في سجن رومية حوالي الـ72 حالة، لمحكومين بعقوبة الإعدام، وهؤلاء يعيشون في حالة موت، وخوف من أن ينفّذ الحكم بهم في أيّ لحظة.

كنّا قد عرضنا في المقال السابق واقع عقوبة الإعدام حول العالم، والدول التي لا تزال تشرّع عقوبة الإعدام، ومن ضمنها لبنان، على الرّغم من أن ّ الأخير لا ينفّذ أحكام الإعدام إنّما يصدرها فقط ويستبدلها بعقوبة السجن مع الأشغال الشاقّة مدى الحياة. بناء لقانون تنفيذ العقوبات رقم 463/2002 الذي جرى تعديله بالقانون رقم 183/2011، وقد منح قاضي تنفيذ العقوبات حقّ تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن، شرط ارتباطها بحسن السّلوك والتعويضات الشخصية وإعلام أهل الضحية.

وعلى الرغم من أنّ آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في لبنان كان في العام 2004، في عهد الرئيس السابق إميل لحّود، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي واقع وجود العديد من القوانين اللبنانيّة التي تحكم بالإعدام، في قانون العقوبات، خصوصاً في حالات الجرائم الجنائيّة، وإغتصاب الأطفال، والإرهاب.

آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في لبنان كان في العام 2004، في عهد الرئيس السابق إميل لحّود

ما هو التعذيب؟

من جهّتها تقول نوال معوّض، منسّقة مشروع في مركز RESTART لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أنّ "عقوبة الإعدام تناولتها اتفاقيّة مناهضة التعذيب، التي اعتمدتها الجمعية العامّة للأمم المتحّدة، وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام إليها في القرار 39/46 المؤرّخ في 10 كانون الأول 1984 وبدأ تنفيذه في 26 حزيران 1987".

وتشرح أنّه "قصد 'بالتعذيب ' بحسب اتّفاقيّة مناهضة التعذيب، أيّ عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسدياً كان أم عقليا، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنّه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو إرغامه هو أو أىّ شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأيّ سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظّف رسمي أو أي شخص يتصرّف بصفته الرسمية ولا يتضمّن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضيّة له".

وتطالب معوّض بإلغاء المواد التي تشرّع عقوبة الإعدام في لبنان، وتعديل القوانين وتطبيقها، ومنها القانون 65 الذي يجرّم التعذيب في لبنان. حيث صادق لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 2000، إلى جانب بروتوكولها الاختياري في عام2008 . وفي 19 أيلول 2017، أصدر مجلس النواب اللبناني القانون رقم 65/2017 الذي يجرّم التعذيب، ولكن لا يفي بالتزامات لبنان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة. كما يجب تعديل هذا القانون ليضمن تطبيقه حقوق ضحايا التعذيب، من ناحية توفير خدمات إعادة التأهيل والتعويض المعنوي والمادي من قبل الدولة على ضحايا التعذيب. بالإَضافة إلى ثغرات عدّة أخرى موجودة بهذا القانون".

مطالب دوليّة لتطبيق القانون رقم 65/2017 الذي يجرّم التعذيب

تسع منظمات، من ضمنها "هيومن رايتس ووتش"، أفادت في بيان مشترك بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، بتاريخ 26 حزيران 2023، إنّ لبنان لم يُحرز تقدّماً ملموساً على صعيد إنهاء التعذيب الذي يرتكبه المسؤولون الأمنيون بعد خمس سنوات من إقرار قانون معاقبة التعذيب. حيث عيّنت الحكومة الأعضاء الخمسة في اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، في تموز 2019، والتي تم إنشاؤها بموجب البروتوكول الاختياري. إلّا أنّ السّلطات لم تعتمد بعد المراسيم التنفيذية اللازمة لبدء عملها، والتي تشمل القيام بزيارات منتظمة ومفاجئة لجميع مراكز الاحتجاز ورصد شكاوى التعذيب.

وتلفت معوّض إلى أنّه "وفي ظلّ غياب أيّ إمكانيّات للدولة اللبنانيّة، لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب فبإمكان الجمعيّات القيام بهذا الدور بالتنسيق مع الأجهزة المعنيّة. من خلال آليّة قانونيّة يتمّ الإتفاق عليها". وعن طرق توثيق التعذيب تلفت إلى أنّ "مؤسسة RESTART تعمل على مسألة توثيق التعذيب بحسب Istanbul protocol، ويتمّ التوثيق على مستويات ثلاث: جسديّة، نفسيّة، وقانونيّة. ومن هنا نصدر تقرير معيّن يوثّق حصول تعذيب. بإمكان من وقع ضحيّة تعذيب، استخدام هذا التقرير وتقديمه إلى الدولة اللبنانيّة، أو المجتمع الدولي".

كما سلّطت الضوء على أهميّة المادّة 47 التي تضمن الحقوق القانونيّة الأساسيّة للأشخاص خلال أوّل فترة التوقيف. وتتضمّن النقاط التالية:

1- حقّ الموقوف بالإطّلاع على كافّة حقوقه عبر تلاوتها عليه من قبل القائم بالتحقيق.

2- طلب محامي لحضور جلسة التحقيق الأوّلي والحديث معه على انفراد لمدّة 30 دقيقة من دون وجود أيّ شخص من الضابطة العدلية.

3- الالتزام بحقّ الصمت.

4- طلب طبيب للمعاينة أكثر من مرة.

5- الإستعانة بمترجم إذا كان الموقوف من جنسية أجنبية.

6- معرفة أسباب التوقيف قبل بداية التحقيق الأولي.

7- المطالبة بان تكون جلسات التحقيق مسجلة بالصوت والصورة وطلب الحصول على نسخة من التسجيل لاستخدامها في القضاء.

وسبب عدم تطبيق هذه القوانين قد يعود أحياناً إلى إمكانيّات الدولة المتواضعة كعدم قدرتها على تأمين محامين، والأدوات اللازمة لتسجيل التحقيق بالصوت والصورة". بحسب معوّض.

وتؤكّد وجود تنسيق مع لجنة حقوق الإنسان ولجنة الإدارة والعدل النيابيتين، ولهذه اللجنتين دور أساسي في عمليّة الإصلاح القانوني. والحلّ لا يتوقّف عند مسألة إقرار وتعديل القوانين، بل يجب أن يشمل تطبيق هذه القوانين، بالإضافة إلى القدرة على مواجهة التحدّيات".

التأهيل النفسي بالرسم

وفي الإطار نفسه، تلفت المعالجة النفسيّة في مركز Restart، كارمن حمادة في حديثها لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّ "ضحايا التعذيب يترددون في معظم الأحيان عن الحديث عن التعذيب الذي تعرّضوا له خلال فترة التحقيق أو السجن، ولديهم مخاوف عديدة. لذلك يأتي الرسم كنوع من أنواع التعبير، والعلاج النفسي لضحايا التعذيب. فالسكوت عن التعذيب وعن صدمات الماضي، يؤدّي إلى تأجيج هذه الصدمات أكثر فأكثر. لذلك نسعى في مركز ريستارت إلى تطهير هذه الجروح، إمّا عبر الحديث عنها أو التعبير عنها من خلال الرسم".

"وتزوّد المؤسسة هؤلاء الأشخاص بالأدوات الازمة، وعلى الرغم من عدم اتقان البعض من ضحايا التعذيب لأساليب الرسم، إلا ّ أنّ محاولة الرسم جعلتهم يشعرون بنوع من الأمل. وهو ما يظهر واضحا في الرسومات". بحسب حمادة.

وعن البرامج التي يعمل عليها المركز تقول "هناك أكثر من برنامج، وعلى رأسهم الصحّة النفسيّة لضحايا التعذيب، والقوانين".

عقوبة الإعدام ليست رادعاً للجريمة

بدوره يشرح رئيس جمعيّة عدل ورحمة الأب نجيب بعقليني في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّه "وبعد الخبرة العالمية التي اكتسبتها الدول، والمنظّمات الدوليّة، تبيّن أنّ عقوبة الاعدام ليست حلّا فعّالا للقضاء على الجرائم، ولا تردّ لأهل الضحية الاعتبار والكرامة ولا تحقّق العدالة. فالموت بالموت أو القتل بالقتل ليس الوسيلة الأمثل لتحقيق العدالة. ولو أنّ هذه العقوبة تشفي غليل بعض الأشخاص، إلّا أنّ العنف يولّد العنف. والبابا فرنسيس يقول إنّ "السجن المؤبّد هو بمثاة عقوبة الاعدام"، حيث بهذه الطريقة يتمّ معاقبة المجرم عبر سلب حريّته وإخضاعه لأشغال شاقّة، ما يحقّق العدالة لأهل الضحيّة من جهة، ويسمح لمرتكب الجرم الندم والإعتراف والتفكير بخطئه. فالموت راحة، فيما العقوبة هدفها معرفة الخطأ والعدول عنه وتأنيب الضمير".

وأشار بعقليني إلى أنّ "بعض القضاة في لبنان لا يزالون يحكمون بعقوبة الإعدام وفق قوانين الأحكام الجزائيّة، إلّا أنّ التشريع والقانون في لبنان يجب أن يعدّل على أن تنزع منه هذه النصوص. ولا شكّ بأنّ علينا فهم معاناة أهل الضحيّة، إلّا أنّ الحلّ لا يكون بإعدام المجرم، بل المطلوب من هذا الأخير أن يعوّض ماديّا ومعنويّا على أهل الضحيّة".

واستشهد بنسب ارتفاع الجرائم في الدول التي لا تزال تشرّع عقوبة الإعدام كالولايات المتحدّة الأميركيّة، "ما يؤكّد أنّ عقوبة الإعدام ليست رادعاً. خصوصاً في لبنان حيث أنّ تنفيذ الأحكام يخضع في بعض الحالات إلى تدخّلات سياسيّة، وواسطة، أو يتحجّج البعض بأسباب تخفيفيّة لإفلات المذنب من العقاب، ككونه غير واع أو تحت تأثير المخدّرات أو الكحول أثناء ارتكابه الجرم إلخ. ومن هنا تأتي أهميّة العقاب العادل، والتعويض، فإذا عاقبنا الجاني دون تعويض لن يتعلّم أفراد المجتمع تحمّل عواقب أخطائهم ودفع الثمن".

وبحسب الإحصاءات فقد "ارتفع معدّل جرائم القتل في الولايات المتحدة في 2020 إلى 6,5 لكلّ 100 ألف شخص، وهو معدّل يفوق بكثير ما يسجل في دول غنية أخرى. وتظهر أرقام البنك الدولي أنّ معدّل جرائم القتل يبلغ واحدة لكل 100 ألف في فرنسا وألمانيا وأستراليا، فيما يبلغ المعدّل في كندا اثنتينّ لكل 100 ألف".

كيف يتمّ تأهيل السجناء؟


وما يردع الجريمة برأي بعقليني هو "التوعية والعمل على الأفراد وصولاً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية". وفي هذا الإطار يتحدّث عن الخدمات التي تقدّمها جمعيّة عدل ورحمة، والتي تحتفل باليوبيل الفضّي تحت شعار "لم ولن نكلّ" في إطار الدفاع عن حقوق البشر. و"قد خصّصت المؤسسة خدمات تعنى بنزلاء السجون ومدمني المخدّرات، "بدءاً بإعادة تأهيل الأشخاص بما يتناسب مع الأخلاق والقيم الاجتماعية، والعمل على التنمية المستدامة ووصولاً إلى إعادة دمج هؤلاء في المجتمع. حيث تتابع الجمعيّة الملفّات القانونيّة لهؤلاء وتراقب صحّتهم النفسيّة والجسديّة، وتعمل على إكسابهم مهن ومهارات ومنها: الرسم، واللغات الأجنبيّة، والمحاسبة، والكهرباء، والكمبيوتر. لكي يتمكّنوا من إيجاد وظيفة بعد أن يقضوا محكوميّتهم، وينظّفوا سجّلهم العدلي بعد 3 سنوات. وتدير الجمعيّة مركزاً في منطقة الرابية شرق بيروت، يستقبل الاشخاص الذين ليس لديهم من مكانا يلجأون إليه، ونساعدهم كي يتعالجوا عبر الموسيقى وفريق عمل كامل من المتخصّصين".

وكشف أنّه "في سجن رومية حوالي الـ72 حالة، لمحكومين بعقوبة الإعدام، وهؤلاء يعيشون في حالة موت، وخوف من أن ينفّذ الحكم بهم في أيّ لحظة. وهو ما يؤكّد خطورة هذه الأحكام على الصحّة النفسيّة والجسديّة للأفراد. وهي بدورها تمنع الشخص من التطوّر والتغيّر وتتركه أسير الخوف".

اللبنانيّون مع عقوبة الإعدام

على المقلب الآخر، ووفق إستفتاء رأي أجراه موقع "الصفا نيوز"، تبيّن أنّ 70 % من الأفراد الذين شاركوا في التصويت هم مع الإعدام في السّاحات العامّة، لمرتكبي جرائم القتل والاغتصاب. حيث اعتبر البعض أنّ ذلك يشكّل رادعًا مستقبليًّا لمن يرغب بارتكاب هكذا جرائم، بينما الاحكام المخفّفة والسجن وغيره، فتبقى عقوبة سهلة قد يرى المجرم أنّه مستعدّ لهكذا تضحية. أمّا عندما يكون الجزاء هو الموت علناً في ساحة عامّة أمام من يحبّ فسيفكّر ألف مرّة قبل ارتكاب جريمة شنيعة كالقتل أو الاغتصاب.

وعليه تبقى مسألة تشريع الإعدام من إلغائه مسألة جدليّة، تختلف من مجتمع لآخر ومن فرد لآخر. وهي رهن وعي المجتمع، ورؤية الدولة والسياسات الحكوميّة الموضوعة في هذا الإطار، من ناحية تأهيل السجناء وإعادة دمجهم في المجتمع.