في آخر الارقام العالمية فإّن امرأة من بين كل ثماني نساء معرضةٌ للإصابةِ بسرطان الثدي. أمّا آخر الاحصاءات المحلية فكانت في العام 2016، والتي أظهرت وجود أكثر من 2500 حالة إصابة جديدة سنوياً.

لم تكن سيداتٌ كُثر يعلمن أنَّ حياتهنّ ستتغير بصورةِ أشعّةٍ يجرينها بطريقةٍ دوريةٍ في المختبراتِ، إذ كنّ يعتقدن أنّ "هيداك المرض" أي السرطان بعيدٌ منهنّ كثيراً، فلا مصابات أو مصابين ضمن العائلة الصغيرة، ونمط الحياة المتّبع صحّي إلى حدٍّ ما. لكنّ "الخبيث" لم يترك بيتًاً إلّا وزاره إمّا ليسرق أحد أفراده أو ليتلاشى أمام إرادة أهله بالحياة.

شهر تشرين الأول هو الشهر العالمي للوقاية من سرطان الثدي

في آخر الارقام العالمية فإّن امرأة من بين كل ثماني نساء معرضةٌ للإصابةِ بسرطان الثدي. أمّا آخر الاحصاءات المحلية فكانت في العام 2016، والتي أظهرت وجود أكثر من 2500 حالة إصابة جديدة سنوياً.

وإذا كان غياب الإحصاءات في لبنان ليس بالأمر البارز في بلد أساسياته مفقودة، فإنّ الهمّ الأكبر هو بغياب الحملات المجانية التي كانت تُقام في شهر تشرين الأول لإجراء التصوير الشعاعي للثدي مجاناً وفقدان الأدوية من السوق.

أمّا تكلفة هذه الصور راهناً فتتراوح بين الـ50 والـ100 دولار في مختبرات يمكن التعويل عليها، لأنّ أزمة المختبرات الصحّية تستحقّ أنّ تفصل في تقرير آخر في ظلّ أزمة المسلتزمات الطبّية.

ومن هنا كانت البداية مع ريتا توما سبيريدون المنتصرة على المرض والتي كانت تجري الصور الشعاعية بشكل دوري في إحدى مستشفيات العاصمة.

أزمة إغلاق الطرق في تشرين العام 2019 دفع بها لإجراء الصّورة الشعاعية في البترون حيث تقطن. النتيجة جاءت سليمة ولا دلائل على وجود أيّ ورمٍ في الصدر.

بعد سنة أجرت ريتا الصورة نفسها في المختبر نفسه لتأتي النّتيجة مُبهمة وطُلِب منها إعادة الصورة مرةً ثانية بعد ستة أشهرٍ.

ريتا لم تطمئن لما ظهر في النتيجة، لم تستطع الانتظار 6 أشهر وكأنّ هناك إرادةً إلهية دفعتها لإجراء الصّورة مجددًاً حيث كانت تجريها سابقاً في العاصمة لتأتي نتيجة واضحة بأنّها مصابةٌ بسرطان الثدي وأنّ الأمر لا يحتمل الانتظار ولو لشهرٍ واحدٍ، لأنّ "الخبيث" قد ينتقل إلى منطقة أخرى في الجسم وليتضح لريتا أنّها مصابة بالسرطان منذ أكثر من سنة إلّا أنّ الصورة التي أجرتها من سنة لم تكن نتيجتها دقيقة...

ومع هذه النتيجة بدأت رحلة ريتا الطويلة من العلاج بدعم من زوجها وبناتها الأربعة وشقيقتها التي تعمل في المجال الطبّي في سويسرا.

مع رحلة العلاج بدأت المفاجآت

لم تكن ريتا تعلم أبداً ما ينتظرها لم تكن تتوقّع أن تكون المرحلة بهذه الصعوبة.

كلّ الفحوص التي أجرتها ريتا دفعتها بالدولار الفريش وكانت تنتظر موافقة الجهة الضامنة قبل كلّ فحص وهي بأمس الحاجة لكلّ دقيقة قبل أن يتمدّد المرض أكثر...

كان من الممكن أن تكتشف ريتا مرضها قبل سنة لو أَجرت الفحوصات في مختبر أكثر تطورًا، ولكانت أنقذت نفسها من معاناة إجراء العلاج الكميائي بعد العملية.

على الصعيد الاجتماعي تقول كنت أرى الكثير من نظرات الاستعطاف وأسمع عبارات قاتلة مثل "ديعانك بعدك صغيرة" " كانت بتلبقلك الحياة" وغيرها .....

الأهم بالنسبة لريتا الجميلة ابنة الخمسين عامًا كان مظهرها الخارجي

أصرّت ريتا على مواصلة نشاطها كالمعتاد رغم تأثير العلاج على مناعتها فمرحلة العلاج كانت مزعجة جدًا بكلّ تفاصيلها وأهمّها تساقط الشعر والرموش والحاجبين والوزن الذي اكتسبته، لكنّ الأهم هي الإرادة التي تمتّعت بها ريتا إذ كانت ترفض الخروج غير مبرّجة لتظهر بصورة المرأة المنتصرة على المرض الخبيث وهي التي لم يكن لديها أيّ فكرة عن موعد نموّ شعرها مجددًا أو إذا كان المرض سيزورها مجدّداً.

اعتمدت ريتا على الأبحاث التي أجرتها بمفردها وبعض الدراسات التي مدّتها بها شقيقتها من سويسرا لمعرفة ما سينتظرها.

تدعو ريتا النساء إلى عدم التردّد في إجراء الصّور الشعاعية ومواجهة المرض بصلابة.

هذه قصة ريتا أمّا عند جنى شاهين المنتصرة بدورها على المرض قصة من نوع آخر. لم تكن جنى بحاجة لإجراء صورة شعاعيّة لمعرفة أنّها مصابة بسرطان الثدي، فهي إكتشفته بنفسها اثناء قيامها بالفحص الذاتي الروتيني، الأمر الذي تسبب بحال هلع في العائلة، لكنّها تقبّلت الموقف وبدأت بدورها مرحلة العلاج التي تزامنت مع فترة الحجر المنزلي أثناء كورونا.

شكل جنى تغيّر بالكامل، ضعف نظرها وأثّر العلاج على دورتها الشهرية. لم تهتمّ كثيرًا بتغيّراتها الجسدية لأنّ الأولوية بالنّسبة إليها تأمين المتطلّبات المنزلية لزوجها وأبنائها وهي اليوم تشعر أنّها غير قادرة على التوفيق بين عملها داخل المنزل وخارجه، لأنّ أيّ عمل تريد القيام به يتطلّب منها وقتًا أكثر.

تشير جنى أنّها لو أجرت الصورة الشعاعية قبل عام لم تكن لتعلم أنّها مصابة بالسّرطان لأنّ عمر المرض بحسب الاطبّاء قرابة التسعة أشهر لكن لو اكتشف الورم في وقت أبكر لما كانت لتضطر لانتشال ثديها بالكامل...

بين الفحص الذاتي والصور الشعاعية ماذا يقول الطبّ؟

يقول رئيس قسم الأورام والدم في مستشفى اوتيل ديو دو فرانس البروفسور فادي نصر إنَّ الفحص الذاتي هو أمر مهمّ يجب على المرأة القيام به بصورة دورية، إلّا أنّه يوضح أّنّ اكتشاف المرض عبر الفحص الذاتي يعني أنّ الورم قد كبر، أمّا الصورة الشعاعية فقد تكشف المرض في وقت مبكر ما يسهّل عملية العلاج.

ويشير نصر إلى أنّ على كلّ امرأة أن تبدأ بإجراء الصّورة الشعاعية عن عمر الأربعين عامًاً إمّا في حال إصابة أحد افراد العائلة من الدرجة الاولى أٌم، خالة، أو عمّة فيجب القيام بالصّورة قبل عشر سنوات من العمر الذي ظهر المرض على هذا الفرد.

وعن أضرار التعرّض للأشعة بصورة دورية يقول البروفسور نصر أنّ هذا الضرر فيما لو وجد لن يضاهي ضرر عدم اكتشاف المرض باكراً.

ويشير نصر إلى أنّ كلّ امرأة مصابة بالسرطان ستسلك مساراً علاجياً مختلفاً عن الأخرى وهذا يختلف حسب نوع المرض موعد اكتشافه والمرحلة التي وصلت إليها المريضة.

ويقول أنّ نسبة شفاء النساء المصابات بسرطان الثدي واللواتي لا زلن في المراحل الثلاث الأولى هي متقدّمة جدًا وبأغلب الأحيان يشفين بالكامل أمّا من وصلت منهن إلى المرحلة الرابعة فنسبة شفائها ضعيفة.

وعّما إذا ظهر الورم مجدّدًا في المكان نفسه أي في الثدي فهناك احتمال كبير لإعادة التخلّص منه مجددًا، أمّا إذا ظهر في مكان آخر فتتضاءل أيضاً نسب النجاة.

وإذ يشدّد نصر على أهمّية إجراء الفحوص في مختبرات ذات تجهيزات متطوّرة يلفت إلى أهمّية دور العائلة في الدعم النفسي وأهمّية ان يرافق المريضة معالج نفسي مختصّ. لافتاً إلى أنّ الأمّهات المرضعات هنّ أقلّ عرضةٍ للإصابة بسرطان الثدي.

أين نحن من العلاج النفسي في ظلّ المشاكل القائمة في لبنان؟

إلى جانب المشاكل النفسية التي تواجه المريضة المصابة بسرطان الثدي هناك مشاكل مادية واقتصادية في ظلّ الانهيار الحاصل في لبنان.

جمعية بربرة نصار لمساعدة مرضى السرطان تحاول قدر المستطاع سدّ الثغرات الموجودة.

رئيس الجمعية هاني نصار يشير عبر موقع الـ"صفا نيوز" إلى أنّه لم يعد هناك أيّ جمعية تقوم بالفحوص بطريقة مجانية، وأنّ معاناة النساء اللواتي يصبن بالسرطان لا تقتصر على المشاكلات النفسية بل الأساس يكمن في تكلفة العلاج وفقدان الأدوية من السوق.

ويشير نصار إلى أنّ التمويل المخصّص لوزارة الصحّة لا يكفي لتأمين العلاجات لكلّ المرضى فالمبلغ المخصّص لمرضى السرطان هو 21 مليون دولار فيما المبلغ المطلوب هو 40 مليون دولار أميركي.

ويلفت نصار إلى أنّه في حين أصبحت تعاونية موظفي الدولة تغطّي كلفة العلاج بالكامل لا تزال تعرفة الضمان الاجتماعي على أساس سعر صرف 1500 ليرة.

ويلفت نصار إلى أنّ الجمعية في صدد افتتاح مشروع بربرة نصار لدعم مرضى السرطان الذي يهدف إلى توجيه المرضى وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم وتبادل الخبرات والأدوية وتقديم المساعدات.

إلى شقيقاتي، زوجة أخي، خالاتي وبناتهن، حماتي وشقيقاتها، بنات عمي، عمتي، مديرتي، زميلاتي، أنا التي خسرت أمّي بمرض السرطان في عمر التاسعة عشرة غير قادرة على مواجهة هذا المرض من جديد. أرجوكنّ ألّا تسمحن لهذا الخبيث بأن ينتصر علينا مجددًا، أرجوكنّ جنّبوا الأبناء المرور بهذه التجربة، أرجوكنّ إجراء هذه الصورة الشّعاعية أقلّه كلّ سنة مرة علّ درهم الوقاية يكون أفضل من قنطار العلاج.