زيارة ميقاتي إلى الدّيمان جاءت بعد هجوم عنيف شنّه الرّاعي على السّلطة السياسيّة.

يجيد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعبة تقطيع الوقت وتغيير المواقع، فميقاتي الذي كان منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في بعبدا، أقرب إلى "الثنائي الوطني"
 منه إلى أيّ طرف آخر على الساحة اللبنانية، حتى من نادي رؤساء الحكومات السابقين، بدا أخيراً وكأنّه يبحث عن حاضنة جديدة قد يكون قد ظنّ أنّها البطريركية المارونية. فجاءت زيارته إلى الديمان مفاجئة بالشكل والمضمون.

ميقاتي أعلن عن "جلسة تشاورية" للوزراء يوم الثلاثاء في الديمان. كما أنّه وفي موضوع الضمانات المطلوبة من الحكومة في موضوع العلاقة مع المصرف المركزي لم يتوانّ عن رمي الكرة في ملعب المجلس النيابي. الأمر الذي دق جرس الإنذار في عين التينة وفي غيرها من العيون الشاخصة لترصد ما سيكون عليه ردّ فعل رئاسة مجلس النواب على هذا الطرح، خصوصاً أن الرئيس نبيه برّي كان قد أعلن في أكثر من مناسبة أنّه ضدّ تسلم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري مهام الحاكم، لما سيعنيه هذا الأمر من وقوع كلّ مواقع مالية الدّولة في يد "الثنائي الشيعي"، وهو نفسه "الثنائي" الذي يتحكم اليوم بمسألة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، من حيث الدعوة إلى جلسة من عدمها، ومن حيث التمسّك بدعم المرشّح سليمان فرنجية ورفض الخوض بإمكانية ترشيح آخر. ويذهب البعض في تصوير "الطائفة الشيعية" اليوم على أنّها الطائفة الحاكمة. برّي يمسك بالسلطة التشريعية، ويوفر الغطاء للسلطة التنفيذية بحيث لا يستطيع ميقاتي الدعوة إلى جلسة من دون "الثنائي" ودعمه، بل أنّ ميقاتي يتحرّك غالباً بإيحاء من برّي نفسه، وتكثر الأمثلة على هذا وأكثرها غرابة مسألة التوقيت الصيفي وما رافقها وآخرها جلسة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. ورغم كلّ ما يقال تملك الطائفة أو من يمثّلها قرار الحرب والسّلم مع ترسانة عسكرية ضخمة.

فهل قرّر ميقاتي أن يخطو خطوة إلى الوراء؟ خطوة يعيد من خلالها تقديم نفسه بصورة غير تلك التي قدّمها حين لم يهتمّ لانتقادات البطريركية المارونية ولا غيرها من الأحزاب المسيحية لاجتماعات حكومته، بغياب رئيس الجمهورية وفي ظل كونها في مرحلة تصريف الأعمال، كما أنّه لم يتأثر بمقاطعة عدد من الوزراء المسيحيين لجلسات حكومته المستقيلة. فهل يسعى ميقاتي فعلاً للاستظلال بغطاء بكركي تحسّبا من أيّ تطوّر يحصل في ملفّ من الملفّات العالقة وهي كثيرة وأغلبها ليس في مصلحته؟.

الحوار إن لم يكن في المجلس النيابي فيمكن أن يحصل في الديمان

هي جلسة تشاورية للوزراء في الديمان، فهل سيحضرها الوزراء المقاطعون للجلسات الحكومية؟ وهل تهدف إلى تصوير الوزراء المسيحيين وكأنهم يرفضون المشاركة في نشاط تحتضنه مرجعيتهم الدينية؟ وهل يهدف ميقاتي إلى تصوير نفسه وكأنه من أعاد مبادرة الحوار التي كان قد دعا إليها البطريرك الماروني لكنها لم تعرف طريقها إلى الترجمة وطنياً حينها. أم أنّه قرّر فعلاً توجيه رسالة إلى حلفاء الأمس بأنّ الحوار إن لم يكن في المجلس النيابي فيمكن أن يحصل في الديمان. وفيما الكلّ يترقّب موعد الجلسات التشاورية التي سترعاها فرنسا في أيلول على ما قيل، يفتح ميقاتي صفحة حوارية وزارية ومن البطريركية المارونية بالتحديد؟

صحيح أن ميقاتي قال "إنّ الجلسة ستبحث مسألة القيم الاخلاقية والانسانية التي يتعرّض لها التلامذة واللبنانيون جميعاً وكيف يمكن أن نتمسّك بهذه الوحدة الوطنية". وهذا الكلام يحتاج لتفسير دقيق، فإذا أغفلنا مسألة الوحدة الوطنية وهي بطبيعة الحال مجرد فولكلور لغوي يرد عادة في أي خطاب في بلد أصلّا يعشق الفولكلور والزجل والكبّة نيّة. تبقى مسألة القيم الأخلاقية والإنسانية... وهذه الجملة تفتح الباب على مسائل شتّى يعيشها البنانيون، وآخرها ما أثير حول موضوع المثلية الجنسية والحديث عن مؤامرة تستهدف المجتمع اللبناني. وكان اللبنانيون ومن جهة أخرى قد صعقوا بمشاهد تعنيف أطفال في إحدى الحضانات على يد مربّية، مع ما يعنيه هذا الأمر من تسلّل الممارسات العنيفة والمرضية إلى مجتمعنا والأعراض النفسية الناتجة عن كل ما عاشته البلاد وتعانيه. أو هي الضائقة المادية التي أصبحت تهدّد التحصيل العلمي وظروف عيش غالبية اللبنانيين. فهل سيكون التشاور لمجرّد استعراض ما نعيشه، أم أننا في الخلاصة سنستمع إلى توصيات قد تشكل هيئات لمتابعتها أو تبقى في إطار المشاريع المعلّقة.

زيارة ميقاتي إلى الدّيمان جاءت بعد هجوم عنيف شنّه الرّاعي على السّلطة السياسيّة. الراعي الذي تحدّث عن فساد سياسي وأخلاقي وإداري وقضائي معتبراً إنه مكمن انهيار العمل السياسيّ. غير أن أقوى ما جاء على لسان الراعي كان ما قاله لجهة أنّ النازحين السوريين يحتلّون البلاد بدعم من الاسرة الدولية. فهل سيكون موضوع النزوح السوري ضمن بنود جلسة المشاورات لما يشكّله من خطر على لبنان طالما أن موضوع الفساد والتصدّي له يبدو أقرب إلى المزاح.

ميقاتي كان قد تناول موضوع النزوح السوري في أكثر من مناسبة آخرها كان خلال استقباله وفداً برلمانيا أوروبياً، حيث حذر من أن لبنان لم يعد بمقدوره تحمل وزر هذا النزوح الذي يتسبّب بمشكلات على الصعد كافة، في غياب أي خارطة طريق دولية لعودتهم إلى بلادهم. فهل يصدر عن هذا اللقاء التشاوري خارطة طريق لبنانية تحدد الخطوات التي سيتبعها لبنان من أجل إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم؟

ومن خارج كلّ ما سبق ذكره تحضر مسألة ما يحصل في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين من اشتباكات مسلّحة طالت القاطنين فيه وجيرانه من اللبنانيين. هو موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات وداخله، والذي كان من المفترض معالجته بشكل أو بآخر، ولكنّه يبقى مادّة متفجّرة قابلة للاستخدام على الساحة اللبنانية كفعل تفجيري أو في عمليات تبادل الرسائل. ومن قرأ رسالة ما حصل في ما جرى في عين الحلوة يعرف أنّنا قد نشهد المزيد من تبادل الرسائل على الساحة المحلية، وليس بالضرورة أن تحمل عنواناً واحداً وإن كانت رئاسة الجمهورية اللبنانية إحداها.