لم تمنع الظروف الإقتصادية الصعبة هذا العام بعض أهالي أو أقارب الناجحين في شهادة الثانوية العامّة، من "الإحتفال" بهم على طريقتهم الخاصة، (إطلاق النّار في الهواء والمفرقعات النارية)، وهذه ظاهرة قديمة - جديدة، تكاد تكون متجذّرة ويدخل معها المجتمع اللبناني موسوعة غينس كأكثر شعب يُطلق النار ابتهاجاً أو حزناً، فكيف يمكن أن يُعبّر عن الفرح حيال نيل شهادة تفتح أبواب المعرفة أمام التلميذ لسنواته الجامعية المقبلة بهذا الكمّ من "الجهل"؟! أو حتّى في الأحزان خلال تشييع الأموات، أهو اعتراض على القدر؟! أو ماذا يعني تحديداً إطلاق النار عند الساعة 24:00 مع استقبال السّنة الجديد، ليل 31 كانون أول من كل عام؟

تأثير هذه الظاهرة اجتماعياً، تشرحها لـ"الصفا نيوز"، الباحثة في الانثروبولوجيا والإعلام الدكتورة ليلى شمس الدين، مشددةً على مدى خطورتها نظراً لتكريسها الأفعال الإجرامية عند صغار الّسنّ فضلاً عن تسبّبها بالتلوّث الّسمعي وإلحاق الأذى بالآخرين حتى القتل.

وتقول شمس الدين: "إطلاق النّار الإحتفالي ممارسة خطيرة ومتهوّرة تهدف الى التعبير عن مشاعر المبتهجين من دون النّظر إلى عواقب هذا التعبير"، لافتةً إلى أنّ امتداد هذه الظاهرة يعود لأكثر من نصف قرن من الزمن، وذلك مع بدء انتشار المظاهر المسلّحة داخل المخيّمات الفلسطينية وما أعقب ذلك إثر الحرب الأهلية اللبنانية لتتحوّل مع مرور كلّ هذه الأعوام إلى عدوى أولاً، ومن ثم تقليد".

وتضيف: "تكمن الخطورة في اكتساب هذا السلوك بسنّ مبكرة وتتعزّز تدريجياً في نفوس الاشخاص، حيث من الممكن أن يضيف البعض عليها سلوكيّات خاصّة بالظاهرة حسب المجتمعات المحيطة"، موضحةً "أن لوسائل الاعلام اليد الطولى بالحدّ من انتشار التقاليد المعمّمة"، معتبرةً أنه من الخطأ الاكتفاء بتسليط الضوء على الظاهرة فقط، إنّما على سلبيّاتها أيضاً لأّن حب الاستعراض والظهور عند بعض الاشخاص قد يدفعهم لمخالفة القوانين فقط، اعتقاداً أنّه "تميّز".

والتخفيف من التّبعات السلبيّة لا يكون إلّا عبر الإرشاد والوعي المجتمعي من خلال بثّ الاعلانات، فضلاً عن النشرات وتسليط الضوء على الأذيّة جرّاء هذه الممارسات، وتحويل القضية الى قضية رأي عام لحشد تراكم بالتفكير من أجل تغيير السلوكيات وضبطها من أجل المساهمة بتوعية الجمهور.

تكلفة المفرقعات والأعيرة النارية

فاتورة مرتفعة يدفعها المواطنون العُزّل عقب إطلاق النّار في الهواء، فهل هناك ما هو أثمن من الأرواح؟ لا إحصاءات رسميّة تُفيد بأعداد الضحايا منذ ما بعد عام 2016، ولكن يكاد لا يمرّ بضعة أسابيع حتّى نقرأ أو نسمع عن إصابة أو حالة وفاة "برصاصة طائشة"، فيما تكمن الخطورة القصوى بأنّ التّهديد قائم يومياً، وأيّ مواطن لبناني أو مقيم أو حتّى سائح هو مشروع ضحيّة لمجرّد أنّ لبنانياً آخر قرّر الإبتهاج أو التعبير عن حزنه برشق ناريّ من سلاحه الحربي.

في المقابل، لا يُفرّق الرّصاص الطّائش بين الممتلكات العامّة والخاصة، فقد بات تحطّم بعض الزجاج وتضرّر السيارات شيئاً مألوفاً بعد ليلةٍ صاخبة بإطلاق النّار والمفرقعات كليلة رأس السنة مثلاً، أو ليلة إعلان نتائج الامتحانات الرسمية أو في "مواسم الأعراس" الصيفية نهاية الأسبوع، فزجاج نوافذ البيوت وألواح الطّاقة الشمسية، وكلّ ما هو مكشوف سيكون عرضة للضرر.

من جهة ثانية، الفاتورة المادّيّة لإطلاق النّار وأسهم المفرقعات النّارية ليست ببخسة، خصوصاً في ظلّ الظروف الإقتصادية الصّعبة التي يعيشها لبنان، فمتوسّط سعر طلقة المسدس وفق المعلومات التي حصلت عليها الصفا نيوز، نحو 0.8 دولار أميركي في السوق الموازية طبعاً، أمّا متوسط سعر طلقة "الكلاشينكوف" (هو السلاح الأكثر استخداماً في المناسبات!) يترواح 0.3 دولار أميركي، في حين لا يتجاوز الحدّ الأدنى للأجور اليوم في لبنان الـ30 دولار أميركي شهرياً!

أمّا أسعار المفرقعات النّارية فليست بأوفر من الرصاص بكثير إذ يتراوح متوسّط سعر المفرقعات النارية وفق ما أفادت شركة نزيه طبّارة لبيع المفرقعات في حديث لـ"الصفا نيوز"، بين الـ5 والـ80 دولار أميركي، موضحةً أنّ غالبية النّاس اليوم تتجه نحو المفرقعات النارية الـ"الخفيفة" التي لا يتجاوز سعرها الـ10 دولارات أميركية.

واذ تشدّد شركة طبّارة على أهمّية الإلتزام بالتعليمات والتقيّد بالشروط التوعوية لاستخدام المفرقعات (لا تباع إلّا لمن تتجاوز أعمارهم الـ22 سنة)، تشير إلى أنّ الإقبال على شراء الألعاب النارية هذه السنة مع صدور نتائج الامتحانات الرسمية، جيد نسبةً للعامين الفائتين حيث كان الإقبال شبه معدوم.

اسعار المفرقعات النارية ومواصفاتها عبر صفحة "علي بابا"


العقوبة القانونية

كلّ من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة أو في حشد من الناس، من سلاح مرخصّ أو غير مرخّص، يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وبغرامة من ثمانية أضعاف إلى عشرة أضعاف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، ويصادر السّلاح في كلّ الأحوال، ويُحال المرتكب إلى المحكمة العسكرية لمحاكمته استناداً الى المادتين 75 و79 من قانون الأسلحة والذخائر.

وكلّ من أقدم على إطلاق أسهم نارية في الأماكن الآهلة بصورة يحتمل معها وقوع خطر على الأشخاص أو الأشياء، يُعاقب بالحبس حتى ستة أشهر، وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتصادر الأسلحة والأسهم المضبوطة استناداً الى المادة 752 من قانون العقوبات.

المفرقعات تطرد الأرواح الشريرة وتجلب الحظ والسعادة

ويعود أوّل توثيق لاستخدام الألعاب النّارية إلى القرن السّابع ميلادي، خلال حكم سلالة تدعى "تانغ" في الصين، وقد أقدم الصينيون على اختراعها من أجل احتفالاتهم، لتصبح في ما بعد جزءاً من ثقافتهم وتقاليدهم، ولتنتشر لاحقاً بين الثقافات والمجتمعات الأخرى. وقد آمن الصينيون أنّ هذه المفرقعات تطرد الأرواح الشريرة وتجلب لهم الحظ والسعادة.