطعة اليوم هي مقاطعة شعبيّة. وتمتدّ هذه الظاهرة من الدول العربيّة لتشمل الدول الأوروبية، التي برزت فيها مقاطعة المنتجات الإسرائيلية على وجه الخصوص. وهو ما جعل بعض المتاجر والمؤسسات تتحاشى وضع سلع مكتوب عليها "صنع في إسرائيل" كي لا تطالها المقاطعة الشعبيّة".

واعتبر أنّ "المقاطعة الشعبيّة للشركات المتعددة الجنسيّات، والتي بمعظمها أميركيّة ليست فعّالة اقتصادياً، إلّا إذا حصلت على مستوى دول، أي من خلال المقاطعة الشاملة، حيث أنّ على هذه الأخيرة (دول عربيّة وأجنبيّة) قطع علاقتها بأيّ شركة متعددة الجنسيات تتعاون مع إسرائيل، لتتمكّن من تحقيق تأثير فعلي على اقتصاد وأرباح هذه الشركات".

ورأى فرح أنّه "في المرحلة المقبلة قد يزيد التعاطف الشعبي العربي والدولي، وبالتالي سنشهد معه ارتفاع نسب المقاطعة خصوصاً للمنتجات الاسرائيليّة، وقد تتسع هوّة المقاطعة الشعبيّة للمنتجات الإسرائيلية وحتّى الأفراد الإسرائيليين. أمّا الشركات العالميّة، فقد تشهد خسائر في المرحلة المقبلة، إلاّ أنّ اقتصادها سيعود إلى حالته الطبيعيّة بعد فترة قصيرة".

خسائر الاقتصاد الاسرائيلي

أظهر مسح نشره المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل أنّ عائدات نحو نصف الشركات الإسرائيلية تشهد انخفاضاً كبيراً أثناء حرب إسرائيل مع حركة حماس في قطاع غزة.

ومن بين أكثر القطاعات تضرّراً الإنشاءات والخدمات الغذائية، إذ أشار أكثر من 80 % ممن شملهم المسح أنّ الإيرادات انخفضت بأكثر من 70 %. وكانت الشركات الصغيرة هي الأكثر تضرراً.

وتواجه إسرائيل نقصاً في عدد العمال بعد استدعاء مئات الآلاف من الإسرائيليين للخدمة العسكرية الاحتياطية. وقال نحو 11 % من الشركات إنّ 21 % من عمالهم تمّ استدعاؤهم للخدمة العسكرية.

وكان بنك إسرائيل المركزي قد خفّض توقعات النمو لاقتصاد البلاد إلى 2.3 % خلال العام الجاري، مقابل 3 % في توقّعات سابقة.

من جانبه، توقّع بنك "جيه بي مورغان تشيس"، أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11 % على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، متأثّراً بالصراع الدائر في غزة.

وأعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، أنّ الأضرار التي لحقت بالموازنة بلغت حوالي 8 مليار دولار موزعة على الشكل التالي: 5 مليارات دولار كلفة السلاح والحرب، 2.5 مليار دولار، لتمويل إخلاء السكان ودعم السلطات المحلية، مشيرة إلى أنّ هذه التكلفة لا تشمل الأضرار المباشرة.

إن نفقات القتال في اليوم الواحد تبلغ نحو 250 مليون دولار وسيزداد الإنفاق الإجمالي مع استمرار القتال.

وقدّرت المالية أنّ الأضرار التي لحقت بالناتج المحلّي الإجمالي في الاقتصاد تصل إلى نحو 2.5 مليارات دولار وهذا يعني أنّ النمو في إسرائيل سوف يتباطأ بشكل ملحوظ في ما تبقّى من العام.

ورفع وزير المالية الإسرائيلي عجز الموازنة للعام الجاري إلى 4 % بدلا من 1.5%، وبنسبة 5% عام 2025.

كلّ منّا يناضل بطريقته، فإن كنّا نشعر بالعجز، وأنّه ليس بيدنا حيلة، ولا يمكننا أن نفعل شيئا حيال الظلم والاضطهاد والاجرام الإسرائيلي الممارس بحقّ الفلسطينيين، فعلى الأقلّ تبقى المقاطعة وسيلة وسلاحاً قويّا بإمكاننا اللجوء إليه لإثبات موقفنا من القضية.