يؤكّد أحد المشاركين في الاجتماعات الخماسية أنّه سيكون للبنان رئيس قريباً وسيتبلور الأمر بعد عودة لودريان

فيما يوشك الحوار بين "التيّار الوطني الحرّ" و"حزب الله" الانتهاء إلى اتّفاق على دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية قبل عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في أيلول المقبل، يؤكّد أحد المشاركين في الاجتماعات الخماسية أنّه سيكون للبنان رئيس قريباً وسيتبلور الأمر بعد عودة لودريان، متوقّعاً أن تشهد البلاد بعض التطوّرات والأحداث السياسيّة التي ستفرض على الجميع استعجال إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتّوافق، أو عبر منافسة انتخابية ديموقراطية.

شاءت المصادفات أن تنقلب شاحنة لحزب الله على كوع الكحّالة ذي الباع الطويل في "الانقلابات" منذ أن كان، وعلى أنواعها، انقلاب سيّارات وشاحنات، وانقلابات أمنيّة وعسكرية تدْخل عميقاً في ذاكرة الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 ودامت أكثر من خمسة عشر عاماً.

ويقول الذين تتبعوا الحادثة وما خلّفته من ضحايا وما أعقبها من ردود فعل ومضاعفات، أنّ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه قوى المعارضة كان هجومها على الجيش ومحاولاتها النّيل منه. وقد كشف هذا الهجوم أمرين لا ثالث لهما:

ـ أمّا أنّ الذين هاجموه لا يؤيّدون ضمناً ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، وهو الذي يحظى بتأييد قوى داخلية وبعض دول اللقاء الخماسي العربي ـ الدولي، فوجدوا في حادثة الكحّالة وطريقة تعاطي الجيش الواقعية معها "ضالّتهم" للتفلّت من ضغوط بعض "الخماسي" عليهم للقبول بترشيح عون غير المتحمّسين له.

ـ وأمّا أنّهم اخطأوا الحسابات في الهجوم على الجيش ما اوقعهم في شرور أعمالهم، فبدل أن "يكحّلوها عموها" وأصابوا من ترشيح قائد الجيش مقتلاً، وها أنّ بعضهم بدأ يحاول لفت نظر بعض دول "الخماسي" إلى طريقة تعاطي قائد الجيش مع الشّاحنة وهل أنّه سيسلّمها للمقاومة، أم أنّه لن يسلّمها لكي تبني على الشيء مقتضاه في الموقف منه، في وقت نُقل عن بعض مسؤولي حزب الله، أن لا مشكلة لديه إن صادر الجيش حمولة الشّاحنة أو لم يصادرها لأنّ محتواها يمكن للجيش أو المقاومة استخدامه طالما أنّ الغرض منه شريف وليس للاستخدام في الدّاخل.

أمّا الحادثة وما شهدته من تفاعلات ومضاعفات، يقول الذين تتبعوها عن قرب، فأظهرت أنّ البلاد عصيّة على الفتنة وعلى أيّ حرب أهلية يحلو للبعض أن يتوقّعها وللبعض الآخر أن يتخوّف منها، فمثل هذه الحرب لا يستطيع أي فريق سياسي خوضها أو الانخراط فيها، حتّى أنّ الفريق الأقوى وهو حزب الله وحلفاؤه ليسوا في وارد الدخول في حرب من هذا النوع نتيجتها معروفة سلفاً، وهي أن لا أحد يربح فيها حتّى ولو ربح عسكرياً على الأرض، فضلاً عن أنّ حرباً من هذا النوع تفرض أن تكون لها مقوّماتها السياسية والمادّية والعسكرية واللوجستية بالإضافة إلى التمويل الكبير، وفي الصورة لا يظهر أنّ هناك أيّ دولة أو محور أو جهة في وارد تمويل هذه الحرب وإدارتها، خصوصاً إذا كان المراد منها تقويض فريق سياسي بعينه أو حزب الله وسلاح المقاومة وهو تقويض يتمنّاه خصومه داخل لبنان وخارجه، وبالدّرجة الأولى إسرائيل التي يؤرقها هذا السلاح الذي تتعاظم قوّته في اضطراد منذ حرب تموز 2006 التي يحتفل الحزب بذكرى انتصاره فيها هذه الأيام.

ويلاحظ المتابعون أنّه ما إن توقّف ضجيج حادثة الكحّالة، عاد الاهتمام إلى الاستحقاق الرئاسي العالق عند "كوع الخلافات" في انتظار عودة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الشهر المقبل. وهنا الأنظار منصبّة على الحوار الجاري بين حزب الله و"التيّار الوطني الحرّ" الذي أوشك الوصول إلى النّتائج المرجوّة منه، من دون أن يتأثّر بتفاعلات حادثة الكحّالة، وتورّط بعض نوّاب "التيّار" في هجوم على حزب الله، تبيّن أنّ خلفيّته أنّهم أرادوا عدم ترك السّاحة لحزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" للمزايدة على "التيّار" مسيحيّاً وإظهاره أنّه يقف في "الخندق المعادي" للمسيحيين.

وهذا الحوار، يقول قطب سياسي، سينتهي قريباً باتّفاق بين التيار والحزب يكون لمصلحة دعم ترشيح فرنجية. في مقابل ضمانات سيحصل عليها التيار من دون التوقّف الحرفي عند ما يطرحه من شروط أو مطالب، منها "اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة وإنشاء الصندوق الائتماني"، وطبعاً هذا الاتفاق سيكون بعلم فرنجية الذي لا يستبعد أن تحصل قريباً لقاءات بينه وبين قيادة "التيار" في اللحظة السياسيّة المناسبة.

وهذا الاتّفاق بين "الحزب" و"التيار"، يضيف هذا القطب، الذي يساعد عليه اقتناع رئيس التيار النائب جبران باسيل بأنّ "الثنائي الوطني" ليس في وارد التخلّي عن دعم ترشيح فرنجية على الإطلاق، وهذا سيغيّر موازين القوى والمعادلات المتعلّقة بالاستحقاق الرئاسي لمصلحة رئيس تيار "المردة" الذي وخلافاً لاعتقاد البعض لن يلقى اعتراضاً لدى الخماسي، ولدى الجانب السعودي تحديداً إذا رجحت الكفّة السياسيّة الداخليّة لمصلحته، وفي هذه الحال فإنّ رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط لن يجد غضاضة في تأييد فرنجية وهو الذي لطالما ردّد أنّه سيؤيّد فرنجية إذا حصل على تأييد مسيحي معقول أو واسع، وهذا التأييد سيؤمّنه "التيار الوطني الحرّ" وكتل نيابية مسيحية ونواب مسيحيون مستقلّون وكذلك نوّاب تغييريون، فضلاً عن تأييد كتل نيابية سنّية منها، ما يعني أنّه يصبح من السّهل على الفريق المؤيّد لفرنجية تأمين أكثرية الثلثين النيابية لانتخابه في جلسة الانتخاب بدورتيها الأولى والثّانية.

هناك من يتطلّع إلى الحوار الذي يجريه النائب طوني سليمان فرنجية مع حزب "القوات اللبنانية"

وفي السياق عينه، فإنّ هناك من يتطلّع إلى الحوار الذي يجريه النائب طوني سليمان فرنجية مع حزب "القوات اللبنانية"، فهذا الحوار في حال انتهى إلى قبول "القوات" بترشيح فرنجية الأب، معطوفاً على القبول المرتقب من "التيار"، فإنّه سيؤدّي إلى تكريس فرنجية مرشّحاً ومن ثمّ رئيساً توافقياً وهو ما يطمح إليه الرجل منذ إعلان ترشيحه وإلى الآن.

أمّا في حال ظلّت الاصطفافات على ما هي واقتصر الأمر على قبول التيار بترشيح فرنجية، وهو لا مفرّ له منه بعد كلّ ما جرى معه في التفاوض مع الآخرين في الداخل والخارج، فإنّ الاستحقاق الرّئاسي سيبقى في منطقة "التعادل السلبي"، والذي يستحيل معه على أيّ فريق أن يؤمّن أكثريّة الثلثين النيابية لتأمين فوز مرشّحه، سواء كان هذا المرشح فرنجية أو قائد الجيش أو أيّ مرشّح آخر. وفي هذه الحال سيطول الفراغ الرئاسي إلى أمد غير معلوم، وسيعلن اللقاء الخماسي انسحابه من ساحة الوساطات أو رعاية أي حِوارات، تاركاً الأفرقاء السياسيين بكلّ تلاوينهم "تقليع أشواكهم بأيديهم"، حسب قطب نيابي التقى لودريان.

إلّا أنّ أحد المشاركين في الاجتماعات الخماسية يؤكّد أنّه سيكون للبنان رئيس قريباً وسيتبلور الأمر بعد عودة لودريان، متوقّعاً أن تشهد البلاد بعض التطوّرات التي تفرض على الجميع استعجال إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتوافق، أو عبر منافسة انتخابية ديموقراطية. وهو ما يشير إليه القطب عندما يتحدّث عن احتمال فشل مهمّة لودريان وانسحاب اللقاء الخماسي من التعاطي بالشّأن الرئاسي.