أنهى باسيل مبادرته التشاورية دون أن يحيطها بصيغة محدّدة أو يطلب موقفاً معيناً من أيّ جهة

حين انطلق رئيس التيار الوطني جبران باسيل في جولته التشاورية، كان الهدف كسر الجمود الذي يعتري الملفّ الرئاسي، وتأمين موقف لبناني وطني موحّد حيال تعرّض لبنان لأيّ اعتداء إسرائيلي، ودعم حزب الله في المواجهات التي يخوضها ضدّ الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلّة. لم يحمل مبادرة ولا صيغة محدّدة، لا في الرّئاسة ولا في غيرها، بل قصد التواصل مع الجميع للارتقاء إلى كلمة سواء، تحمي لبنان في الظّرف الدقيق الذي تعيشه المنطقة على وقع الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزّة. ركّزت جولته التشاورية على عدّة بنود تمحورت حول الموقف الوطني الموحّد تجاه الحرب على غزة واحتمالات تمدّدها، انتخابات رئاسة الجمهورية، النازحين السوريين ومنع استخدام لبنان كمنصة للمسلّحين الفلسطيين، بل دعم مقاومة الفلسطينيين على أرضهم.

بالترحاب والثناء استقبل باسيل. الخصوم السياسيون ممن قصدهم بادلوه التحية بالمثل، وردّدوا على مسامعه عبارات الثناء. لكنّ أجواء البعض وتسريباته والتي سبقت استقبال رئيس التيار وبعده لم تكن تشي بالخير. فقد حاولت مصادر رئاسة الحكومة إفراغ الزيارة من مضمونها قبل حصولها، وقالت بعدها إنها محاولة من باسيل للعب دور. طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من باسيل أمرين، أوّلهما التمديد لقائد الجيش فترة إضافية وتعين رئيس أركان، وحضور وزراء التيار في الحكومة الاجتماعات التشاورية للوزراء في السراي الحكومي. وافقه باسيل على حضور اجتماعات التشاور، لكنّه رفض التمديد لجوزف عون كموقف مبدئي ووضع مسألة تعيين رئيس الأركان تحت سقف انتخاب رئيس للجمهورية.

في عين التينة ورغم إيجابية اللقاء الذي جمعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلّا أنّ باسيل لم يستطع اقناع برّي بتحريك الجمود الرئاسي والذهاب نحو خيار ثالث بديل عن سليمان فرنجية، مقابل أن يخرج كلّ طرف من تموضعه ويذهب نحو خيار رئاسي ثالث. أكّد بري على دعم فرنجية ورفض فتح أبواب المجلس النيابي قبل التوافق الرئاسي. لم تبدّل التطورات من رأي الثنائي بل زادتهما تمسّكا بخيارهما الرئاسي.

لقاء بنشعي التي قصدها باسيل لزيارة المرشّح الرئاسي سليمان فرنجية بدّد الجليد في العلاقة بينهماعلى المستوى الشخصي، وعلى المستوى السياسي تلاقى الرجلان وتبادلا التأكيد على دعم حزب الله في مواجهة الاعتداءت الإسرائيلية . مصادرهما قالت أنّ التفاهم بينهما كان بنسبة 99 في المئة من الأمور، أهمّها أنّ البلد أهمّ من الموضوع الرئاسي، لكنّ عبارة كهذه لم تعن بالنسبة لفرنجية استعداداً لسحب ترشيحه. رفض الأمر صراحة وقال لضيفه أنّ ترشيحه لا يزال قائماً، وقرار انسحابه رهن الجهة التي رشّحته ودعمت ترشيحه، أي الثنائي الشيعي، لكنه التقى معه على رفض التمديد لخصمهما المشترك قائد الجيش العماد جوزف عون. خارج اللقاء كان قول باسيل رداً على سؤال صحفي "متى انتخب الوزير فسنقف إلى جانبه"!

باسيل الذي التقى النوّاب السنّة وتوافق معهم على مبدأ توحيد الموقف وتحريك الجمود الرئاسي، لم يخرج منهم بجديد رئاسي، لكنّه حقّق موقفاً متقدّماً على مستوى التنسيق مع البلديات في القرى والبلدات السنية من أجل معالجة ملفّ النازحين.

رفضت الكتائب والقوات تحديد موعد لاستقبال باسيل، كي لا يخوضا معه في موضوعي النازحين والموقف الموحّد الذي يمكن أن يفيد حزب الله في حربه دعماً للفلسطييين في مواجهة إسرائيل. قالتها القوات صراحة، نلتقي معك لبحث ملف الرئاسة ولكن ليس لتأمين غطاء سياسي وطني لحزب الله ازاء الحرب الدائرة في الجنوب، ثم شنّ رئيسها هجوماً على رئيس التيار على خلفية أنّه لن يحمل جديداً يستحقّ البحث.

حاول باسيل، وأبدى انفتاحاً على الكلّ حتّى لمن بادله الخصومة في السياسة . لم يحمل أيّ صيغة للحلّ لا رئاسياً ولا غير رئاسي، بل حمل مقترحاً لجلسة نقاش رئاسية لربما تمّ الاتفاق على شخص رئيس يتم انتخابه، وإذا فشل فلتفتح أبواب مجلس النواب لانتخاب رئيس وليفز من يفز، المهم أن ينتخب رئيس ولا يبقى لبنان رهينة انتظار قرار الخارج.

كان لقاؤه مع رئيس الحزب التقدمي السابق وليد جنبلاط الأكثر نجاحاً، حيث التقى الجانبان على أكثر من رأي مشترك سواء على شجب الحرب الاسرائيلية على غزة ودعم حزب الله متى توسّعت المواجهات إلى لبنان، أو لناحية انتخابات رئاسة الجمهورية. ليس أفضل من جنبلاط وأسرعه في المهادنة متى اشتدّت المحن حماية لنفسه وطائفته. التقى مع باسيل على تأمين حزام أمان لحزب الله تجاه مواجهته إسرائيل، فكسر حدّة المعارضة الداخلية حياله لا سيّما من الكتائب والقوات اللبنانية.

ماذا بعد؟ لا شيء يمكن انتظاره بل التسليم بالفراغ والمزيد من المواجهات في السياسة

أنهى باسيل مبادرته التشاورية دون أن يحيطها بصيغة محدّدة أو يطلب موقفاً معيناً من أيّ جهة، جلّ ما سعي إليه تحريك ملفّ الرئاسة وتأمين حزام أمان يحمي حزب الله في مواجهته إسرائيل متى وسّعت اعتداءاتها على لبنان. لم يحقّق أيّ تقدّم في الأولى، فبقي القديم على قدمه في مواقف الأطراف السياسية لاسيّما برّي والمعارضة، بينما حقّق نجاحاً في الثانية، تمثّل بالتفاف حول حزب الله يشابه ذاك الذي أمّنه التيار الوطني الحرّ في حرب تموز.

ماذا بعد؟ لا شيء يمكن انتظاره بل التسليم بالفراغ والمزيد من المواجهات في السياسة، إذ ليس سهلاً التسليم بحقيقة أنّ كلّ من استقبل باسيل لم يكن مستعداً لمنحه ورقة رابحة، لا في الرئاسة ولا في غيرها. قالها برّي صراحة لضيفه "كلّ ما يفعلوه نكاية بك".

في عزّ الحرب الإسرائيلية ودخول البلاد في حالة من التهيّب والترقّب، ثبت أنّ أيّ طرف ليس على استعداد للتراجع بانتظار ما ستفصح عنه الجبهة العسكرية. حزب الله المعني الأوّل بالرّئاسة يصبّ كلّ اهتمامه على الميدان لخوض المواجهة ضد الأميركي والإسرائيلي، وليس مستعدّاً للتراجع رئاسياً ولا لإحداث أيّ تطوّر يذكر على هذا الصعيد. الاتصال بين أمينه العام السيد حسن نصر الله وباسيل على إيجابيته لم يحمل جديداً رئاسياً بل كلام دعم ومؤازرة من الجانبين ليس أكثر.

في مؤتمره الصحافي قال باسيل أنّه لمس تفاهماً من الأطراف التي التقاها حول الأفكار التي طرحها "بنسبة عالية جداً"، أقلّه من الجهات السبع التي زارها وعلى أمل توسيع التفاهم ليشمل الأطراف التي لم يلتقِ بها بعد. وأكّد "جهوزية التيار الوطني الحر للقيام بأيّ جهد مطلوب لتحقيق هذا التفاهم الوطني، وهو منفتح على أي مبادرة أو حوار منتج ينهي الفراغ في المؤسسات، ويعيد للدولة حضورَها وهيبتَها ودورَها، ويوفّر شروط الوحدة الوطنية كضامن أساسي في مواجهة الأحداث والأخطار من حولِنا، ما يعني استعداد التيار لكسر أيّ حاجز والقيام بأي تحرّك أو اتّصال أو جهد من شأنه أن يجمع اللبنانيين ويوحّدهم في مواجهة الحرب، ويحقّق نتائج عملية أكان بموقف موحّد ومحدّد من المواضيع المطروحة، أو بأيّ عمل موحّد أو محدّد وخاصة بموضوع الرئاسة والنزوح". قال باسيل إنّ جولته ستكون موضع متابعة مع من يلزم، لكن يبقى السؤال المركزي هل من جهة خارجية دفعت باسيل للتحرّك أو باركت خطوته؟ طبيعة الأمر ترجّح ذلك خاصّة وأنّ البداية كانت باتّصاله مع السيّد.