يقول المتتبّعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي أنّ هناك ثلاثة تفسيرات لا رابع لها لخلفيّات تصعيد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النّائب سامي الجميل في الموقف ضدّ الحوار والجلسات المتتالية التي قالت بها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي:
بين "سياحة" الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بما انطوت عليه من أبعاد، وبين ديبلوماسية وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بما عكسته من رسائل، وُلدت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية ـ الرئاسية، واستجلبت ردّة فعل عالية النّبرة لدى فريق المعارضة، ما كانت لتحصل لولا تلمّسه خلفيّات إقليمية ودوليّة عميقة استند إليها رئيس مجلس النواب في ما ذهب إليه، ويفترض أن يفضي إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي قريباً بنتيجة الحوار الموعود...
تأخذ الرياض في اليمن وتعطي في لبنان لمصلحة الفريق الدّاعم لفرنجية
يقول المتتبّعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي أنّ هناك ثلاثة تفسيرات لا رابع لها لخلفيّات تصعيد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النّائب سامي الجميل في الموقف ضدّ الحوار والجلسات المتتالية التي قالت بها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي:
ـ التفسير الأول: أن تكون المحادثات السّعودية ـ الإيرانية خلال زيارة وزيرالخارجية الإيراني الأخيرة للرياض وبعدها توصّلت إلى مقاربة مشتركة للاستحقاق الرئاسي اللبناني وفق معادلة اليمن – لبنان، بحيث تأخذ الرياض في اليمن وتعطي في لبنان لمصلحة الفريق الدّاعم لترشيح رئيس تيّار"المردة" سليمان فرنجية، وهو ما لا يؤيده ثنائي "القوات – الكتائب" وحلفائهما من نوّاب تغييريين، ولذلك ذهبا إلى التّصعيد علّهما يعطّلان هذه المعادلة، علماً أنّ ما يؤيّد هذ التفسير هو التغيير المفاجئ في موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الرّاعي حيث أيّد مبادرة برّي، ما دفع أحد نواب "القوات" غياث يزبك إلى الرّدّ توّاً عليه منتقداً. وهنا يظنّ البعض أنّه قد تكون لهذا التصعيد "القوّاتي – الكتائبي" إيحاء أميركي ما، لأنّ الأميركيين يوحون أنّهم يؤيّدون ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، وإحدى الإيحاءات كانت تلبية هوكشتاين دعوة قائد الجيش إلى العشاء في منزله، وتولّي السفارة الأميركية الإعلان عن هذا العشاء ببيان مكتوب وزّعته مرفقاً بصورة تجمع الرجلين على طاولة العشاء. ويبني هؤلاء ظنّهم هذا على أنّ الأميركيين غير مرتاحين للاّتفاق السّعودي – الإيراني ولتداعياته على المنطقة وعلى الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
الولايات المتحدة الاميركية بدأت الضّغط فعليّاً لإيصال قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية
ـ التفسير الثاني: أن تكون الولايات المتحدة الاميركية بدأت الضّغط فعليّاً لإيصال قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية استناداً إلى ما حصل في لقاء الدوحة الخماسي الأخير حيث أيّدت كلّ من واشنطن والرياض والدوحة والقاهرة هذا الأمر. ولذلك ربّما تكون واشنطن والرياض والدوحة والقاهرة أوحت للمعارضين الذين يدورون في فلكها لتصعيد الموقف في مواجهة الفريق الآخر برفض مبادرة بري الحوارية ـ الانتخابية، ورفض ترشيح فرنجية، والضغط في اتجاه استيلاد ظروف تتيح انتخاب قائد الجيش، أو ربّما مرشّح آخر قد يكون ما زال طيّ الكتمان لديهما إلى الوقت المناسب.
ـ التفسير الثالث هو أنّ المنطقة مقبلة على تطوّرات كبيرة وخطيرة في ضوء التحشيد العسكري الأميركي في شرق سوريا، وتصعيد الاحتجاجات الشعبية في جنوبها، في محاولة لإسقاط النظام وإخراج النّفوذ والوجود الإيراني والرّوسي وكل القوى المسلّحة الدّاعمة للنظام (حزب الله و"الحشد الشعبي" وبقيةّ الفصائل العراقية المسلّحة)، الأمر الذي من شأنه أن يضعف المعسكر الدّاعم لترشيح فرنجية ويمهّد لانتخاب "الرئيس السيادي" الذي تنادي به المعارضة في لبنان، ويعزّز هذا التفسير اللغة القاسية جدّاً التي استخدمها جعجع في خطابه ضدّ "محور الممانعة" وضدّ حزب الله تحديداً إلى حدود إعلان الحرب عليه. وما يعزّز هذا الأمر أيضاً دعوات البعض في لبنان وواشنطن إلى إعلان "منطقة حرّة" في لبنان تنطلق منها المعركة لإنهاء وجود حزب الله، في موازاة ما يمكن أن يكون النظام السّوري قد تعرّض له من إنهاء أو إضعاف، وقد يكتمل الأمر في إقدام إسرائيل على شنّ حرب على الجبهتين اللبنانية والسورية، علماً أنّ سوريا موضوعة ضمن الخطط الأميركية الجاري العمل عليها في المشرق والمغرب العربيين على لائحة الفدرلة، هذه الفدرلة التي بدأ ينادي بها أفرقاء سياسيون في لبنان، وقيل في هذا السياق أنّ وفداً من المكسيك زار قيادة "القوات اللبناية" في الآونة الأخيرة للبحث معها في موضوع اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة التي يطرحها "التيار الوطني الحر" فلمس لديها ميلاً إلى الفيدرالية كاقتناع ضمني.
البلاد باتت محكومة بمسارين الأوّل يدعو إلى حوار عقلاني وجامع والثّاني هو تهديد ووعيد وعرض عضلات
وإذا كان هناك من تفسير رابع لتصعيد جعجع والجميّل، فإنّ الغاية منه في رأي البعض هو أنّ الرجلين مأزومين على مستوى علاقتهما مع الأطراف الخارجية وكذلك على المستوى الداخلي، فأرادا من هذا التصعيد شدّ عصب جماعتهما الانفعاليين بغية تحقيق كسب شعبي من جهة، وترهيب نسبة عالية من المسيحيين وكذلك بعض السُنّة المعتدلين موحيين أنّ ما يقومان به يحظى بدعم وتغطية خليجية وأميركية.
وإذا صحّ هذا الأمر، فإنّ البلاد تكون باتت محكومة بمسارين، الأوّل يدعو إلى حوار عقلاني وجامع ينتهي بالتّفاهم على الاستحقاق الرئاسي وإنجازه. والمسار الثّاني هو مسار تهديد ووعيد وعرض عضلات في محاولة لقلب الطّاولة من أجل الإمساك بالسّلطة. ولكن في رأي قطب نيابي كبير، أنّ الخطاب العقلاني هو الذي سينتصر في النّهاية لأنّ اللبنانيين يراهنون عليه ويرفضون العودة إلى خطاب التّهديد الذي يقفل كلّ أبواب الحلول، ويدفع البلاد إلى حرب أهلية جديدة معروفة سلفاً موازين القوى فيها.