يربط فريق من السياسيين أحداث عين الحلوة بالاستحقاق الرّئاسي على خلفية نتائج اجتماع الدوحة الأخير 

ثمّة مقولة شعبيّة يردّدها اللبنانيون في كثير من المواسم السياسيّة والاستحقاقات المتشابهة دوماً في لبنان تقول: "كلّ الدروب تؤدّي إلى الطّاحون"، بمعنى أنّ كل ما يدور من أحداث ومواقف على أرض الواقع يؤول في النّهاية إلى النّتيجة المتوخاة التي تُطعم خبزاً ولا يمكن للجميع الاستغناء عنها، شاء هذا الفريق أو لم يشأ ذاك.. والطّاحون في حال لبنان الراهنة هو استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية ينهي الفراغ المتنقّل بين جنبات إدارات الدّولة المتهالكة، وغالبيّة ما يحصل من أحداث وتطوّرات في السياسة، كما في الأمن والاقتصاد والنّقد والمال، يرتبط عميقاً بهذا الاستحقاق سواء بالسّعي إلى انجازه أو بالعراقيل التي تعترضه..

مناسبة الكلام على هذا "الطاحون" هو أن لا شيء يحصل في لبنان وحتّى في بعض المواقف العربية والدّولية إلّا ويصبّ بنحو او بآخر بالاستحقاق الرئاسي والنزاع السياسي القائم حوله داخليّاً، وضمن المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية المتصدّية لحلّ الأزمة اللبنانية، ومن هنا جاء إدراج البعض الأحداث التي شهدها مخيّم عين الحلوة في سياق المعركة الدّائرة حول رئيس الجمهورية العتيد، والتي كشف لقاء الدّوحة الخماسي وبيانه الختامي أحد فصولها، وكانت بعده زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت لتقدّم فصلاً آخر سيكتمل مع زيارته الثالثة للبنان في أيلول المقبل. ثم جاءت البيانات الخليجية والأجنبية حول دعوة رعايا عرب وأجانب إلى مغادرة لبنان أو توخّي الحذر في التنقّل وعدم الاقتراب من مناطق التوتّر، لتكشف هي الأخرى النّزاع حول الرئيس اللبناني العتيد، وأنّ هناك تباينات وتعقيدات وربما اشتباكات حول قضايا أخرى في الإقليم، ويتصدّرها ما يحكى عن تعثّر في تنفيذ الاتفاق السّعودي ـ الإيراني، وكذلك التباطؤ في خطى الانفتاح السّعودي ـ السّوري، وأيضاً التعثّر في التفاوض الجاري حول الملفّ النووي الإيراني معطوفاً على تطوّرات الحرب الرّوسيّة ـ الأوكرانية، وما يجري في الشّمال السوري من تنسيق روسي ـ إيراني في مواجهة استعدادات وتحرّكات أميركية وفي شرق الفرات وكلّ المناطق السّورية الخاضعة لـ"قوّات سوريا الديموقراطية"(قسد) وللمنظّمات المتطرّفة من "داعش" وبقيّة المنظمات والمسمّيات.

يربط فريق من السياسيين أحداث عين الحلوة بالاستحقاق الرّئاسي على خلفية نتائج اجتماع الدوحة الأخير الذي فرز أطرافه بين فريق مؤيّد لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون وآخر مؤيّد انتخاب رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية، وثالث منتظر رجحان الكفّة لأيّ من المرشحين ليسارع إلى تأييده.

ليس كلّ ما تطلبه الرياض وواشنطن ستنالانه، ربما ستنال الرياض أكثر ولكن الجانب الأميركي لن يأخذ كلّ ما يريد في المنطقة، وخصوصاً في لبنان

وثمّة من يقول أنّ واشنطن والرّياض كلاهما لا تمانعان ضمناً وصول فرنجية إلى سدّة رئاسة الجمهورية اللبنانية، ولكنّهما تريدان أثماناّ في المنطقة بدلاً من ذلك، وطبعاً تطلبان هذه الأثمان من إيران وسوريا بالدّرجة الأولى، ما تريده الرّياض هو حلول سياسيّة متوازنة في اليمن وسوريا يمكن أن تكون على شاكلة "اتّفاق الطائف" اللبناني الذي في الأساس يرسي نظاماً سياسياً متوازناً، ولكنّه بعد التجربة يحتاج إلى تصحيح تنفيذ بعض بنوده واستكمال تنفيذ ما تبقّى من بنود. كذلك تتلاقى الرّياض وواشنطن عند مطلب وقف التدخّل الإيراني في شؤون دول المنطقة أو على الأقلّ تنظيم نفوذها في الإقليم، في حين أنّ ما يهم واشنطن لهذه الجهة هو تقويض هذا النفوذ كونه في رأيها يشكّل خطراً على أمن إسرائيل بالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني الذي يقلق تل ابيب ويخيفها ويدفعها إلى التّخطيط والتهديد منذ عشرات السنين بقصف المنشآت النووية الإيرانية.

لكن، يقول متابعون للتطورات، أن ليس كلّ ما تطلبه الرياض وواشنطن ستنالانه، ربما ستنال الرياض أكثر ولكن الجانب الأميركي لن يأخذ كلّ ما يريد في المنطقة، وخصوصاً في لبنان، وهو ما كان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد قد لمّح إليه قبل يومين عندما قال: "على الأميركيين أن يعرفوا أنّ هناك ما لا يستطيعون تجاوزه في هذا البلد" مؤكّداً "أنّ الاميركيين لا تستدرجهم اللياقات والمجاملات بل تستدرجهم المصالح".

في الموازاة كان هناك ردّ لرئيس مجلس النواب نبيه بري على المناخ المشاع ضدّ فرنجية منذ اجتماع الدوحة، حيث أكّد تمسّكه بترشيح فرنجية في مواجهة معارضي هذا الترشيح من جهات داخلية وخارجية. وعلّق بري على ما وصفته به بعض الرسائل الأميركية من أنّه "يشكّل امتداداً لحزب الله" وأنّه ينبغي فرض عقوبات عليه، فقال: "انا امتداد لكلّ شيء وكما قلت من قبل أنّ برّي ما بيحلى عالرّص"، مؤكّداً بذلك انه غير عابئ لا بعقوبات ولا بغيرها. ولكن ما استوقف الجميع كان عبارته التي قال فيها: "إنّي مستمرّ في ترشيح فرنجية حتى النهاية ولمّا يصير في نتائج بموضوع الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر اسألوني إذا كنت مرتاحاً".

في هذا السياق يمضي الحوار الهادئ الجاري بين "التيار الوطني الحر" وحزب الله قدماً وبخطى ثابتة، على حد أوساط المشاركين فيه، للوصول إلى نتائج عملية يتوقّع أن تظهر قبيل عودة الموفد الفرنسي لودريان في أيلول المقبل، وكلّ المؤشرات تدلّ حتّى الآن إلى صيرورة "التيار" إلى تأييد ترشيح فرنجية مقابل ضمانات سيحصل عليها على مستوى دفع الجانبين في اتجاه إقرار اللامركزية الإدارية الموسّعة وإنشاء الصندوق الائتماني لممتلكات الدولة، فضلاً عن ضمانات أخرى على مستوى مشاركة التيار وموقعه في الحياة السياسية خلال العهد الرئاسي المقبل.

على أنّه في ضوء هذا "الحوار العوني ـ الحزبلاهي"، إذا جاز التعبير، فإنّ فريق المعارضة يضرب حالياً "الأخماس بالأسداس" ويعمل في غير اتجاه على بلورة طرح يواجه به الطّرح الذي سيخرج به "الثنائي" و"التيار" وحلفائهما في نهاية الحوار، وهو ما بات معروفاً بدعم ترشيح فرنجية.

وعلى الأرجح وبعد انتهاء التقاطع على المرشّح جهاد ازعور بين "التيار" وفريق المعارضة والذي لم يتجرّأ أيّ من الفريقين على نعْيه، فإنّ المعارضين قد يذهبون إلى تبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون علّهم يظفرون به على طريقة "اتفاق الدوحة" الذي جاء بالعماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية عام 2008، وذلك على رغم إدراكهم الموانع الدستورية لانتخابه والتي لا يمكن أن تزول إلّا إذا توافرت أكثريّة الثلثين النيابية لتعديل الدستور بما يجيز له الترشّح ومن ثمّ توافر أكثرية الثلثين لانتخابه. وتتكئ "القوات اللبنانية" والمعارضة في هذا الموقف على نتائج اجتماع الدوحة الخماسي الأخير الذي أيّد بعض المشاركين فيه ترشيح عون، ولكنّهم اصطدموا ولا زالوا يصطدمون بمعارضة "الثنائي الشيعي" و"التيار الوطني الحر" وحلفائهما لهذا الترشيح.

"القوات" التي تدرك صعوبة وصول عون، لا تجد عضاضة في دعم ترشيحه خصوصاً وأنّها تعتقد أنّه يشكّل إحراجا لرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، وتعتبر أنّ وصوله إلى رئاسة الجمهورية قد ينعكس سلباً على مستقبل التيار وقواعده الحزبية في السّاحة المسيحية، إذ ربما يستميل أجزاء كبيرة من هذه القواعد إلى جانبه بما يجوّف "التيار" بشرياً وسياسياً من داخله، ويضعف مكانة باسيل وموقعه فيه وعلى مستوى الواقع السياسي. وإذا فعلتها "القوات" فإنّها تكون كرّرت تجربة العام 2016 عندما تبنّت ترشيح العماد ميشال عون لإسقاط ترشيحه، وكذلك ترشيح فرنجية في آن معاً، ولكن كانت النتيجة أنّ عون فاز لأنّ تيار "المستقبل" انتخبه إلى جانب الآخرين. ولكن هذه المرة قد يكون الهدف من تبنّي ترشيح قائد الجيش إسقاط هذا الترشيح ومعه ترشيح فرنجية لأنّها لا تؤيّد الترشيحين قولاً وفعلاً، لكنّها على الأرجح لن تفلح في ذلك لأنّ فرنجية مرجّح وصوله بقوّة، وكذلك قائد الجيش إذا حصل اتّفاق كبير داخلي وخارجي عليه وإذا تمّت ازالة الموانع الدستورية لانتخابه.

يبقى في الشأن الدّاخلي، وفي خضمّ تقاذف كرة إقراض الدّولة من احتياطي العملات الصّعبة في مصرف لبنان (وهو المتبقّي من أموال المودعين) بين الحكومة ومجلس النواب، وكأنّها كرة نار في ظلّ إصرار حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري على رفض هذا الإقراض ما لم يكن مقونناً ومقروناً بشرط إعادة الأموال التي سيتمّ اقتراضها، بادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى عقد لقاء وزاري تشاوري في مقرّ البطريركية المارونية في الديمان في حضور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وذلك في ضوء لقائهما الأسبوع الماضي، حيث أنّ ميقاتي أراد من الراعي أن يُسمع شكواه إلى الوزراء مباشرة وأن يسمع منهم في المقابل، بما يدحض الاتّهامات الموجّهة للحكومة بأنها تتجاوز صلاحياتها في ظلّ تولّي مجلس الوزراء صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة إلى حين انتخاب رئيس جديد.