يقترب الفراغ الرئاسيّ من عامه الأوّل وأفق انتخاب رئيس جديد للجمهورية مقفل.
الحوار الداخلي مرفوض والمبادرات الخارجية اصطدمت بالفشل فماذا بعد؟ لا شيء إلّا الفراغ والمزيد من الانقسام والشّرخ الداخلي الذي ينذر بالأسوأ القادم. سباق محموم فرنسي قطري لإحداث تطوّر ما، أو تحقيق المستحيل بجمع المعارضة وقوى الممانعة إلى حوار حول رئيس الجمهورية.
خلال إقامته لأيّام في لبنان عرض الموفد القطري أسماء صارت معروفة كمرشّحين مفترضين للرئاسة، واستفسر عن الخيار الثالث الرئاسي. عمليّاً أطلق رصاصة الرّحمة على مرشّح "الثنائي" سليمان فرنجية، عرض مبدأ الحوار مستفيداً من تجربة الدّوحة الماضية، لكنّه في العمق لم يطرح أو يعرض أيّ مقاربة حوارية. استمرّ في التعاطي مع الملفّ الرئاسي بعقليّة أمنية وفق ما استشفّ من مقاربته وتعاطيه مع الملفّ الرئاسي. في تقييم من استقبله أنّه لم يطمئن أيّ طرف ولم يقنع أيّ طرف بتبنّي أحد خياراته، وحتّى العرض الخاص بالحوار في الدّوحة لم يتبلور ولم تتوفّر مبرّراته، وعليه فإنّ الحراك القطري ليس أفضل حالاً من الفرنسي وإن كان مدعوماً أميركياً ونوعاً ما سعودياً.
لكن هذا لا يعني أنّ الموفد القطري أبو فهد جاسم بن فهد آل ثاني سيوقف مساعيه، ويختم الملفّ عائدا إلى بلاده يبلغ عن فشله. تقول المعلومات إنّ الرجل لم يغادر لبنان كلّيّاً، بل إنّ إقامته ستكون بين قطر ولبنان ريثما تنضج مساعيه. وبعد أن كان حصر مهامه بالاستفسار عن حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون الرئاسية، تحرّر من لعبة أحادية المرشّح وقفز إلى تداول عدة أسماء يستفتي مواقف الأطراف بشأنها، لعلّ أحدها يكون الخيار الثالث الذي يبحث عنه. تبيّن لديه أنّ جوزف عون لن ينال أرقاماً نيابية تجعله مرشّحاً توافقياً، ونعمة افرام في صلب الرابع عشر من آذار، إلى أن وصل البحث إلى اسم المدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري دون أن يتبنّى ترشيحه. أسماء عدّة ليس بينها أيّ مرشّح مفضّل لقطر، كي تعمل على تحسين حظوظه، بل إنّ ما يهمّها لعب دور سبق ولعبته يوم عقدت التسوية في الدوحة وانتخب على أثرها ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
تعتبر قطر أنّ الوصول إلى تسوية رئاسية هي شرط للاستقرار في لبنان، ويمكن لها أن تكون جزءًا منها ولذا هي خصّصت زيارة وفدها للاستطلاع واكتشاف إمكانية المبادرة مجدّدا، ولشدّة حماسها لتسجيل خطوة ما رئاسية في لبنان حاولت تسهيل المهمّة على حزب الله بمساعدته على سحب مرشحه الرئاسي سليمان فرنجية من السّباق، وقدّمت عرضاً سخياً يعزّز أوضاع تياره مستقبلاً، لكنّ فرنجية رفض العرض رفضاً قاطعاً على اعتبار أن مسألة سحب ترشيحه تخصّه وحزب الله حصرياً. وقد حاول سفير قطر الجديد في لبنان ومن خلال زيارته البروتوكولية إلى بنشعي بعد تسلّمه مهام عمله الجديد في بيروت، تحسين أجواء العلاقة بعد البرودة التي سادت في أعقاب عرض الانسحاب لفرنجية.
لم يكن حزب الله مرتاحاً لفحوى طروحات القطري ولم يتعامل معها بجدّية.
عند هذا الحدّ توقّفت مرحلياً مساعي قطر، ولكن موفدها سيعود مجدّداً لاستئناف البحث من حيث توقف. زيارته لم تحقّق، من وجهة نظر الأطراف التي التقاها، أيّ خرق جدّي في الملفّ الرئاسي، وحتّى حزب الله أبلغه بصريح العبارة تمسكه بفرنجية ورفض البحث باسم أيّ مرشّح آخر. ضمناً لم يكن حزب الله مرتاحاً لفحوى طروحات القطري ولم يتعامل معها بجدّية.
ليس معلوماً من سيعود أوّلا إلى بيروت، ومن يسبق الآخر إليها، فهل يصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان ليجدّد شباب مبادرته بلقاء جامع يعقده في قصر الصنوبر، أم يسبقه الموفد القطري بعروض جديدة؟
مبدئيا من المتوقّع أن تسبق زيارة لودريان زيارة الموفد القطري لكن هو أيضا لا ينتظر أن تشكّل زيارته فرقاً على المستوى الرئاسي، وإن كانت النظرة إلى مبادرتهما معا يشوبها القلق من الاستمرار في الفشل، في ظلّ الانقسام العامودي الحاد، واستحالة توافق النواب في البرلمان على انتخاب رئيس يحظى بتوافق الغالبية، كي يتمكّن من مواجهة الأزمة ومعالجتها.
وليس واضحاً بالمقابل إذا ما كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي في وارد الاستمرار في دعوته إلى الحوار المبارك فرنسياً، أم أنه تراجع بعدما لمس ميلاً للمقاطعة من الأحزاب المسيحية الأساسية. برّي أمّن للفرنسيين مخرجاً من فشلهم بدعوة الحوار، وشرّع أبواب مقرّه مرحّباً بالموفد القطري، لكنّه ضمنا لم يراهن على نجاح المسعى بعدما وجد أنّ القطري كما شريكه في الخماسية أي الفرنسي ليس لديه مبادرة واضحة. وهذا يعني أنّ الخماسية لم تغادر مربّع موقفها الأول الذي دعا النواب إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ولم تشجّع على الحوار الذي تعارضه السعودية وأميركا على وجه الخصوص.
زيارة لودريان وتنسيقه مع السعودية يعلن نهاية مبادرته الحوارية أو المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وإعلان العودة إلى مربّع ترفض فيه السعودية التدخّل، ويقول سفيرها في لبنان بصريح العبارة لا يراهن أحد على المبادرات الخارجية، وسياسة المملكة تحدّدها شخصية الرئيس القادم بعد أن يتّفق عليه اللبنانيون في ما بينهم.
وطالما أنّ السعودية لم تعر لبنان اهتمامها، وأميركا تلتزم الصمت وتكتفي بدور المراقب، فكلّ جهد دولي أحادي لن يركن إليه سواء كان فرنسياً أم قطرياً.