قامت كلّ من "تاتش" و"ألفا" بإطلاق مزايدتين منفصلتين للتعاقد على النظام الخاص بالرسائل النصّية A2P أو ما يعني application to person لتسويق مساحة إعلانية من الرسائل القصيرة على شبكتها.
في الوقت الذي "تنفّض" فيه الموازنات "جيوب" المواطنين بحثاً عن فتات العملة الصعبة، تستمرّ مؤسسات الدولة وشركاتها بتضييع ملايين الدولارات. وكلّما سألنا أنفسنا: ماذا يوجد بعد في هذا البلد البائس ليؤخذ؟ نتفاجأ بمزاريب صفقات "على مدّ العين والنظر"، تحوّل العائدات إلى "هوّة" الضياع، بدلاً من أن تصبّ في الخزينة العامة.
مزايدة شركة الاتّصالات الخلوية MIC2 المعروفة سابقاً بـ Touch، والمتعلّقة بالسماح لشركة خاصة استعمال الشبكة لتنزيل التطبيقات على الهواتف المحمولة، كانت لتمرّ "مرور الكرام"، لولا مقارنتها مع عقد مشابه أجرته MIC1 المعروفة بـ Alfa. حيث تبيّن المقارنة أنّ "الايرادات لمدة ثلاث سنوات من عقد "تاتش"، تقلّ بنحو عشرة ملايين يورو، عن مثيلتها في "ألفا". وذلك على الرّغم من أنّ عدد مشتركي "تاتش" يزيد بـ 300 ألف مشترك عن "ألفا". كما تبيّن المزايدة التي وقّعتها "تاتش" أنّ السعر الإفرادي للرسائل النصية التي يرسلها المتعاقد معه، لم تتغير في العامين الثاني والثالث، وذلك على عكس عقد "الفا" وخلافا للواقع الذي يفترض تطور السوق عدديا وتكنولوجياً بسرعة بين عام وآخر.
الصفقة بمفاهيم مبسطة
قبل الغرق في التفاصيل التقنية التي تكشف استهتاراً بالمال العام، إذا أحسنّا الظنّ، فلنتوقف لحظة مع ما يجري، بمفاهيم مبسطة.
منذ بدء ظهور التطبيقات applications، وُجدت شركات تعنى بتقديم خدمة الوسائط عبر الإنترنت OTT، والمعروفة أيضا باسم "منصات البث". وتعمل هذه الشركات كموزّعة للتطبيقات أو وسيطا بين شركات الاتصالات والمستهلكين للخدمة. ولكي تستطيع هذه الشركات الولوج إلى الهواتف الخلوية والأجهزة الالكترونية، عليها أن تمرّ حكماً بشبكة الاتصالات للشركات الخلوية. وهذا المرور عليه رسم، شأنه شأن عبور أيّ من المرافق الحدودية. ذلك أنّ الشركات الخلوية مضطرة إلى الاستثمار وإنفاق الأموال في سبيل توسيع شبكتها وتطويرها، وزيادة قدراتها لتحميل مثل هذه التطبيقات، التي تدرّ ملايين الدولارات على أصحابها وعلى الشركات الوسيطة الموزعة. فتم إيجاد طريقة لتحصّل الشركات أموالاً من هذه التطبيقات. وهو عملياً ما سمّي في لبنان بـ مزايدة "نظام الرسائل النصية، الذي يمكّن المتعاقد معه من الولوج إلى الشبكة الخلوية لإيصال رسائل نصية قصيرة دولية SMS من تطبيقات معينة إلى الأشخاص المشتركين في الخطوط الخلوية".
الفروقات بين مزايدتي "تاتش" و"ألفا"
قامت كلّ من "تاتش" و"ألفا" بإطلاق مزايدتين منفصلتين للتعاقد على النظام الخاص بالرسائل النصّية A2P أو ما يعني application to person لتسويق مساحة إعلانية من الرسائل القصيرة على شبكتها. "تاتش" أطلقت المناقصة بتاريخ 22 كانون الاول 2021، تَقدّم 6 شركات تستوفي الشروط، وفازت شركة inmobiles sal ووقع العقد معها بتاريخ 22 أيار 2023 أي بعد سبعة عشر شهرا. وقد افترض العقد حصول "تاتش" على حدّ أدنى من الرسائل النصية يتراوح بين 31 مليون رسالة في العام الاول و34 مليون رسالة في العام الثالث. وحدد السعر الافرادي للرسالة بـ 0.075 يورو في السنة الاولى و0.076 يورو في السنتين الثانية والثالثة. وبلغ مجموع الإيرادات المحققة 7.3 مليون يورو على فترة ثلاث سنوات.
أمّا بالنسبة لـ "ألفا" فقد أطلقت المزايدة بتاريخ 1 تشرين الثاني 2022، ووقعت العقد مع الرابح شركة vox solutions global limited بتاريخ 7 حزيران 2023. افترض العقد حصول "الفا" على ما بين 46.6 و 56.8 مليون رسالة نصية، وبقيمة 0.105 يورو على الرسالة في السنة الاولى، و0.115 يورو في السنة الثانية و0.125 يورو في السنة الثالثة، وبلغت قيمة العائدات 17.9 مليون يورو عن السنوات الثلاث.
ماهية الرسائل النصية
ومجددًا قبل الدخول في تحليل الفرق في الأسعار، وللتبسيط، فان الرسالة النصية SMS، تشير إلى تنزيل تطبيق ما. حيث يفرض تنزيل التطبيقات وضع رقم الهاتف، وترسل رسالة نصية SMS على رقم الهاتف لوضعها في التطبيق للتأكيد. وهذه هي الرسالة التي تتقاضى عليها شركات الخلوي الرسوم.
انطلاقا من هنا فإنّ المنطق لا يفترض فقط زيادة أعداد المشتركين في مدّة ثلاث سنوات، إنّما أيضا زيادة كمية التطبيقات المنزّلة، ولهذا يرتفع عدد الرسائل السنوية والإيرادات عليها. ولا يبق ثابتا على غرار ما حصل مع عقد "تاتش". هذا ويشهد عالم التكنولوجيا خصوصاً في مجال الاتصالات والإعلان تطورات سريعة في فترات زمنية قصيرة نسبياً، مما يؤثّر على الحلول التقنية والقيمة المضافة التي تقدمها التكنولوجيا الجديدة. ويؤثّر بالتالي على تقاسم الإيرادات بين الشركة ومشغّل مساحة الرسائل النصية. وعليه فإنّ مقارنة العقدين الموقعين من كلّ من "تاتش" و"الفا" تظهر التطورات التكنولوجية التي نتحدث عنها. إذ بالنسبة لعقد "تاتش" ترتكز الحلول أو الخدمة حصراً على الرسائل النصّية القصيرة. فيما بالنسبة لـ "الفا" ترتكز الحلول على الرسائل النصية القصيرة. وعلى Flash call التي ظهرت بنمو متزايد في الفترة الأخيرة. وقد يكون بحسب تقرير هيئة الشراء العام أنّ "الفترة الطويلة بين رسو العقد على شركة inmobiles وتوقيعه، والتي فاقت 17 شهراً، قد حرمت المشغل، أي شركة الاتصالات. القادرة على تقديم أحدث التكنولوجيات، من الوصول إلى المزايدة في تاريخ قريب من توقيع العقد بشكل معقول".
وعليه طلبت هيئة الشراء العام في تقرير مفصل إلغاء مزايدة "تاتش" وإطلاق أخرى جديدة، وفقاً لأحكام قانون الشراء العام، وتعديل العقد الموقع مع شركة inmobiles بمفعول رجعي، يسري اعتباراً من تاريخ نفاذه، لاعتماد ذات الحدّ الأدنى السنوي لعدد الرسائل النصية المعتمد في العقد الموقع من قبل شركة "الفا" بهذا الخصوص. ومن ثم فسخ العقد مع شركة inmobiles عند انتهاء المزايدة العمومية المفترض المباشرة بإجرائها فورا ًوبدون تأخير. وان لا يترتب أيّ مسؤولية مادية او تعويضات لصالح المتعاقد معه.
ما تطلبه هيئة الشراء العام يعتبر أمراً منطقياً بحسب خبير متابع للملفّ إذ أنّ "الفرق بين عقدي "تاتش" و"ألفا"، على الخدمة نفسها تقريبا، يتجاوز 10 ملايين يورو. وهذا الرقم سيحصل ويصب في مكان ما خارج الخزينة. مع العلم أنّ المنطق يفترض أن تكون عائدات "تاتش" أكثر من "الفا" نظراً لزيادة عدد مشتركيها بنحو 300 ألف مشترك". وبرأي الخبير فإن ما يجري لا يمكن وضعه إلّا في استسهال إهدار المال العام والتفريط به عن قصد أو من دون معرفة. وهو هدر لا يتوافق في جميع الحالات مع كمّية الاستثمارات التي وضعت نظرياً على الشبكة في السنوات القليلة الماضية والتي وصلت إلى 6 مليارات دولار بحسب تقرير ديوان المحاسبة.. فهل من يحاسب؟!