ثلاث محطّات متوقّع إنجازها هذا الشّهر وفي موعد أقصاه نهاية السنة، وسيكون لنجاحها أو فشلها انعكاساته وتداعياته الإيجابية أو السلبية على المنطقة عموماً وعلى لبنان خصوصاً

إذا صحّ ما ينقله البعض عن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي من أنّ رئيس الجمهورية الجديد سيُنتخب خلال تشرين الأوّل الجاري، على رغم من أنّه أكّد انتهاء مبادرته الحوارية ـ الانتخابية لعدم موافقة "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" وآخرين عليها، فإنّ السؤال هو: ما هي المعطيات التي تدفع برّي إلى هذا القول، وعلام يستند فيه؟

ثلاث محطّات متوقّع إنجازها هذا الشّهر وفي موعد أقصاه نهاية السنة، وسيكون لنجاحها أو فشلها انعكاساته وتداعياته الإيجابية أو السلبية على المنطقة عموماً وعلى لبنان خصوصاً:

ـ المحطّة الأولى: تبلور نتائج المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية الجارية عبر أكثر من قناة عربية ودولية في اتجاه الاتّفاق على الملفّ النووي الإيراني، فمثلما واشنطن يهمّها حصول هذا الاتفاق لدعم الحملة الانتخابية للرئيس جو بايدن الطامح لولاية رئاسية ثانية، فإنّ طهران أيضا تريد التوصّل إلى هذا الاتفاق لأنّه يعزّز موازين القوى بينها وبين المملكة العربية السعودية التي أرساها "اتفاق بكين" بين البلدين. فمثلما تتمتّع الرياض بعلاقة متوازنة بينها وبين بكين وبينها وبين واشنطن، تصبح طهران كذلك كونها ترتبط أصلاً بعلاقات تعاون استراتيجي مع الصين، ويأتي اتفاقها مع واشنطن ليجعلها كالسعودية في هذه الحال، ما يفتح المجال لتعاون أكثر فعالية بين الرياض وطهران على معالجة قضايا المنطقة، ودفعها إلى مزيد من الاستقرار بما يعزّز فرص الاستثمار في البلدين والمنطقة عموماً.

ـ المحطّة الثانية: المفاوضات الجارية بين المملكة العربية السعودية وحركة "أنصار الله" الحوثية اليمنية في اتجاه انجاز اتفاق سلام دائم في اليمن وبين صنعاء والرياض، بما يرسي حلّاً نهائياً للحرب اليمنية، ويبدو أنّ المفاوضات تسير بثبات للوصول إلى هذا الهدف قريباً.

ـ المحطّة الثالثة: تثبيت حدود لبنان البرّيّة الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وهذه العملية يعمل عليها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي كانت وساطته بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية قد نجحت، وهو حمل بعد زيارته الأخيرة للبنان تصوّراً لإعلان حدوده البرّيّة والمرسّمة منذ العام 1923 وتم تكريسها في اتفاق الهدنة عام 1949 وهي منتهكة إسرائيلياً في 13 نقطة. يقال أنّ إسرائيل تراجعت عن ستّ منها وبقيت سبع تحتاج إلى معالجة، بالإضافة إلى الانتهاك الإسرائيلي الأخير بضمّ الجزء الشمالي من بلدة الغجر، وهو خراج بلدة الماري اللبنانية، فضلاً عن الانسحاب من مزارع شبعا (6 كيلومترات مربعة) وتلال كفرشوبا (4 كيلومترات مربعة).

وبحسب المعلومات فإنّ الإسرائيلي يتجاهل المزارع وكفرشوبا ويقبل بالتراجع عن النقاط السبع وعن خراج بلدة الماري، مقابل أن يزيل حزب الله الخيمتين اللتين أقامهما في مزارع شبعا، الأولى على الأراضي المحرّرة والثانية على خطّ الحدود. ويبدو أنّ لبنان يصرّ على انسحاب شامل من النقاط السبع ومن خراج الماري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولن يتراجع عن هذا المطلب لأنّها أرضه ومن حقه أن يستعيدها ويبسط سيادته عليها.

وفي ضوء هذه المحطّات الثلاث، يتبيّن في رأي مطلعين ومعنيين أن القرار الحاسم في شأن الاستحقاق الرئاسي هو في يد كلّ من واشنطن والرياض وطهران، وإذا نجحت هذه المحطّات فإنّ انتخاب رئيس الجمهورية سيكون أقرب إلى اللبنانيين من حبل الوريد، وسيكون الرئيس العتيد متلائماً في مواصفاته ومتلازماً مع متطلّبات تلك المحطّات وتداعياتها على لبنان والمنطقة عموماً. والبعض يقول أنّ ذلك ينطبق على رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية فهو المرشّح الأكثر تلاؤماً مع قضايا المرحلة داخلياً وإقليمياً ودولياً. فضلاً عن أنّه بالمعطى الداخلي والواقعي ولعبة التوازنات السياسية الداخلية وبعد تجربة اتّفاق الدّوحة عام 2008 التي لا عودة إليها كونها شكّلت خروجاً عن "اتّفاق الطائف"، وبغضّ النظر عن أيّ شيء آخر، لا يمكن أن يكون رئيس الجمهورية العتيد إلّا مطمئناً لـ"الثنائي الشيعي" وحلفائه في مقابل أن يكون رئيس الحكومة مطمئناً للفريق الآخر وحلفائه، لتحصل المزاوجة والتوازن بين الفريقين في سلطة تنفيذية يفترض أن تكون فاعلة بدعمهما لتحقيق الانقاذ المنشود على كلّ المستويات. ولا يظنّن أحد انّ المملكة العربية السعودية في وارد القبول بمبادرة قطرية أو اتفاق دوحة جديد يعقد برعاية قطر في لبنان أو في الدوحة أو أي عاصمة عربية أو أجنبية أخرى، ويشكّل خروجاً آخر عن "اتفاق الطائف" الذي كانت عرّابته وتتمسّك به وترعاه منذ إقراره على أراضيها في مؤتمر الطائف عام 1989 لأنّها تعتبره "المؤتمن على استقلال لبنان وسلمه الأهلي" حسب ما يرد في تصريحات المسؤولين السعوديين، وفي بيانات الثالوث السعودي ـ الاميركي ـ الفرنسي قبل أن يتحوّل خماسياً بانضمام مصر وقطر إليه.

غالب الظنّ أنّ مجيء الوسيط الأميركي هوكشتاين مجدداً إلى لبنان خلال الشهر الجاري، حسبما هو متوقع، قد يشكّل إيذاناً ببدء العدّ العكسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي

وفي ظلّ هذه المحطّات الثلاث تتحرّك المبادرة الفرنسية التي لم تنته على عكس ما يشاع، حيث تبيّن حسب معلومات موثوقة أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يقودها شخصياً ومباشرة بمعزل عن حركة موفده جان ايف لودريان وغيره، كونه صاحب القرار في قصر الايليزيه على رغم من إعلان لودريان عن الذهاب إلى "خيار ثالث"، فيما تبدو المبادرة القطرية "مبادرة بين المبادرات"، أو "مبادرة بين ثلاث محطات" وقد وصفها عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب مروان حمادة بأنّها "مهمّة استقصائية أكثر منها مهمّة وساطة، ومهمّة جسور بين الوساطات" مؤكّداً أنّها "ستصبّ في النهاية عند المجموعة الخماسية ومواقفها ومبادراتها والتي منها المبادرة الفرنسية".

وغالب الظنّ أنّ مجيء الوسيط الأميركي هوكشتاين مجدداً إلى لبنان خلال الشهر الجاري، حسبما هو متوقع، قد يشكّل إيذاناً ببدء العدّ العكسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي خصوصاً إذا حمل معه حلاًّ مقبولاً لتثبيت الحدود البريّة اللبنانية الجنوبية وانسحاباً اسرائيلياً من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومن خراج بلدة الماري (الجزء اللبناني من بلدة الغجر السورية المحتلّة)، خصوصاً وإنّ الهمّ الأميركي كان ولا يزال وسيبقى "ضمان أمن إسرائيل"، إذ إنّ الأميركيين يعتبرون أنّ انسحاب إسرائيل من النقاط المختلف عليها ومن تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، يلبّي متطلّبات الأمن الإسرائيلي، ويوقف عمل المقاومة التي يقودها حزب الله، وذلك تحت عنوان أنّ الأرض اللبنانية المحتلّة قد تحرّرت، الأمر الذي سيفتح الباب لاحقاً أمام وضع "استراتيجية الدفاع الوطني" الموعودة، على حدّ قول البعض.

وفي انتظار المحطات الثلاث سيظل الوضع الداخلي على انقسامه العمودي، فريق المعارضة سيواظب على التأكيد أنّ المبادرة الفرنسية انتهت وأنّ "الكلمة الفصل" باتت في عهدة المبادرة القطرية، متناسية أنّ عصمة الترشيحات الرئاسية يراها البعض في عهدة فرنجية الذي يتمسّك بترشيحه، ولن يكون هناك خيار ثالث إلّا في حال قرّر الرجل سحب ترشيحه، وهو الأمر غير الوارد في قاموسه ولا في قاموس حلفائه. ويقول البعض أنّه إذا صحّ أنّ المبادرة الفرنسية قد انتهت فإنّ ذلك لا يعني أنّ ترشيح فرنجية قد انتهى، لأن داعميه وعلى رأسهم "الثنائي الشيعي" وحلفاؤه متمسّكون به "حتّى ينقطع النفس" حسبما يردّدون، وبالتالي هم يعتبرون أنّ الوقت يلعب لمصلحتهم مهما طال الانتظار وطال معه أمد الفراغ الرئاسي الذي دخل شهره الثاني عشر. فمثلما يعتبرون أنّ الترسيم البحري كان نتاج إصرارهم وعامل قوّة الردع التي يمتلكون، فإنّ الأمر نفسه سينسحب على تثبيت الحدود البرّيّة، وهنا يشبّه البعض فعل الخيمتين اللتين نصبهما حزب الله في مزارع شبعا كفعل المسيّرات التي أُطلقت فوق حقل كاريش، كذلك سيجني الثنائي وحلفاؤه ثمار الاتفاق السعودي ـ الحوثي، وقبله الاتفاق السعودي ـ الإيراني ولاحقاً الاتفاق السعودي ـ السوري، وكذلك الاتفاق النووي المرتقب بين واشنطن وطهران.

على أنّ بعض المتابعين للاستحقاق الرئاسي يؤكّدون أنّه إذا كان هناك من خيار ثالث لرئاسة الجمهورية فإنّه لن يكون إلا قائد الجيش العماد جوزف عون وليس أيّ شخصية أخرى، وعلى رغم من العقبة الدستورية التي تعترضه والتي لا يذلّلها إلّا التوافق الجماعي أو شبه الجماعي على ترشيحه، ولكنّ ذلك يبقى مرهوناً بموقف فرنجية، لأنّ البعض يقول أنّ الرّجل في حال قرّر وحلفاؤه سحب ترشيحه فإنّهم قد يدعمون ترشيح عون الذي يُظهِر فريق المعارضة وعلى رأسه "القوات اللبنانية" أنّه يؤيده، فيما يعارضه "التيار الوطني الحر" على حدّ ما يعلن رئيسه النائب جبران باسيل، علماً أنّ "التيار" والمعارضة لا يزالان يؤكّدان استمرار تقاطعهما على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور في مواجهة ترشيح فرنجية.