القانون على أهميّته وأهميّة إقراره، حافل بالمخاطر من أن يدخل البازار السياسي...
يحلو للمسؤولين اللبنانيين تطبيق فلسفة "الفن للفن" في مقاربتهم للانهيار، ومحاولة معالجة تداعياته الكارثية. فكما تنظر هذه الفلسفة للأشياء التي يتم انشاؤها لجمالها بدلاً من وظيفتها، يُعِدّ المسؤولون القوانين الإصلاحية ويقرّونها لشكلها الجذاب، بغضّ النّظر عن إمكانية تطبيقها. قانون "انتاج الطاقة المتجدّدة والموزّعة" المدرج على جدول أعمال جلسة الغد التشريعية لا يشذّ عن هذا المسار. لا بل أكثر من ذلك، فإنّ قراءة أوّل سطرين من مشروع القانون، كفيلة برؤية الأفخاخ التي تجعل من تطبيقه مستحيلاً... أقلّه قريباً.
تتضمّن المادّة الأولى في السطر الثاني مصطلح: "الهيئة". وهي "الهيئة النّاظمة لقطاع الكهرباء، المنشأة بموجب القانون 462 العائد للعام 2002، والعصيّة على التّشكيل منذ أكثر من عقدين. ويعطي مشروع القانون لهذه الهيئة صلاحيات لا تعدّ ولا تحصى في التخطيط والترخيص والمراقبة والمتابعة وإصدار التقارير. وغنيّ عن القول إنّه من دون وجود "الهيئة"، فإنّ القانون سيبقى حبراً على ورق، وسينضمّ إلى نحو 92 قانون لم تقرّ بعد مراسيمها التطبيقية ولا آلياتها التنفيذية.
وما أدراك ما الهيئة
تكاد لا تخلو مادّة من مواد القانون التسعة من دون ذكر "الهيئة"، وللمثال:
- يجب أن يستحصل منتجو الطّاقة المستقلّين على إذن من "الهيئة" للتمكّن من الربط على الشّبكة العامة.
- تضع "الهيئة" الإجراءات والمبادئ اللازمة لتمكين تبادل الطاقة بين الأقران (المنتجين) خارج الموقع.
- تجيز "الهيئة" لمنتجي الطّاقة من أنظمة الطّاقة المتجدّدة التي تستوفي المواصفات الفنية المحدّدة من قبل مؤسسة الكهرباء، الرّبط على الشبكة العامة وفق القدرة القصوى لإنتاج الطّاقة، وبيع الكهرباء مباشرة إلى المستهلكين من خلال اتّفاقيات الشراء خارج الموقع. وعليه تصدر "الهيئة" الأنظمة والقرارات اللازمة لتمكين شراء الطاقة المتجدّدة بين المنتج والمستهلك خارج الموقع.
ومن مهام "الهيئة" أيضاً ما يعرف بحسب القانون بـ "الرّصد والمراقبة". فتقوم "الهيئة" بإنشاء قاعدة بيانات لإنتاج الطّاقة المتجدّدة والموزّعة في لبنان والاحتفاظ بها. وترفع تقريراً سنوياً إلى وزارة الطّاقة والمياه حول تطبيق القانون. وتتلقّى "الهيئة" كافّة المعلومات المطلوبة من منتجي الطّاقة المتجدّدة والموزّعة بشأن البيانات المالية والفنية لأنظمة الطّاقة المتجّددة العاملة العائدة اليها، وأيّ معلومات أخرى. كما وتنشئ "الهيئة" مرصد إنتاج الطّاقة المتجدّدة والموزّعة تكون الغاية منه جمع البيانات.
وقد أنيط بـ "الهيئة" أيضاً، إصدار الأنظمة والقرارات اللازمة لتطبيق القانون. وتحديد الرسوم من خلال منهجية تحدّد مسبقاً، وتُنشر علناً، ويتمّ تحديثها سنوياً.
وضع عربة "الهيئة" أمام "حصان" الطّاقة المتجدّدة، عملٌ مقصود؟
كيف يمكن "وضع عربة" الهيئة الناظمة للقطاع "أمام حصان" انتاج الطاقة من المصادر المتجدّدة، وتوقّع النجاح للمشروع مع كلّ ما يحمله من أهمّيّة على صعيد تطوّر قطاع الطاقة المتجدّدة. "خصوصاً أنّ روحيّة القانون قد بنيت بالأساس على إتمام العلاقة بين القطاع الخاص من دون وسيط متمثّل بالدولة"، تقول إحدى المشاركات في صياغة القانون، الخبيرة في مجال الطاقة كرستينا أبي حيدر. "ولكن للأسف جرى تعديل القانون وإدخال الهيئة الناظمة كركن أساسي من أركان تطبيقه. ذلك مع العلم أنّ القاصي والدّاني يعرف أنّ الهيئة الناظمة يستحيل تشكيلها بالشّكل الذي أنشئت فيه بحسب القانون 462 بسبب الضغوط السياسيّة أوّلاً، وانعدام النيّة بتشكيلها من دون التعديلات التي أدخلتها عليها وزارة الطاقة". ممّا يعني أنّ "قانون الطاقة المتجدّدة والموزّعة، على أهميّته وأهميّة إقراره، حافل بالمخاطر من أن يدخل البازار السياسي"، تضيف أبي حيدر. "وأن يصدر في ما بعد قانون بمادّة وحيدة تعطي صلاحيّة الهيئة النّاظمة لوزير الطاقة منفرداً إلى حين تشكيلها. وذلك من أجل تطبيق قانون إنتاج الطّاقة المتجدّدة الموزّعة. وبهذه الحالة نكون قضينا على روحية القانون وأعدنا إدخاله تحت الإشراف السياسي المطلق لوزير الطاقة، كائناً من كان، وبغضّ النّظر عن الجهة السياسية التي ينتمي إليها. ونكون بذلك قضينا على الخطوات الإصلاحية التي يدعو إليها القانون". وتتابع أبي حيدر: "ما يؤكّد مخاوفنا هو تقديم وزير الطّاقة الحالي وليد فياض مشروع قانون لتعديل القانون 462/ 2002 المتعلّق بالهيئة النّاظمة لقطاع الكهرباء. وعليه من المطلوب من المجلس النيابي العودة الى النّسخة الأصليّة وإقرارها".
تطبيق القانون من النّاحية التقنيّة لا يقلّ صعوبة
بعيداً عن السياسة، فإنّه من الناحية التقنيّة الأمور ليست أفضل حالاً. فالقانون باختصار يسمح بإنتاج الطّاقة لحدّ 10 ميغاواط، وبيعها بشكل مباشر بين كيانين اقتصاديين. ويتيح أيضا وضع الفائض على الشّبكة سواء كان لبيعها للعموم أو لإيصالها إلى أماكن غير متّصلة جغرافياً. حيث تنصّ المادّة الرّابعة أنّه "في حال وجود فائض من الطاقة المستمدّة من نظام الطاقة المتجدّدة إلى المستهلك، يصدّر هذا الفائض من الطّاقة المتجدّدة إلى الشبكة، ويخضع لترتيبات نظام التّعداد الصّافي لمالك منفرد وفق ما هو محدّد في المادّة 3 من هذا القانون". ويجيز القانون للمنتجين "الرّبط على الشبكة العامة (...) وبيع الكهرباء مباشرة إلى المستهلكين من خلال اتفاقيات شراء الطّاقة خارج الموقع. ويتمّ للغاية تركيب عدّاد خاص بنظام الطّاقة المتجدّدة لربط هذا النظام بالشّبكة العامّة. وعليه فإنّ نجاح القانون من الناحية التقني يتطلّب توفر امرين أساسيين:
- شبكة عامّة مستقرّة تتوفّر عليها الكهرباء 24/24.
- استكمال مشروع استبدال العدّادات القديمة بالعدّادات الذكيّة الحديثة.
فمن المستحيل نقل الطّاقة من مكان إلى آخر في ظلّ التّقنين الحاصل، والذي يختلف توقيته بين مكان وآخر.
القانون بالغ الأهمّيّة، والذي طال انتظاره كثيراً من قبل القطاع الخاص لتأمين الكهرباء "عصب الاقتصاد" بكلفة زهيدة وفعالية عالية، سيولد ميتاً. ولن "يشهق أوكسيجين" التّنفيذ، ويطلق "صرخة" الحياة، إلّا بعد تطبيق الإصلاحات بالجملة. فالتشريع بالمفرّق لإرضاء المجتمع الدولي، وبنوايا مبيّتة لم ينفع في الماضي، ولن ينفع حاضراً. بل على العكس فإنّ المخاطر تزداد والأمل ينعدم.